8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ليتكلم نواب الشمال بالأرقام...!

يتلازم العرض السياسي الانتخابي في الشمال مع طلبات إقتصادية للمواطنين، الذين يعرفون أن الشمال ما زال متخلفاً عن الركب الاقتصادي الوطني (بحسب مؤشرات التنمية والفقر)، لأسباب وأسباب، وهو ما ستعمل عليه الماكينات الانتخابية المعارضة، التي ستعمل على استخدام الورقة الاقتصادية والمعيشية في وجه قوى الرابع عشر من آذار، لتحول دون إحرازها جميع المقاعد كما في المرة السابقة.
بعد اتفاق الدوحة في ايار (مايو) الماضي، دخل الثلث المعطل الى الحكومة، كالعصي في الدواليب، وهو أمر لن يعيق مسيرة التنمية الاقتصادية فحسب، وإنما سيحول دون تمكن الحكومة الراهنة، من إبداء فلسفتها الاقتصادية، لمواجهة أزمة المال العالمية ومشكلات الاقتصاد الوطني، فعامل المرونة الذي تحكمه العقبات السياسية، سيتبدد في ميدان الممانعة والمعارضة، والتي تريد أخذ البلد الى أحلاف أكبر من قدرته على التحمل، وبالتالي فإن المعارك الاقتصادية الرئيسية وغير الرئيسية لا تقل شأناً عن المعارك السياسية، وقد رأى اللبنانيون كيف استخدم الاتحاد العمالي العام كمطية مطلبية وحصان طراودي أفضت الى السابع من أيار الشهير.
الفقر الشمالي الذي يبدو أنه سيكون من ضمن بروباغندا المعارضة، هو ذلك الفراغ الانمائي الذي نشأ منذ دولة الاستقلال، والذي عجزت حكومات لبنان الى ما قبل اتفاق الطائف عن ملئه، لأسباب سياسية واقتصادية وزاد الأمر بلة الحرب الأهلية، وبعد الاتفاق الشهير آنذاك، تألفت حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري المتعاقبة، التي وضعت مبدأ لسياستها الاقتصادية تقضي بالانماء المتوازن والنهوض الشامل للاقتصاد، إلا أن فلسفة هذه الحكومة للانماء المتوازن، لم يكتب لها شمس بازغة وإنما نور خافت، تسببت به الغيوم السوداء للقوة العسكرية السورية الرابضة على صدر لبنان، قبل اتفاق الطائف وبعده، لسببين: الأول استثمار الفقر لتأليب الرأي العام أمام نمو الحريرية (تيار المستقبل لاحقاً) المتزايد في لبنان عموماً والشمال خصوصاً، أما الثاني فهو إضعاف مركز لبنان، كمركز ثقل مالي بعد الثقة الدولية التي أعطيت للشهيد الحريري، وعليه فإن إفقار الأطراف لحساب العاصمة كان تكتيكاً سورياً بامتياز، يهدف الى ابقاء الوضع تحت السيطرة المباشرة.
لقد استطاعت الحريرية (تيار المستقبل لاحقاً) داخل السطة وخارجها أن تواجه بالحد الأدنى، فلسفة الإفلاس للمناطق ومنها الشمال اقتصاد الظل أي التهريب، وكذلك السوق السوداء، التي نمت على حساب الخزينة اللبنانية، وهي السياسة الاقتصادية التي أرفقت بالهيمنة العسكرية والقبضة الأمنية لنظام الوصاية السورية، من خلال عدم ترسيم الحدود والتحكم بالاقتصاد اللبناني إنطلاقاً من الأراضي السورية.
المواطن الشمالي الذي يكثر من الأسئلة المالية والاقتصادية وعما قدمته حكومات الرئيس الحريري، ومن بعد حكومات الأكثرية وثورة الأرز خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة، والتي تبدو مشروعة نظراً لحق المواطن في العيش الكريم، لكن ما ليس مشروعاً أن يبقى نواب الأكثرية شمالاً، لا يتحدثون بالأرقام ويؤثرون الحديث في الثوابت السياسية لثورة الأرز، ومحاولة ابقائهم أسرى للزجل السياسي، الذي تتقنه صنوف المعارضة المتنوعة، في حين أن جملة الحكومات المذكورة قدمت الكثير رغم محاولات التعطيل المتكررة المتنوعة.
ومن هنا قد يكون عتب الرأي العام الشمالي كبيراً على نواب الأكثرية في الشمال، لأنهم لم يستطيعوا أن يبينوا ما قدموه خلال الأعوام الأربعة الماضية، فتيار المستقبل وبالدرجة الأولى عوض جزءاً لا يستهان من التقديمات الواجبة تجاه الشمال، في محاولة لتعويض نقص تقديمات الدولة التي تعاني كابوساً مالياً مرهقاً، كما أن الحكومات المذكورة لم تتوانَ إبان حكم الوصاية السورية من محاولة الدخول الى المناطق المحرومة، رغم معوقات الوصاية المخابراتية، ويمكن لحظ معقل الفقر باب التبانة وبعل محسن كنموذج لمنع حكومات الرئيس الشهيد من إحداث أي تغيير في هذا المعقل، لإبقائه عنوة تحت السيطرة وتأليبه ضد حكومات الشهيد ولاحقاً ضد حكومات الأكثرية، وقد رأينا مآثر الحرمان في هذا المعقل، والتي ترجمت حروباً صغيرة متقطعة بعناوين اقتصادية تهدف في حقيقتها الى تغيير الواقع السياسي السيادي.
