استمر المؤشر الايجابي للبورصة السياحية اللبنانية، مرتفعاً، وعزز الوضع الأمني والسياسي المستقر، نسبة التفاؤل لدى المعنيين بالقطاع، في امكان تحقيق قفزة قياسية جديدة خلال العام الجاري، مع استمرار التدفق السياحي العربي تجاه لبنان، خصوصاً أن الأشهر الستة الأخيرة من العام 2008 قد استطاعت نشل القطاع من الركود الذي ألم به على مدى ثلاث سنوات ونيف، ليحطم لبنان الرقم الذي أحرزه سياحياً خلال العام 2004، إلا أن مسيرة الاستقرار التي تحاول الطبقة السياسية في لبنان، دعمها بشتى الوسائل لتقطيع الاستحقاق الانتخابي النيابي في السابع من حزيران (يونيو) المقبل، من شأنها أن تدفع بقطاع السياحة اللبناني الى إحراز تقدم على مستوى الإشغال الفندقي والترويج السياحي وتطوير السياحة من خلال جذب الاستثمارات المطلوبة في هذا المجال، وخصوصاً أن وزارة السياحة كانت قد عقدت العزم على دعم نفط لبنان من خلال الاتفاقات التي أبرمت مع بعض الدول (الصين مثلاً) التي من شأنها رفد لبنان بمجموعات سياحية، كانت وجهتها السياحية في الشرق الأوسط، لا تضع في حسابها لبنان.
وقد ظهرت المؤشرات الايجابية للسياحة خلال العام الجاري، مع ارتفاع نسبة عدد الوافدين الى لبنان خلال كانون الثاني (يناير) الفائت، إذ بلغ 77,308 ألف زائر، ما يسجل تقدما بنسبة 22,74%مقارنة مع كانون الثاني 2008 حين بلغ عدد الوافدين 62,987 ألف زائر. وقد سجلت نسبة الإشغال الفندقي خلال كانون الثاني (يناير) الماضي ارتفاعاً بلغت نسبته 55%، فيما ارتفع إنفاق السائحين بنسبة 13 في المئة خلال الفترة المنتهية في كانون الثاني (يناير) المنصرم قياساً بالفترة المقابلة من سنة 2008.
وكان لافتاً أيضاً تحليل شركة ديلويت الشرق الأوسط، الذي اعتبر أنه في حين أظهرت مدن أخرى في الشرق الأوسط تباطؤاً على الصعيد السياحي أواخر 2008، سارت بيروت عكس المنحى السائد مسجلةً إحدى أعلى النتائج المرتفعة في المنطقة. فخلال كانون الأول (ديسمبر) فقط، ارتفعت إيرادات الغرفة المتوافرة في كبريات فنادق المدينة بنسبة 153% مقارنة بالشهر ذاته السنة الفائتة، في ارتفاع حاد كان الأعلى إلى حدٍ كبير بين العواصم والمدن الشرق أوسطية.
ويجمع المعنيون على الحذر من لعبة الروليت الروسية في موضوع السياسة والأمن والاستقرار الداخلي، لما لها من انعكاسات خطيرة على السياحة، فقبل العام 1975 كانت السياحة تشكل 21% من الدخل القومي للبنان، لتتراجع الى 7%، مع الانتكاسات السياسية والأمنية والحروب.
ويلفت هؤلاء الى أن لا شيء مستحيلاً في استعادة مواسم العز للسياحة اللبنانية، بالحفاظ على قاعدة الاستقرار من أجل الاستثمار، وأنه على هذا الأساس يمكن قراءة النمو السياحي الآن، ايجاباً، وخصوصاً خلال الشهرين الأولين من العام الجاري، ونهايات العام 2008.
فقد ارتفعت نسب الأرباح لفنادق ال5 نجوم في لبنان، التي تضم نحو 2500 غرفة، خلال العام 2008، إذ بلغت نحو 65 مليون دولار كايجار للغرف في هذه الفنادق، لتصل الى 90 مليون دولار، مع احتساب نفقات المأكل والمشرب للنزلاء في هذه الفنادق، على أساس سعر وسطي للغرفة يراوح بين 110 و230 دولاراً للغرفة، وبنسبة إشغال فندقي تراوح بين 55 و60%.
