تعددت الأسباب والخطط ووضع الكهرباء واحد، إذ ليس هناك ما يبشر اللبنانيين حتى اللحظة بإعدام التقنين نهائياً، أما خطة وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان غير المفصلة والعاجلة جداً، بخصوص استيراد مولدات كهربائية (قوة الواحد منها 80 ميغاوات) على المدى القصير (سنتين) لانتاج نحو 1000 ميغاوات، وانشاء معمل على الفحم الحجري على المدى الطويل (4 سنوات فما فوق) لانتاج 1500 ميغاوات، بتكاليف لا تقل عن 4 مليارات دولار، فتأتي لتصب نار المشكلة المعقدة على زيت السياسة المعقد أكثر.
ولا تبدو قصة ابريق الزيت لوضع الكهرباء المتفاقم يوماً بعد يوم تقنيناً وهدراً، أن معالجتها ستكون في مشروع الوزير طابوريان العاجل والطويل، لأن العبرة في مدى قابلية أي فكرة للتنفيذ، ولأن الوقت الانتخابي الذي يداهم الحكومة الحالية، سيجعل الخطة مجرد خواطر، وإن كانت هي كذلك بالفعل، لأنها تفتقد الى الشفافية سواء بالنسبة لعملية تمويل المشاريع المطروحة فيها، والدراسات المعمقة والجدية لها، ولا يفهم منها إلا زيادة الإحراج بعدم التنفيذ، بل إن هذه الخطة توحي أو تريد أن تقول إن هناك مُصلحاً وحيداً مرّ على القطاع، لكن لم يؤخذ برأيه، لكن ماذا يمكن أن نقول عن عشرات الدراسات لإصلاح القطاع والتي وضعت قبل هذه الخطة، وتعثرت لأسباب سياسية ومالية، وعملياً فإن الخطة تحمل بذور فنائها من ذاتها لأسباب:
ـ في البعد الإصلاحي: تحرق الخطة مراحل لا بد منها أولا يمكن تجاوزها، فبدلاً من إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان ودعمها بخطوات عملية، تظهر الخطة وكأنها مرافعة دفاعية عن المؤسسة، ومحاولة تبرئتها من العجوز المتتالية والمتراكمة التي تئن تحتها الخزينة اللبنانية، علماً أن هذا الانحياز للمؤسسة ليس له ما يبرره وبالتالي لا يقدم حلاً لمشكلاتها المتنوعة من: صيانة وتطوير المعامل نهائياً، التعرفة، الموارد البشرية التابعة لها، مشكلات الجباية في بعض المناطق وعدم القدرة على تحصيلها، والهدر الفني وغير الفني على الشبكة بسبب عدم التحديث واستمرار أعمال التعديات والسرقات التي ترفع نسبة الهدر في الطاقة المنتجة الى 15% وغيرها....فمشكلة الكهرباء قائمة سواء وضع الحق عليها أو على غيرها، وسواء استعمل قانون مؤسسة الكهرباء لنقل تكاليف التجهيز والانشاء على عاتق الدولة أو ظل محسوباً على المؤسسة، لأن الحق هو بإيجاد الحل لا توصيفه.
ومنذ تسلمه وزارة الطاقة قبل ثمانية أشهر، عمد الوزير طابوريان الى وقف العمل بخطة الحكومة اللبنانية، الهادفة الى إصلاح قطاع الكهرباء لجهة المعامل أو الشبكات أو إدخال القطاع كشريك مع القطاع العام لانتاج الكهرباء، لتلبية الطلب المتنامي على هذه السلعة الحيوية، مع عدم قدرة الدولة على تحمل المزيد من النفقات في هذا القطاع، الذي بات يشكل ثلث الدين العام اللبناني.
أما خطة الحكومة والتي أوقفها طابوريان، فإنها بنيت على خطة الوزير السابق محمد فنيش، والتي تعتمد 5 محاور: تشركة مؤسسة كهرباء لبنان.إشراك القطاع الخاص في عمليتي الانتاج الإضافية الجديدة (450 ميغاوات) عن طريق منتجين مستقلين، وأول مشروع من هذا النوع هو مشروع المعمل الجديد في دير عمار. إشراك القطاع الخاص بعملية التوزيع عن طريق إشراكه في الاستثمار لتركيب عدادات وتحكم عن بعد وتحسين الجباية والفوترة لتحسين أداء القطاع. إكمال البنى التحتية وخطوط التوتر العالي 220 كيلوفولت ومركز التحكم الوطني الكهربائي (NCC) ومحطة كسارة. وإصلاح ووضع سياسة جديدة للطاقة في لبنان، عن طريق وضع تصور مستقبلي بالنسبة للمحروقات والتعرفة المرنة لتكون أكثر اجتماعية. وتأمين المحروقات والنقل في ما يتعلق باستيراد الكهرباء والغاز.
