يترجم الواقع السياحي النشط اليوم حالة الاستقرار السياسي السائدة، والتي يشهدها لبنان منذ توقيع اتفاق الدوحة في أيار (مايو) الماضي بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، ولا سيما بين فريقي 8 و14 آذار. وتبين الأرقام مدى التراجع الذي لحق بالقطاع خلال السنوات الثلاث العجاف 2005 و2006 و2007 وصولاً الى أيار (مايو) 2008، نتيجة عدم الاستقرار.
إلا أنه رغم نسب الإشغال الفندقي العالية والتي وصلت الى مرحلة الذروة خلال الموسم السياحي الحالي، 100% في فنادق بيروت وجبل لبنان، وارتفاع عدد الوافدين بنسبة 34% في تشرين الأول (أوكتوبر) 2008 مقارنة بالشهر نفسه في العام السابق، يبقى أن هناك علامات فارقة من شأنها التأثير في نمو القطاع مستقبلاً، منها تطور الاستثمارات السياحية حيث عقد وزير السياحة إيلي ماروني سلسلة اتفاقات سياحية من شأنها إعادة لبنان الى الخارطة السياحية العالمية، وكان آخرها الاتفاق الموقع مع الصين، والتي ستترجم الى 200 ألف سائح صيني صيف العام 2009، والسؤال يبقى عن مدى استعداد لبنان لاستقبال هذا الكم من السياح من الوافدين، وهل بامكان لبنان العودة الى نسب النمو التي شهدها القطاع بين العام 2000 و2004 وبلغت 16%.
ففي ظل الأزمة المالية العالمية، التي يبحث المتضررون من أصحاب الرساميل في الدول العربية، عن ملاذ آمن للاستثمار فيه، يبقى لبنان من الوجهات المميزة والمفضلة لهؤلاء، بفضل السياسات النقدية والمالية والاقتصادية المشجعة في هذا المجال، وبفضل العامل السعري المنخفض بالمقارنة مع الدول الأخرى، وكذلك الموقع المميز للبنان، الذي يشهد اليوم استثمارات سياحية تقدر بملياري دولار، من شأنها زيادة الغرف الفندقية بحدود 3 آلاف غرفة مع حلول العام 2010.
إلا أن السؤال الأهم والذي يبقى هاجساً يؤرق المعنيين بالقطاع، حول الاستقرار في البلد، وماذا عن الانتخابات النيابية المقبلة، هل ستقطع النمو التصاعدي للقطاع، أم ستكون فترة تمديد طويلة للاستقرار العنصر الضامن الوحيد لإعادة لبنان الى الخارطة السياحية العالمية.
أما السؤال الآخر، والذي يبقى رهناً بإجابة أهل القطاع، هو هل ستبقى السياحة محشورة في زاويتين من المناطق اللبنانية، العاصمة وجبل لبنان، وأين موقع المناطق الأخرى في لبنان من خارطة السياحة المحلية، التي تبدو مهمشة وتسير بعكس تيار الانماء السياحي المتوازن، الذي من شأنه زيادة مداخيل الخزينة من هذه الصناعة بالإضافة الى فتح فرص العمل أمام خريجي الجامعات، وأقله لخريجي معاهد السياحة والفندقية، بدلاً من هجرتهم الى الخارج.
عبود
لا شك أن الموسم السياحي الحالي سيقفل بحسب تقديرات نقيب وكالات السياحة والسفر في لبنان جان عبود، على 1،5 مليون سائح، بفارق 358 الف سائح عن نهاية العام 2007، وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة السياحة الى أن لبنان دخله 1،017 مليون سائح حتى نهاية العام 2007، فيما عادل لبنان هذا الرقم بحلول تشرين الأول (أوكتوبر) الماضي، مع ارتفاع عدد السياح الى 1،103 مليون سائح، ويقدر عبود أن يصل العدد ما بين 1،4 الى 1،5 مليون سائح، مع استمرار التدفق السياحي في موسم الأعياد خلال الشهر الحالي سواء من المغتربين اللبنانيين أم السياح العرب.
