لا يكفي الخطاب الشعبوي الانتخابي برفض تعديل تعرفة سعر الكيلوات ساعة كهرباء، لإزالة العجز الذي ترزح تحته مؤسسة كهرباء لبنان، إذ أن طريق الإصلاح لا يمكن تمهيدها بالأقوال، لأن العبرة في العمل والتنفيذ، ولا يكفي أن تكون سياسة إبعاد المشكلة على طريقة من تحت الدلفة الى تحت المزراب.
فالدولة وستبقى داعمة للقطاع ولأكثر من من 1،2 مليون مشترك (70% من صغار المستهلكين) بحدود 1486 مليار ليرة، خلال العام الجاري، مع قرار وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان بابقاء التعرفة الحالية للكهرباء والتي وضعت على أساس سعر البرميل 25 دولاراً ثابتة، ومع استمرار مشكلة المعامل ومزاريب الهدر الفني وغير الفني بنسبة لا تقل عن 15%، لأكثر من 10 مليارات كيلوات ساعة تنتجها سنوياً المؤسسة، واللجوء الى خطة غير قابلة للحياة أقله قبل الانتخابات النيابية، لأنها تحتاج الى دراسات واقعية لا مجرد أفكار.
ولأن سياسة إلقاء التراب فوق أكثر من 60 خطة وتقرير للكهرباء، ودفنها، يرافقها ارتجال غير تقاني لحل مشكلة تقانية ومالية بالمحض، من شأنها أن تعيق عملية إصلاح القطاع والإسراع في شيخوخته، أكثر مما هو الحال عليه الآن، وبرأي الخبراء الماليين فإن التأخير في إعادة تأهيل مؤسسة الكهرباء لبنان وتنفيذ بعض التعديلات المالية سيبقيان على ضعف الاقتصاد.
ولا يكفي أن يقول وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان، إن رفع هذه التعرفة له انعكاسات سلبية حادة على بعض قطاعات الانتاج التي تعتمد أساساً على الكهرباء، مما سيؤدي الى فقدانها قدرة تنافسية مع مثيلاتها ويخرجها من الأسواق ويجبرها على إغلاق مؤسساتها، لأن مثل هذا الكلام فيه خروج من طريق الإصلاح التقاني لعجز مؤسسة كهرباء لبنان أي خزينة الدولة التي تتحمل أعباء السلف للمؤسسة، التي لم يقفل فيها باب العجز بسبب ارتفاع سعر تكلفة انتاج الكهرباء والموضوع على أساس سعر البرميل 25 دولاراً، فيما هو اليوم سعره مضاعفاً (نحو 43 دولاراً حتى يوم الجمعة)، والجميع يعرف أن منظمة الدول المصدرة للنفط تدرس آليات عدة من أهمها خفض الانتاج لإيصال السعر الى 70 دولاراً.
فكيف تسير خارطة طريق إصلاح الكهرباء، دون إجراء معالجة جدية ومتزنة لموضوع التعرفة، بحجة أن هبوط سعر برميل النفط الى 40 دولاراً، ألغى فرضية زيادة التعرفة لتأمين التوازن في موازنة مؤسسة الكهرباء، وذلك إذا ما احتسبنا الوفر الذي يتحقق من خفض تكلفة الانتاج اضافة الى حذف أعباء الإنشاء والتجهيز من موازنة هذه المؤسسة وفقاً لمواد القانون المنفذ بالمرسوم رقم 16878/64 لتبيّن لنا حكماً عدم الحاجة الى رفع تعرفة الكهرباء.
وفوجئت أوساط الكهرباء بكلام الوزير الرافض لتعديل التعرفة، الذي كلف مستشاره ريمون غجر، بانجاز خطة ومعادلة حسابية على مدى شهرين في موضوع التعرفة، إذ كان موقفه موحداً في هذا الشأن مع وزير المال محمد شطح ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، إلا أنه أعاد حساباته من منطلقات انتخابية.
ومن المعلوم أن سعر البرميل عندما يزيد، سنتاً واحداً عن 35 دولاراً فإن عجز المؤسسة واقع بلا محالة، ولذلك لا يمكن التخلص من هذا العجز إلا من خلال عملية التعديل المطلوبة.
الحكومة السابقة كانت قد وضعت في برنامج باريس3 في ما خص الكهرباء، مهمة تعديل التعرفة، لسببين:
الأول يتعلق بمسألة الدعم غير المتوازن للكهرباء. أما الثاني فيتعلق بتكلفة المحروقات والتي تخطت الـ21 دولاراً ، ومنذ دخوله وزارة الطاقة، أكد طابوريان الموافقة على ما قررته الحكومة السابقة، وكان مصراً أن يتضمن البيان الوزاري هذا الموضوع، إلا أنه عاد وذهب الى معارضة علنية في هذا الموضوع بحجة تراجع أسعار المحروقات.