باريس 3
لقد اعتمدت الخطة في مؤتمر باريس3، وعلى هذا الأساس تعهدت الحكومة إزاء الدول المانحة إجراء إصلاحات على ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة، بعد أن تعهدت الأخيرة بمساهمات منها 150 مليون دولار من البنك الأوروبي ونحو 300 من القطاع المصرفي اللبناني، لتنطلق عملية التشركة بداية أيار (مايو) 2007.
وفي المقابل، لم تلحظ خطة الوزير طابوريان الشفافية، إذ كيف يمكن استدراج عروض لمولدات كهربائية دون إجراء دراسات لها، من أين سيكون التمويل، وماذا سيكون رد الحكومة اللبنانية، على تنفيذ تعهداتها في باريس3، لإصلاح قطاع الكهرباء. تقول الخطة بالخفض المفترض على أساس سعر البرميل 40 دولاراً، وهذه الفرضية غير ثابتة في ظل الاهتزازات العالمية في أسعار النفط، إذ أن سعر البرميل يتذبذب بفوارق هائلة صعوداً وهبوطاً.
أما الخطة في مداها الطويل والذي يعتمد الفحم الحجري، فيمكن القول إن تنويع الطاقة ليس في خانة السالب، إلا أن ما يبحث عنه لبنان ومؤسسة الكهرباء هو آلية لخفض سعر الانتاج، وذلك لا يتأتى إلا من خلال أمرين:
-السير بخطة الدولة لبناء معامل جديدة أو إضافية لخفض تكلفة الانتاج، خصوصاً وأن المعامل الحالية مثل الزوق والجية قد أكلا عمريهما، وبات انتاجهما أقل من النصف مع تكلفة مرتفعة، نظراً لحاجتهما الدائمة للصيانة.
-الذهاب بمشروع انتاج الكهرباء، الى القطاع الخاص، لانتاج نحو 1000 ميغاوات، بأسعار مخفضة، وبذلك لا يهم نوعية المحروقات التي ستنتج حاجة الدولة من الميغاواتات.
لقد عملت الحكومة في خطتها على المدى القصير، باتجاه ايجاد معامل مساعدة أو بديلة الى جانب معملي الزوق والجية، وهذا بديهيي، لأن انشاء معامل على غرارهما يحتاج وقتاً طويلاً. لانتاج نحو 150 ميغاوات.
وعلى المدى المتوسط، كانت يفترض أن الهيئة الناظمة للكهرباء قد أوجدت، وعملية التشركة قد جهزت، حيث يقوم القطاع الخاص بانشاء معامل لانتاج ما بين 200 و300 ميغاوات، خلال ثلاث سنوات.
وعلى المدى الطويل من 4 سنوات فما فوق، كانت خطة الحكومة تقضي بتجهيز معمل على الفحم الحجري من 500 الى 1000 ميغاوات، ووفقاً لدراسات الحكومة تبين أن الفحم الحجري هو الأرخص، وإن كان المعمل يمكن استخدامه على الغاز الطبيعي مع توفره، وهذه المقاربة تسمح بتنويع مصادر المحروقات لانتاج الطاقة، وهي استراتيجية مهمة.
وفلسفة الحكومة في هذا المجال، تقوم على مبدأ الاستعانة بالقطاع الخاص في المشاريع التي لا يمكن للدولة اللبنانية القيام بها وحدها، ولذلك يجب أن يكون هناك نوع من الشراكة الفعلية بين القطاعين العام والخاص لانتاج الطاقة الكهربائية.
الحصاد السياسي
وإذا كانت خطة الوزير طابوريان تجب ما قبلها من الخطط، فإنها لا تسجيب في أي من الأحوال دون تفاقم عجز المؤسسة الناتج عن التعرفة التي وضعت على أساس سعر البرميل 25 دولاراً، وهو ما سيجعل المؤسسة في مواجهة دائمة مع العجز، رغم انخفاض سعر البرميل اليوم الى 40 دولاراً، وإذا كان المطلوب هو عدم رفع التعرفة في ظل الانخفاضات المستمرة، فلا شيء يمنع من إجراء تعديل عليها بحيث تصبح مرنة واجتماعية في آن، والتصدي لموضوع الزيادة على التعرفة لا يعني بمطلق الأحوال تحقيق إنجاز للمؤسسة أو الوزير، وإنما يمكن توصيفه في خانة الحصاد السياسي والانتخابي للوزير طابوريان...
