8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ذوبان الطبقة المتوسطة خطر حقيقي على الاستقرار

هل ما زال في لبنان طبقة متوسطة؟ سؤال يتردد كلما جرى الحديث عن القوة الشرائية، في ظل الأزمة المالية العالمية، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات. ويكاد يجمع خبراء الاقتصاد على رأي واحد، أن الطبقة المتوسطة قد باتت من الماضي، وأنها بدأت تندثر بتراجع القوة الشرائية للمواطن. فيما يؤكد النقابيون أن هذه الطبقة قد اندثرت. فمنها من التحق بطبقة الفقراء، والذي حقق دخولاً عالية التحق بطبقة الأثرياء.
والمعيار في كل هذا مستوى دخل الأفراد الذين يدخلون في المهن التي تمارسها هذه الطبقة، والمهنيين وأصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمحامين، وأساتذة التعليم الجامعي والثانوي وبعض العسكريين من ذوي الرتب المتوسطة.
ثمة سؤال آخر يطرح في هذا المجال، حول ما اذا كانت الزيادة الجديدة على الرواتب سترفع من تحسين وضع الطبقة المتوسطة. ويرى الخبير الاقتصادي كمال حمدان أن نسبة الزيادة لن تتعدى 15% لمن رواتبهم تراوح بين مليون ونصف المليون ليرة، وبالتالي سيفقد ذوي الدخل المتوسط جزءاً من قوتهم الشرائية في حال تصحيح تكلفة بعض الخدمات كالكهرباء.
ويشير الخبير الاقتصادي مروان اسكندر الى أن الراتب في الطبقة المتوسطة يراوح بين 1500 و4000 آلاف دولار، باعتباره الدخل المطلوب لسداد الحاجات الأساسية للعائلة.
على الرغم من المداخيل المرتفعة التي يحصلها موظفو القطاعين العام والخاص، إلا أن الغلاء يبدد هذه المداخيل، مع ارتفاع المصاريف الشهرية على فواتير الكهرباء والماء والهاتف (الثابت والخلوي) والمدارس الخاصة واستخدام وسائل النقل والتغذية المتنوعة والترفيه بأنواعه والصحة، وعلى الرغم من الزيادة التي أعطتها الحكومة والبالغة 200 ألف ليرة أواخر العام المنصرم، فإن اللبناني ينفق أكثر مما يحصل، ويبيّن مؤشّر استهلاك السلع والخدمات الذي تعدّه إدارة الإحصاء المركزي ارتفاعاً تراكمياً في الأسعار بنسبة 6.2% منذ بداية هذا العام وحتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، علماً بأن نسبة الارتفاع كانت قد بلغت 8.3% حتى أيلول (سبتمبر)، وبدأت بالتراجع منذ ذاك الشهر، لكن ببطء شديد وبانفصام واضح عن حركة الأسعار في الخارج.
لا ينفك الخبراء يحذرون من أن الخطر الحقيقي على المجتمع واستقراره هو في ذوبان هذه الفئة، وانحسارها بسبب التضخم وارتفاع التكاليف المعيشية، نتيجة لانحدار مدخولاتهم السنوية، وازدياد غير محدود لمستويات الفقر في المجتمع. ويعتبرون أنه من الغباء السياسي أن يتم تصفية هذه الطبقة، لأن هذه الفئة تتميز برغبتها في الاستقرار والحياة وهما مصدر الأمن الحقيقي. ويشيرون الى أن تلاشي الطبقة المتوسطة يعني إعلان فشل لخطط التنمية، وتعطل تام للمحرك الاجتماعي المسؤول عن دفع الوعي أو الحراك الحضاري في المجتمع.