وقال عبود في جردة تقويم للقطاع عن العام 2008 نعتبر هذه السنة نحن كأصحاب قطاع، بأنها سنة تنفس الصعداء بالمقارنة مع السنوات التي مضت التي أكلنا خلالها العصي، ومن المؤكد أن ذلك مرتبط بالدرجة الأولى بعملية الاستقرار السياسي والأمني بالبلد.
أما في ما خص وكالات السفر والسياحة، فيلفت عبود الى أنها مقسمة الى ثلاثة أجزاء:
1-السياحة الواردة من الخارج، وقد تحسنت بنسبة خجولة وهي تعتمد بشكل أساسي على المغتربين اللبنانيين والسياح العرب (الأردنيون بالدرجة الأولى)، ومؤخراً دخل على الخط السوريون والإيرانيون، وخصوصاً نحو مناطق جونية وحريصا، وذلك مرتبط بالسياحة الدينية، ونسبة التحسن لم تتعد 5%.
2-السياحة الصادرة الى الخارج، لم تتحسن بسبب الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان وتراجع مستوى الدخل الفردي، فاللبناني ينشط سياحياً وبشكل موسمي باتجاه المناطق القريبة من لبنان، مصر وتركيا، وبمعنى آخر الى المناطق غير البعيدة وتلك البلدان التي لم تتجه الى التعامل باليورو.
3-سوق قطع التذاكر، وتبقى الأفضل بين القطاعات الثلاث، وذلك مرده الى تطور هذه السوق وتحولها من التذكرة الورقية الى الالكترونية، فاللبناني أصبح يعتمد أينما كان على وكالات السفر اللبنانية، وهذه نمت بنسبة 30% عن العام الماضي.
ويوضح عبود أن نسبة الإشغال الفندقي لم تتعد 55% في العام 2007، بيد أنها ارتفعت الى 75% خلال العام الجاري، وهذه النسبة بالطبع موزعة على جميع المناطق، أما في بيروت فبلغت النسبة 95% وجبل لبنان بدرجة أقل بقليل من ذلك، واللافت أن هناك نهضة اليوم في جونية مردها كازينو لبنان الذي يشهد إقبالاً من السياح العرب (الأردن وسوريا)، وخصوصاً بين الخميس والأحد من كل أسبوع.
ويرى عبود أن القطاع رغم التحسن اللاحق به خلال العام الجاري، إلا انه ما زال بحاجة ماسة الى ترويج وتسويق ودعاية وخصوصاً في الخارج، فمثلاً لا بد من زيادة معدل الاستثمارات السياحية على أن تواكيها نهضة في البنى التحتية والخدمات الأساسية من مواصلات سليمة وكهرباء وغير ذلك.
ويشير الى أن لبنان لديه الآن بين 18 الى 19 ألف غرفة فندقية وهي مرشحة للوصول الى 21 ألف غرفة بحلول منتصف العام 2010 مع انتهاء المشاريع السياحية التي تنفذ الآن.
ويقول إن السياحة في لبنان هي الصناعة الأولى لدعم الدخل القومي. ما قبل العام 1975 كانت تشكل نحو 21% من هذا الدخل، إلا أنها اليوم لا تتجاوز 7%، وبين العامين 2000 و2004 شهد القطاع نسبة نمو وصلت الى 16%، وفي العام 2006 كانت التوقعات بأن يأتي الى لبنان نحو 1،6 مليون سائح، في الأشهر الستة الأولى من ذلك العام ارتفعت نسبة السياح 32%، إلا أن الأمور عادت أدراجها مع حرب تموز (يوليو)، وأعادت عقارب الساعة الى الخلف.