وقد أكد طابوريان ضرورة التعديل، إنطلاقاً من عملية الدعم غير المتوازنة في هذا السياق، والتي تبين أنه كلما زاد عدد القادرين على استهلاك الطاقة، استحصلوا أكثر على كهرباء مدعومة، فيما الفقير يتلقى دعماً أقل، بحكم الاستهلاك القليل.
لا شك، أن قرار الوزير هو محض شعبوي وخاطئ في آن، فصحيح أن أسعار المحروقات تراجعت إلا أنها لم تنخفض تحت مستوى 25 دولاراً، وبالتالي فإن رفض التعديل، لا يلغي حالة العجز أو الخسارة لدى مؤسسة الكهرباء، وبالأرقام فإن انخفاض الأسعار لا يعني أننا ربحنا، كما أن طبيعة الدعم الذي توفره الدولة يلحق بالصناعي والمستهلك الأكثر للطاقة أكثر بكثير من الفقير، وهو ما يبقي الدعم غير متوازن على الإطلاق.
الإصلاح في خطة الحكومة السابقة، كان يقضي بإجراء دراسات من أجل هذا الموضوع المهم لتخليص إدارة الكهرباء وخزينة الدولة في آن، من مرض العجز المالي، بحيث تكون مهمة الدراسة معرفة قدرات المستهلكين، وقد طلبت الحكومة السابقة والحالية وضع سياسة للقطاع، إلا أنه منذ بدء الحكومة الجديدة مهمتها، ومنذ 8 أشهر أوقف الوزير طابوريان طبيعة المهمة التي كلفت بها الاستشاري داكون الألمانية، وهي وضع دراسة للتعرفة والدعم، وكلفت الشركة الاستشارية بمهات أخرى لا صلة لها بهذا الموضوع، والآن ليس هناك سياسة تعرفة أو دعم يمكنها منع العجز عن مؤسسة الكهرباء.
هناك مجموعة أفكار وضعتها الحكومة، لتعديل التعرفة، ومنها إبقاء الدعم على الشطر الأول، ومن ثم تبدأ الزيادة كلما زاد الاستهلاك، بحيث تأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي، أي كلما زاد الاستهلاك تزداد التكلفة.
لقد أوصت دراسة البنك الدولي بزيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 99.2% دفعة واحدة، أو تدريجاً على ثلاث سنوات، إلا أنها حذرت بوضوح من أن أي خطة لزيادة التعرفة ستبقى حبراً على ورق ما لم تترافق مع إجراءات حماية للفقراء تخفف من عبء هذه الزيادة، كما أنها حذرت من أن زيادة التعرفة ستكون لها تداعيات سياسية وتجارية في ظل استمرار الخدمة الرديئة.
تقول مصادر في مؤسسة الكهرباء، إن المؤسسة وضعت دراسة لتعرفة عادلة، تتلاءم مع تكاليف الانتاج بناء لطلب من الوزير طابوريان، إلا أننا فوجئنا بموقف الوزير الرافض، ومن المؤكد أنه ينطلق من حسابات سياسية ـ انتخابية، تغفل الجانب المالي ووضع المؤسسة منها، والذي لن يسد أو يقفل إلا بتعديل التعرفة أو بتجهيز المعامل للعمل على الغاز.
إن محاولة إدارة مؤسسة الكهرباء ليست الأولى على هذا الصعيد، لقد سبق أن وضعت شركة (NERA) تقريراً عن التعرفة وحجم الدعم الذي تقدمه المؤسسة على الشطور المتدنية لاستهلاك الطاقة الكهربائية، وذلك على أساس تكلفة الانتاج بحسب الأعباء الاستثمارية في العام 2003، ومن ضمنها سعر البرميل الذي كان أقل من 25 دولاراً، إلا أن استباقية الشركة في ما يتعلق بتطور أسعار النفط، لم تتعدَ 35 دولاراً للبرميل في العام 2008، مصحوبة أيضاً بتوقعات بإمكان انتاج بعض المعامل على الغاز الطبيعي في العام 2005.
والملفت أن الدراسة التي وضعتها الشركة آنذاك، توضح أن سعر البرميل الى 25 دولارا، يمكِّن مؤسسة الكهرباء من تغطية النفقات: معاشات ونفقات تشغيل وشراء محروقات، في حين توضح الدراسة أن البرميل إذا زاد على 35 دولارا، فإن المؤسسة ستدخل في مرحلة العجز، فكيف هو الحال عندما يصبح سعر البرميل مضاعفاً، وهو قابل للزيادة أضعافاً مضاعفة.