وفي لبنان يبقى السؤال رهن بالإجابة لمعرفة ما إذا كانت هذه الطبقة ما زالت على قيد الوجود؟، وهي الطبقة التي يلقى على عاتقها، مسألة الأمن الاجتماعي، والحفاظ على المجتمع ومنعه من التشظي الى طبقتين غنية وفقيرة والحفاظ على الأخلاقيات المجتمعية والقيم التي يفتخر بها، في ظل التراكمات الاقتصادية الصعبة التي عرفها لبنان، بسبب الحرب الأهلية التي أكلت من رصيده المالي والاقتصادي، لتأتي بعدها الأوضاع المعيشية الصعبة، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، لتكمل الأزمة المالية العالمية على ما تبقى من مقومات اقتصادية لمواجهة الأزمة، رغم أن لبنان استطاع أن ينجو بنفسه من هذه العاصفة، إلا أن التخوف من تداعياتها لا زال قائماً خصوصاً وأن البلدان الخليجية والتي يتواجد فيها نسبة عمالة لبنانية عالية، تأثرت بالأزمة المالية كما أن انخفاض أسعار النفط، قد يؤثر على مسيرتها الاقتصادية التصاعدية، وهو ما يترجمه خبراء لبنانيون بامكان هجرة العمالة بشكل سلبي الى الوطن، فيما لو أقدمت الشركات الخليجية على صرف العمال لتدارك الأسوأ.
في لبنان، تغيب الأرقام التي تتحدث فعلياً عن البطالة، إلا أن الخبير يشير الى أن البطالة وفقاً لإحصاءات ميدانية تراوح بين 8 و10% إلا أن هذه النسبة قد ترتفع الى 15% خلال العام الجاري، بسبب الأزمة المالية العالمية، والهجرة المعاكسة باتجاه لبنان، التي ستزيد من جيش العاطلين من العمل في لبنان.
وفي ذات المحور، يبدي الخبير الاقتصادي اسكندر تشاؤماً حيال التأثيرات التي ستخلفها الأزمة المالية على لبنان، نظراً للخسائر التي تكبدتها دول المهجر من جراء الأزمة ومن جراء انخفاض أسعار النفط، والتي ستؤدي الى عودة ما بين 50 و70 ألف عامل في دول الخليج تحديداً، الى لبنان حيث لا مجالات عمل متوفرة ولا خطط قادرة على استيعابهم في برامج انمائية أو اقتصادية.
وبحسب آخر الاحصاءات التي أنجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي (وفقاً لدراسة ألأوضاع المعيشية للأسر 2004/2005)، فإنه يمكن استخلاص الآتي: يقدر عدد سكان لبنان بـ3755034 شخصاً فيما يقدر متوسط حجم الأسرة بـ4،7 أفراد كحد أقصى، وتبلغ نسبة القوى العاملة الاجمالية الى اجمالي السكان المقيمين 32,2%.
الطبقة المتوسطة، ميزان ازدهار الاقتصاد وعندما تزول هذه الطبقة فالاقتصاد يكون بخطر ولا تكتمل دورته الاقتصادية وهذا ما يطرح السؤال عن وضع هذه الطبقة اليوم؟، وهل كانت الزيادة على الحد الأدنى للأجور كافية للحفاظ على القدرات الشرائية للطبقة المتوسطة؟، يقول حمدان إن ارتفاع الأسعار في لبنان زاد بما نسبته 58% بين العامين 1996 و2007 وبنسبة 53% بين العامين 2006 و2008، وعملياً فإن الزيادة على الحد الأدنى للأجور هي 65% إلا أنه بالنسبة للأجر الفعلي الذي يراوح بين مليون و400 ألف ليرة أو 500 ألف ليرة فإن الزيادة لم تتجاوز 15%، وبالتالي فإن فئات الدخل المتوسط في المجتمع ستفقد جزءاً من قوتها الشرائية، وستجد نفسها في وضع صعب إزاء ما يحكى عن تصحيح في بعض الخدمات مثل الكهرباء ورفع بدلات الاشتراك في الضمان الاجتماعي وتعديل بعض الرسوم بالإضافة الى الوضع الاقتصادي الضاغط في لبنان وخارج لبنان، والذي سيؤدي عملياً الى تراجع فرص النمو، وتزايد البطالة وارتفاع تكاليف المعيشية، بالإضافة الى أن العام الجاري سيكون فيه وضع الدولة كالذي يدور في حلقة مفرغة، كونها سنة انتخابات نيابية، لأنه لن يكون بالامكان اتخاذ قرارات إصلاح جذرية، وهذا كله ستكون له آثاره السلبية على الطبقة المتوسطة في لبنان.
أما الخبير اسكندر، فيشرح بالتفصيل وضع الطبقة الوسطى الذي يميل انحداراً، ويقول الطبقة المتوسطة قياساً على تكاليف المعيشة في لبنان، هي الطبقة العاملة في العائلة والتي يراوح مدخولها الشهري بين 1500 و4000 دولار في الشهر، باعتباره الدخل المطلوب لسد الحاجات الأساسية للعائلة من مأكل وملبس وسكن وتعليم، في حين أن مبلغ ألف دولار كدخل للأسرة يعتبر غير كاف أو غير قابل للادخار أو الاستثمار.