ما زالت الأوجاع من السوريين تحت أضراس الطرابلسيين الى اليوم، فالعاصمة الثانية دفعت الثمن أكثر من مرة من اقتصادها وانمائها...ورجالاتها، ولا يمكن أن تتوقف تداعياتها لحظة الخروج السوري الشكلي من لبنان، وفي عكار حيث مشهد الحرمان المزمن لم تنفعه سياسات الحريري التنموية التي كان عليها أن تدخل من خرم الإبرة المخابراتية، فكيف للجمل الخدماتي والانمائي أن يدخل في سم الخياط السوري، فقط كانت تماثيل الاب والابن وبشار القائد، هي التعويذة السياسية والاقتصادية التي كان على العكاريين أن يتضرعوا اليها كآلهة، لمنع القحط والجدب.....والسجون، وعليه فإن سياسة الخراب الاقتصادي التي خدمت السياسة السورية، لم تكن نتاجاً لبنانياً، وهذا ما يجب أن يعرفه اللبنانيون والشماليون، بل كانت سياسة عامدة متعمدة لنهج الوصاية وأذنابها، لإبقاء كل شيء تحت السيطرة، ولاحقاً فإن حكومة الأكثرية التي حوصرت سياسياً وامنياً وعسكرياً في السرايا الكبيرة، وتلقت ضربات إقتصادية من الداخل والخارج، فكان وضعها ألقاه في الماء مكتوفاً وقال له إياك إياك ان تبتل بالماء، أما الحكومة الحالية فهي حكومة الثلث المعطل أو الوفاق السياسي القسري، الذي أنتجه اتفاق الدوحة، وهي حكومة الانتخابات، فأية مشاريع وخطط استراتيجية إقتصادية، يمكن أن ننتظرها!!!!.
لكن لا شيء يعفي نواب الأكثرية في الشمال، من تحمل المسؤولية المباشرة عن عدم تعميم الأرقام المالية الهائلة، التي نهبها النظام السوري في لبنان على مدى ثلاثين عاماً، والتي لا تزال تداعياتها قائمة اليوم، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن الأرقام تتجاوز عشرات مليارات الدولارات، والتي تبقى حقاً مشروعاً للشعب اللبناني ودولته في مطالبة النظام السوري القائم الآن، بتقديم الاعتذار أولاً والتعويضات عن الأموال المنهوبة ثانياً، لا تكفي الشعارات السياسية وحدها لتؤكد قوى 14 آذار أنها مع السيادة والحرية والاستقلال، لا يكفي التشهير بأسوأ نظام عرفته المنطقة العربية، بل يجب التحرك لإدانة هذا النظام الذي أنشأ ما عرف آنذاك بالصناديق السوداء في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، والتي ساهمت الى حد كبير في تضخيم حجم الدين العام وتحجيم الاقتصاد اللبناني، وعلى اللبنانيين أن يعرفوا أن حواجز السوريين لم تكن مهمتها فقط على الأرض لـتشليح سائقي شاحنات نقل البضائع، بل كانوا في البر والبحر والجو وعلى الحدود وعلى عينك يا تاجر، إنه اسوأ استعمار عرفه لبنان، منذ نشأة هذا الكيان الصغير، فبدلاً من ان تستثمر سوريا هذا الانفتاح اللبناني على العالم والنظام الاقتصادي الليبرالي، كانت يدها طويلة وطويلة جداً على المال العام اللبناني وخاصه، يكفي أن العمال السوريين كانوا يعملون في لبنان ويبيضون في سوريا، كما يقول المثل، عشرات الآلاف من العمال السوريين يدركون كرم لبنان، ومساهماته في بناء بيوتهم وأسوار حدائقهم في سوريا، لا أحد يعاتب العامل السوري أو يريد أن يسرق عرق جبينه، بل العتب على النظام السوري الذي عمد الى سرقة لبنان بسيادته واستقلاله وحريته واقتصاده وماله.
آن الأوان لنواب الشمال، الذين ينتمون الى قوى 14 آذار (باستثناء الانقلابي النائب مصطفى حسين)، أن يتحدثوا بالأرقام عن مجازر السوريين المالية وجرائمهم الاقتصادية، والتي أدت الى نحر مسيرة التنمية في مناطقهم، لذلك عليهم أن يبادروا الى انشاء قاعدة معلومات DATA BASE، لإحصاء المسروقات ونشرها فسرقة الجهد المالي لمواردنا البشرية التي لا نملك سواها، حق مكتسب للبنانيين. صحيح أن هناك المحكمة الدولية التي ينتظر أن تبت الحقيقة باغتيال رجل المال والاقتصاد والمشاريع والسياسة والمبادئ الشهيد رفيق الحريري، لكن أية محكمة ستنظر في السرقات المالية للنظام السوري؟.
ولا يعفى نواب الأكثرية في الشمال من تبيان المعوقات التي اعترضت الحكومتين اللتين شكلتا لاحقاً في أعقاب ثورة الأرز، فأبناء الشمال ينتظرون أن يحدثهم نوابهم وبالأرقام عن أسباب إخفاق التنمية في مناطقهم!!!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00