إن المسألة لا تتعلق فقط، بعملية التوازن المطلوبة لمنع الخسارات المتلاحقة لقطاع الكهرباء، بل بضمان الاستمرارية، وبإعادة حقوق الفقراء دون المساس بمصالح الدولة المالية، فالتعرفة المعمول بها الآن موضوعة على أساس سعر البرميل 25 دولاراً، في حين أن سعره وصل قبل يومين الى حدود 44 دولاراً، وبالتالي فإن سعر تكلفة الكيلوات ساعة على مستوى نفقات شراء الطاقة والمحروقات كان 93.73 ليرة، أما على مستوى كافة النفقات الاستثمارية فكان بـ146.98 ليرة، في حين أن تكلفة انتاجه تتجاوز هذا الرقم.
فالمشتركون العاديون (توتر منخفض)، وبحسب (NERA)، فإن 79.84% من المشتركين يدفعون ثمن طاقة عن شطور استهلاكهم تراوح بين 35 و120 ليرة، و20.16% يستهلكون طاقة تزيد على 500 كيلوات ساعة شهرياً نسبة 51% من هذه الطاقة بتعرفات مدعومة.
إنّ التعرفة المعتمدة الآن في بيع الكهرباء لدى مؤسسة الكهرباء لبنان وسائر الإمتيازات تختلف تبعاً لغاية الإستهلاك وحجمه. وقد حددها مجلس إدارة كهرباء لبنان بموجب قراره الرقم 343 في 19/7/1994، كما يلي:
1ـ المنازل السكنية والمتاجر (توتر منخفض).
الشطر الأول 100 كيلو واط شهريا، 35 ليرة للكيلو واط/ساعة.
الشطرين الثاني والثالث 200 كيلو واط شهريًا، 55 ليرة للكيلو واط/ساعة.
الشطر الرابع 100 كيلو واط شهريًا،80 ليرة للكيلو واط/ساعة.
الشطر الخامس 100 كيلو واط شهريًا،120 ليرة للكيلو واط/ساعة.
ما فوق ذلك، 200 ليرة للكيلو واط/ساعة.
2ـ الإنارة العامة 140 ليرة لكل كيلو واط/ساعة .
3ـ الإدارات العامة والجيش والمستشفيات والمدارس 140 ليرة لكل كيلو واط/ساعة .
4ـ الصناعات الكبرى والحرف والزراعة ـ توتر منخفض 115 ليرة لكل كيلو واط/ساعة .
5ـ الصناعات الكبرى والحرف والزراعة ـ توتر متوسط 120 ليرة لكل كيلو واط/ساعة .
وتقدر مؤسسة كهرباء لبنان بأن هذه التعرفة، خصوصًا للشطور الصغيرة، هي دون التكلفة الحقيقية خصوصاً بعد ارتفاع أسعار الفيول عالمياً، فيما الدعم على بيع الكيلوات ساعة للصناعيين (50 ليرة ليلاً)، فإنه لم يفد إلا أصحاب المصانع، لأن أسعار السلع المصنعة بقيت كما هي، فيما الصانع استفاد وحده من خفض أسعار الكهرباء، حتى موظفو هذه المصانع لم ينالوا حصة من هذا الخفض.
وتشير تحليلات البنك الدولي إلى أن التعويض الكامل يمكن أن يتحقق إما من خلال زيادة التعرفة بنسبة 99.2% دفعة واحدة، أو من خلال زيادة تدريجية على ثلاث سنوات، وذلك بنسبة 26.5%، للسنتين الأوليين، و24.5% للسنة الثالثة، إن بلورة عملية تصحيح التعرفة تقع تحت خانة مشروع البنك الدولي الطارئ لتدعيم القدرة الإصلاحية، ويوصي بأن تكون عملية تصحيح التعرفة تحت استشارة المشروع المذكور أعلاه، على أن تدعم الحكومة هذا المشروع وأن يترافق مع تدابير التنمية الاجتماعية المناسبة لتفادي الضرر على المستهلكين الفقراء.
إن وقف الوزير طابوريان لعملية إصلاح التعرفة، لن يفيد المواطنين أو المؤسسة، لأن المواطن سيعوض تقنين المؤسسة من جيبه مع لجوئه لمافيات مولدات الكهرباء الخاصة، كما أن المؤسسة ستبقى تحت العجز المالي وبند الاستدانة، فعن أي إصلاح يتحدث الوزير طابوريان، عندما يضع حكومته في موقع الخصم والحكم، وهل يكون التوازن المنشود لموازنة المؤسسة بزيادة التقنين أو ببيع سعر الكيلوات ساعة بأقل من سعر انتاجه، وهل الحل أن ترهن الإصلاحات التي شدد عليها باريس3 متعلقة بالمزاج الانتخابي لوزير الإصلاح والتغيير؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.