وفي شق خفض النفقات على الكهرباء، فإن الخطة تهرب النفقات من جانب الى جانب آخر، إذ ترمي بتكاليف التجهيز والانشاء على عاتق الدولة تحت غطاء قانون الكهرباء، وإذا كانت قراءة الخطة بين السطور تشي بأن المقصود من هذا الشق (حكماً قضائياً) من أن المؤسسة لا تتحمل هذه التكاليف التي يجب أن تكون في خانة عجز الدولة المالي، فإن ذلك لا يعني بمطلق الأحوال أن الخسارة لم تعد موجودة، فالجميع يعرف أن العجز مرده الدعم غير المباشر الذي تقوم به الحكومة إزاء مواطنيها.
ـ في البعد السياسي: تبدو الخطة واضحة مثل الشمس في بعدها السياسي، بالرغم من نفي الوزير طابوريان في حديثه الأخير لـالمستقبل من تسييس الخطة.
ففي التوقيت جاء رمي هذه الخطة في وجه الحكومة غير اعتباطي أو بريء. الوزير يريد أن يقول للناس إنه الوحيد المصلح في هذه الدولة، فلا اعتبار لا للمؤسسات الرسمية في الدولة ولا لشركات الكهرباء أو القطاع الخاص، لكن من يتحمل خسارة عشرات ملايين الدولارات منذ وقف خطة الحكومة لإصلاح الكهرباء؟.
خطة الوزير طابوريان هي بمثابة إعلان سياسي ينتظر استثماره انتخابياً، وهي تشبه ركلة الجزاء في الوقت بدل الضائع، حيث على الحكومة الانصراف كلياً لإدارة الانتخابات، عندها سيقول طابوريان وضعنا خطة لم يناقشوها، والتقنين من مسؤولية فريق حكومي معين، والسؤال لماذا لم يبدأ فريق عمل الوزير منذ دخوله الوزارة بوضع هذه الخطة، التي لم تزد عن أربع ورقاتA4 ، ما دامت هي مبسطة وسريعة الى هذه الدرجة؟
كما أن الخطة يمكن وضعها في خانة الإحراج السياسي للحكومة أمام الدول المانحة في باريس3، من عدم قدرتها على تنفيذ تعهداتها للبدء بعمليات الإصلاح المطلوبة في هذا القطاع، خصوصاً أن هذه الدول المانحة أعطت لبنان فرصة 5 سنوات وتوقعت ان يبدأ الإصلاح خلال سنة من انعقاد المؤتمر.
أما الإحراج الآخر، فيستهدف جمهرة اللبنانيين وعمومهم لإحراج الحكومة، من أن معاليه لا يريد رفع التعرفة، علماً أنه طالب وأصر على تضمين البيان الوزاري للحكومة الحالية مطلب زيادة تعرفة الكهرباء، إلا أنه تراجع بضغط من فريقه السياسي، وهو الآن يريد أن يقول إن تهمة الزيادة تقع على عاتق فريق سياسي حكومي معين، وهو من أراد باللبنانيين شراً. لكن عندما تعاود أسعار النفط ارتفاعها، فمن المؤكد أن الوزير سيعاود الحديث عن رفع التعرفة، وعدم التعديل الذي يعتبره الوزير طابوريان (رفعاً)، هو ضربة سياسية لا تمت الى واقع القطاع بصلة لا لجهة الإصلاح أو لتطوير القطاع، لأن التعرفة لا تزال سبباً مهماً في عجز المؤسسة المالي، فالتعرفة موضوعة على أساس سعر البرميل 25 دولاراً والأسعار الحالية عند 40 دولاراً، وقابلة للارتفاع مع خطط أوبك لخفض الانتاج وإيصال السعر الى 70 دولاراً، إذاً انخفاض العجز في ميزانية الكهرباء مرده انخفاض أسعار النفط، وما يعد به الوزير طابوريان من تحقيق وفر في خطته، يستند على حيثية موقتة لسعر البرميل اليوم، لا الى ضربات نوعية...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.