وابتداء من أول العام 2009، استطاعت فنادق ال5 نجوم مواكبة الأرباح، على الرغم من أزمة المال العالمية التي ضربت قطاعات الانتاج والخدمات في شتى دول العالم، اذ حققت هذه الفنادق أرباحاً وصلت الى 15،5 مليون دولار و21 مليون دولار مع احتساب نفقات المأكل والمشرب، خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2009، مع نسبة إشغال فندقي وصلت الى 65% وبسعر وسطي للغرفة 112 دولاراً.
ويلاحظ أن لبنان بدأ يستقطب السوقين الأردنية والعراقية، إذ بات السياح العراقيون والأردنيون يشكلون ما يقارب 50% من مجموع السياح العرب.
ويقول رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، إن ارتفاع المؤشرات الايجابية مرده الى اللازمة التقليدية التي نرددها وهي الاستقرار أولاً وأخيراً، الحجوزات الفندقية خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر شباط (فبراير) راوحت بين 98 و99%، ففي لبنان كرست حلة الاستباب الأمني والسياسي الزخم السياحي، مترافقاً ذلك مع فرص في الدول العربية ولا سيما أواخر الشهر المنصرم في السعودية، وهو ما سمح بالحفاظ على الوتيرة السياحية العالية في لبنان.
ويضيف الأشقر خلال اتصال مع المستقبل، أن أمراً آخر دفع باتجاه ارتفاع المؤشر الايجابي للسياحة، خلال الشهرين الأولين من العام الجاري، وهو عودة سياحة المؤتمرات العربية الى لبنان، وعلى الرغم من حجمها الوسطي، إلا أنها قد أسهمت ايجاباً في منسوب السياحة المرتفع.
وإذ لم يخف حذره من المفاجآت وخصوصاً في أيار (مايو) المقبل، وهو الشهر الذي يسبق شهر الانتخابات النيابية في 7 حزيران (يونيو)، يؤكد الأشقر أن لبنان سيبقى الوجهة الثابتة والمفضلة للسياح العرب وخصوصاً الخليجيين منهم.
ويقول المدير العام لفندق السفير (5 نجوم) طارق عماش لالمستقبل، إن موسم السياحة خلال الأشهر الستة التي أعقبت اتفاق الدوحة بين القادة اللبنانيين في أيار (مايو) 2008، أرسى استقراراً أمنياً وسياسياً، استفاد منه القطاع السياحي في لبنان.
ويضيف إن الشهرين الأولين من العام الجاري، استمرا في حصاد سياحي وفير، رغم أزمة المال العالمية التي أثرت في بعض البلدان المجاورة، التي تلعب دوراً منافساً لقطاع السياحة في لبدنا، ومرد ذلك أن لبنان يعتبر قبلة للسياح العرب لا الأجانب، فمثلاً دبي ومصر اللتان تعتبران من الدول المنافسة للبنان، تأثرتا بالأزمة العالمية، لأن نسبة السياحة الأجنبية فيهما عالية ولا سيما أولئك الذين يأتون من البلدان الأوروبية أو من دول شرق آسيا، كوريا الجنوبية واليابان.
ويلفت الى أن لبنان استفاد مطلع العام الجاري من انفتاح سوق السياحة العراقية باتجاه لبنان، وقد شكل السياح العراقيون نحو 10% من السياح الذين أموا لبنان خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، إلا أن هذه النسبة تراجعت الشهر الماضي، مع بداية العملية الانتخابية في العراق، إلا أنها بدون شك ستعود الى مرحلة ايجابية.
ويشير الى أن العرب ومنهم الخليجيون، يفضلون زيارة لبنان، خلال مواسم العطلة شتاء، ويفضلون زيارة أمكنة التزلج، وقد استفاد لبنان من عطلة في المملكة العربية السعودية ومن فرصة العيد الوطني في الكويت، وتوقع أن يستمر الزخم السياحي الى لبنان خلال آذار (مارس) الجاري، مع استمرار حالة الاستقرار في البلد، إذ إن الحجوزات لهذا الشهر مرتفعة، وسيكون هناك عدد كبير من السياح الايرانيين، وخصوصاً بين 18 الشهر الجاري والأول من الشهر المقبل، مع بدء عطلة عيد النيروز في إيران.