وانطلاقاً من هذا التعريف، يرى اسكندر أن من يحصل على هذه المداخيل، هم قلة لا يزيدون على 20% من مجموع القوى العاملة في لبنان. وبالتالي لا يمكن التحدث عن كتلة مهمة من أصحاب الدخل المتوسط، لولا أن أعداد العاملين اللبنانيين خارج لبنان يملكون ثروات تسمح لهم بتحويلات بآلاف الدولارات الى عائلاتهم في لبنان. وهذه العمالة الخارجية يبلغ عددها في دول الخليج وأفريقيا وكندا وأستراليا وبعض الدول الأوروبية نحو 400 ألف لبناني ولبنانية، وهم يشكلون دعامة أساسية حتى نهاية العام المنصرم، لحساب ميزان المدفوعات، إذ إن تحويلاتهم تقدر بـ7 مليارات دولار سنوياً، وفقاً لبنك التسوية الدولية في زوريخ.
ويقول اسكندر، إن لبنان يتميز بأنه البلد الوحيد في العالم، الذي تبلغ نسبة العاملين خارجه نحو 35% من مجمل الأيدي العاملة لديه.
ويلفت الى أن من دواعي هذا الأمر والنجاح، هو حجم الشركات اللبنانية التي تعمل في الخارج، في نطاق المصارف والمقاولات والاتصالات والتصنيع الغذائي والورقي، في العالم العربي والشرق الأقصى ومصر وكندا والولايات المتحدة الأميركية، والتي توظف آلاف العمال اللبنانيين في الخارج، ويضاف الى ذلك النشاط التجاري للبنانيين في العالم.
ويؤكد أن حجم أعمال هذه الشركات يفوق حجم الاقتصاد اللبناني، وبالتالي يمكن القول إن عائدات الشركات يوازي على الأقل كامل المعاشات المدفوعة في لبنان والأرباح المحققة فيه.
ويرى أن الاقتصاد اللبناني في الخارج أكبر منه في الداخل، وكان بالامكان أن يكون أكبر لو كانت هناك إجراءات ضريبية وإدارية في لبنان مشجعة في لبنان، ليكون مركز هذه الشركات لبنان بدلاً من اعتماد هذه الشركات أمكنة أخرى، سواء في اليونان أو قبرص وغيرها أو البلدان العربية التي تئن اليوم من أزمة المال العالمية وهبوط أسعار النفط.
يشير اسكندر الى أنه ليس هناك طبقة متوسطة ملحوظة نتيجة العمل في لبنان، إلا أنها ممكن أن ترتفع الى نسبة 40% من مجمل العائلات اللبنانية، فقط بسبب العمالة في الخارج، فالتحويلات البالغة نحو 7 مليارات دولار سنوياً توازي على صعيد عدد اللبنانيين المقيمين في لبنان ما يعادل 1800 دولار للفرد في السنة، فاذا افترضنا أن 35% من قوى اليد العاملة يعيلون أو يساعدون 35% من العائلات في لبنان، يكون نصيب العائلة الواحدة من هذه التحويلات 30 ألف دولار.
وبشأن المعاشات الموجودة في لبنان والتي تكفي لسد حاجات العائلة، يلفت اسكندر الى أنها تنحصر في 20% من اليد العاملة، ورقمياً يبلغ عددهم نحو 200 ألف عامل يسهمون في توفير دخل كافٍ لـ100 ألف عائلة، وهو ما يعني أن 45% من مجموع العائلات اللبنانية.