ويؤكد عبود أن العامل السياسي هو المؤشر السلبي والايجابي، للاقتصاد، فقبل اتفاق الدوحة كان هناك همس سياسي في الخارج لرعايا بعض البلدان بعدم المجيء الى لبنان بسبب تردي الأوضاع السياسية، إلا أنه بعد الاتفاق الشهير وتحسن الوضعين السياسي والأمني، انعكس ذلك مباشرة على الوضع الاقتصادي والسياحي على وجه التحديد، ففي أيار (مايو) 2007 كان عدد السياح الذين أموا لبنان 72،6 ألف سائح، و 59 الفا في أيار (مايو) 2008 بتراجع بلغت نسبته 17،9%، وبعد الاتفاق ارتفعت النسبة الى 97،4%، ففي حزيران (يونيو) 2007 بلغ عدد السياح 69،3 ألف سائح، ليرتفع هذا العدد الى 136،8 ألف سائح في حزيران (يونيو) 2008.
واعتبر أنه يجب على وزارة السياحة وبالتعاون مع القطاع السياحي الخاص، تشجيع السياحة في المناطق الريفية والمعروفة (ECO TOURISM)، حتى لا ندخل كقطاع سياحي في فترة موات بعد المواسم السياحية التقليدية: الصيفي والذي يشمل السهر الليلي والاصطياف، والشتوي الذي يشمل التزلج في بعض المناطق الجبلية. لذلك يجب أن تكون هناك برامج وأنشطة سياحية وترفيهية على مدى العام ودون انقطاع.
لكن هذا لن يكون بدون مضاعفة موازنة وزارة السياحة الضعيفة، يمكن رؤية هذا الضعف من خلال برامج التسويق والدعاية التي تبثها الدول التي تشجع قطاعها السياحي، أما نحن فلا نملك شيئاً بسبب الموازنة الخجولة، السياحة هي ذهب لبنان ولذلك يجب بذل جهود إضافية وخصوصاً في جانبها المادي، لإظهار صورة لبنان السياحية والثقافية والتعليمية والدينية وغير ذلك من الأمور التي تساعد في جذب السياح.
وأبدى عبود خشية تأثر قطاع السياحة في المرحلة المقبلة من الأزمة المالية العالمية، وخصوصاً أن القطاع يعتمد على المغتربين والسياح العرب، أما السياح الأجانب فهم المؤشر على أن لبنان لم يعد بعد الى الخارطة السياحية العالمية، ويمكن التأكد من ذلك من خلال الأعداد الضعيفة للسياح الأوروبيين الى لبنان.
ويلفت في هذا الإطار، الى أن هناك خمس شركات كبرى في العالم تروج للسياحة في العالم (نكرمان، توي، نوفال فرانتيار، كنت، توماس كوك)، لا تروج للبنان في كراساتها أو دعاياتها، وكل ذلك مرده الى الأوضاع السياسية والأمنية التي تتناوب على لبنان منذ أمد بعيد، وذلك يعني أن لبنان غير موجود الآن على الخارطة العالمية للسياحة، والمطلوب هو استقرار أمني وسياسي طويل، لإعادة الثقة بلبنان، واعادته الى حيث يجب أن يكون، لقد تبين أن اعادة اثقة بلبنان ليست بالأمر الصعب والدليل ما شهده لبنان في أعقاب اتفاق الدوحة، ونحن نتوقع أن ترتفع نسبة ازدياد السياح في العام المقبل 5%، في حال تجاوزنا قطوع الانتخابات دون مشاكل أمنية، وإلا فإن الأمور حتماً ستكون أصعب من اليوم، وهناك 55 شركة طيران لها رحلات الى لبنان، جزء منها سيزيد رحلاته الى لبنان العام المقبل.
وإذ نوه عبود بالاتفاق السياحي مع الصين، قال أنه لا يمكن تنفيذ هذا الاتفاق، إذا بقينا في هذا الوضع دون تطور في البنى التحتية وزيادة الاستثمارات السياحية، لاستقبال السياح الصينيين الصيف المقبل، السائح الصيني مهم جداً فهو والياباني ينفقون أموالأً للترفيه والسياحة، ولذلك لا بد من الإسراع لوضع آلية لمجيء السياح الصينيين مع السفارة في لبنان، وأكد أن السياحة المنظمة هي الكفيلة برفع مستوى القطاع وتطوره.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.