ويعتبر عماش، أن لا مجال للمنافسة مع فنادق لبنان من مثيلاتها في الدول المجاورة، في ظل المناخات الأمنية والسياسية الهادئة، ففي لبنان تبقى الأسعار واحدة من أسباب المنافسة، فعندما يكون موسم السياحة في لبنان في أوجه فاسعار الغرف في فنادق ال5 نجوم يراوح بين 160 و230 دولاراً، وفي موسم السياحة المنخفض يراوح سعرها بين 100 و130 دولاراً، في حين أن سعر الغرفة الأعلى في لبنان هو سعر الغرفة الأدنى في دبي مثلاً.
ويتابع في لبنان هناك أيضاً العامل اللغوي والمستوى الثقافي للمجتمع اللبناني، فهناك بالإضافة الى اللغة العربية اللغتان الفرنسية والانكليزية، وهذا عنصر جذب للسياح من فئة رجال الأعمال وغيرهم من السياح.
كما أن في لبنان نقطة جذب تتعلق بالمناخ الذي لا يتوفر في أي بلد عربي، فهناك فصول أربعة، ومناطق الاصطياف الجبلية وقربها من البحر، بالإضافة الى وجود أمكنة أثرية تشكل نقاطاً جاذبة للسياحة.
وفي ما تنتعش السياحة العربية في لبنان، فإن سياحة الأوروبيين ودول شرق آسيا الغنية ضعيفة جداً، فخلال كانون الثاني (يناير) الماضي، زار لبنان نحو 19،4 ألف سائح من الدول الأوروبية، فيما يغيب لبنان من برامج الشركات السياحية العالمية.
ويقول عماش، إن سبب ضعف الهجمة السياحية الى لبنان، مردها أولاً الى مرحلة التخبط التي سادت لبنان في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي أدخلت البلاد في حالة غير مستتبة أمنياً وسياسياً، وهو دفع كبريات الشركات العالمية السياحية الى تغييب لبنان عن برامجها كوجهة للسياح، ونحن نأمل أن تتبدل الصورة مع دخولنا في مرحلة الاستقرار.
ويضيف قائلاً، رغم أن الاستقرار مطلوب لانعاش السياحة الأجنبية باتجاه لبنان، إلا أن ذلك يجب أن يترافق مع زيادة الاستثمار في القطاع السياحي، لنصل بعدد غرف فنادق ال5 نجوم من 2500 غرفة الى نحو 9000 غرفة، لإعادة لبنان الى خارطة السياحة العالمية.
ويعتبر أن الحديث عن انماء سياحي مناطقي، ليس مرهوناً فقط بالمواقع الجغرافية فقط في المناطق، وإنما الأمر منوط بارتفاع وتيرة الاستثمارات في قطاعات الانتاج والتجارة في لبنان، وحكماً فإن التطور الاقتصادي سيدفع بقطاع السياحة الى الأمام، لتلبية حاجات التجار والزائرين الى لبنان.
وتظهر إحصاءات حول الانفاق السياحي، أن بيروت تحظى بأعلى نسبة من الانفاق السياحي وصل الى 81 في المئة، ثم في المتن جبل لبنان 14 في المئة، و3 في المئة في كسروان جبل لبنان، و1 في المئة في بعبدا.
وعلى محور سوق قطع التذاكر، يعتبر نقيب وكالات السفر والسياحة في لبنان جان عبود، أن السياحة في الصناعة الأولى لدعم الدخل القومي، على أن عامل الاستقرار يبقى العنصر الأساس لدعم هذه الصناعة.
ويقول عبود في اتصال مع المستقبل إن سوق قطع التذاكر نما خلال كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضين بنسبة 22% بالمقارنة مع مثيلهما من العام 2008، ويضيف إن أزمة المال العالمية على الرغم من التداعيات التي ستخلفها على الاقتصادات العالمية، فإن لبنان لن يتأثر كثيراً في عملية النمو السياحي المتوقعة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.