إلا أن اسكندر يعتبر أنه على مستوى الأرقام الاجمالية يجب أن يكون مستوى حياة اللبنانيين أفضل مما يتبدى، لكن لماذا لا يتبدى ذلك؟؟ يجيب اسكندر: الخدمات العامة من مياه وكهرباء تفرض على غالبية اللبنانيين الاستعانة بوسائل مكملة مثل مولدات الكهرباء الخاصة كلما انقطع التيار الكهربائي، شحن المياه بواسطة الصهاريج في المناطق التي لا توجد فيها شبكات لمياه الشفة والشرب، مستوى التعليم وخصوصاً في المرحلة الجامعية، فهناك اعتقاد سائد لدى العائلات اللبنانية أن الجامعات الخاصة بامكانها تقديم مستوى أفضل وهو ما يؤدي بارسال اثنين من أفرادها على الأقل الى الجامعات الخاصة، وهذا النوع من التعليم يوازي بين 40 الى 50% من الدخل المتوفر، وهذه نسبة عالية، ويضاف الى ذلك عدم توفر وسائل النقل العام الرخيصة بالإضافة الى التكاليف العالية للاتصلات، وعامل آخر هو تبديد وقت اللبنانيين في مسائل هامشية مثل سداد فاتورة الكهرباء أو محضر ضبط سيارة وغير ذلك من هذه الأمور، ويقابل ذلك تفريط في الموارد الطبيعية لدى لبنان ومنها الثروة المائية التي تذهب هدراً، وهو نتيجة سوء الادارات الحكومية، الأمر الذي يؤدي الى زيادة الين العام والمثل واضح في عدم القدرة على معالجة وضع الكهرباء بالرغم من الخطط والدراسات المتوافرة بشكل كبير لهذا الموضوع، وهذا ينتج عن بسبب عجز الادارة وكذلك بسبب الشأن السياسي الطاغي على السلطة وبالطبع فإن ذلك يمنع الادارة الحكومية من تحقيق انجازات.
ويبدي اسكندر تشاؤماً حيال التأثيرات التي ستخلفها الأزمة المالية على لبنان، والتي ستؤدي الى عودة ما بين 50 و70 ألف عامل في دول الخليج تحديداً، الى لبنان حيث لا مجالات عمل متوافرة ولا برامج أو خطط قادرة على استيعابهم في برامج انمائية أو اقتصادية.
ويختم اسكندر كلامه عن الطبقة المتوسطة باظهار أسفه، من تحول الحكم في لبنان لملاحقة الشأن اليومي، على حساب وضع الخطط المستقبلية!!.
أما النقابي فضل الله شريف، فيرى أنه لم يبق هناك من طبقة وسطى في المجتمع اللبناني، لسببين:
-تجميد الأجور منذ العام 1996 ولغاية 2008 مضافاً اليها التضخم والانكماش وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة الباهظة، وهو ما جعل الغالبية من هذه الطبقة تنحدر الى الطبقة الفقيرة أو دون مستوى الفقر.
-أما القسم الآخر من هذه الطبقة التي حظيت بالدعم خلال هذه المرحلة، فهي قد صعدت الى مستوى الطبقة الثرية، وقد حصلت رأسمالاً كبيراً.
ويرى شريف أن زيادة 200 ألف ليرة على الحد الأدنى للأجور، لن يدعم تماسك هذه الطبقة أو ابقائها في الوسط، لأن الزيادة لم تأت على الشطور، فموظفو القطاعين العام والخاص لحقتهم هذه النسبة، لكن لم يؤخذ قرار الزيادة ارتفاع تكاليف الخدمات التي أصبحت جزءاً من حياة المواطن، بل سيبقى الموظف مقيداً براتبه دون التمكن من الإدخار، بسبب الانفاق العالي على التعليم والصحة وغيرها.
ويلاحظ مدير معهد العلوم الاجتماعية-الفرع الثالث عاطف عطية، أن الاهتمام ينصب اليوم على تحديد من هم فوق خط الفقر ومن هم عليه ومن هم دونه، فنسبة الفقراء في لبنان وبحسب المؤشرات تزيد على 50% وهي بالطبع تزيد على نسبة متوسطي الحال، وإن كان هؤلاء أصحاب مستويات مرتفعة معيشياً وثقافياً ومستوى تعليميا.
ويرى أن الطبقة المتوسطة موجودة إذا اعتبرنا أن تصنيف الطبقات في لبنان لا يخضع فقط لمستوى الدخل، وإن كان هذا أحد المؤشرات الرئيسية، وقال عندما نشهد حالاً من الاستقرار والنمو على المستويات كافة، يمكننا القول إن الطبقة المتوسطة أثبتت وجودها وأظهرت فعلها في بلدنا، لأن لا أمل بالاستقرار إلا باستقرار الطبقة المتوسطة ولا ديموقراطية إلا بتأثير من هذه الطبقة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00