8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عربيد: يكرّس عدالة توزيع الخدمات الطبية

دخل مشروع نظام الإحالة حيز التنفيذ، مع بدء وزارة الصحة العامة تنفيذه في جزء من المناطق اللبنانية، ولا سيما في أقضية النبطية ومرجعيون وحاصبيا، في حزيران (يونيو) الماضي، بهدف خفض فاتورة الاستشفاء وتحسين الخدمات الطبية المقدمة الى بعض المرضى، من خلال تنظيم الطلب على الخدمة وترشيد الوصفة الطبية والحاجة الى الاستشفاء، بعد أن تضخمت الفاتورة الصحية بسبب فوضى الاستهلاك في الاستشفاء والاستثمارات الصحية من 38% في العام 2000 الى 52% في 2007 ، وبالأرقام فإن ما ينفق على الاستشفاء في لبنان بدءاً من العام 2000 يعادل ملياري دولار أي بين 9و11% من الناتج القومي، وعليه كان لا بد من ضبط الفوضى اللاحقة بالقطاع، من خلال نظام الإحالة، في بعض المناطق على أن يتوسع لاحقاً الى المناطق اللبنانية كافة.
ويشرف على البرنامج لجنة القضاء الصحية برئاسة طبيب القضاء وعضوية ممثلين عن المراكز الصحية والمستشفى والبرنامج المشترك اللبناني الايطالي. وقد تابعت اللجنة مراحل تنفيذ البرنامج وهذه تعتبر أول تجربة لإدارة مناطقية للصحة.
ويقول الستشار في وزارة الصحة لشؤون التخطيط والبرامج والمشرف على المشروع بهيج عربيد نظام الإحالة، يعني تنظيم حركة المرضى بين مختلف المستويات الطبية، ويهدف الى تنظيم الطلب على الخدمة الصحية (البطاقة الصحية)، التي تعتبر الأداة المعلوماتية لتنظيم هذه العملية، كما أنه يهدف الى ترشيد الحاجة الى الاستشفاء، لأنه عبر الممارسة نتيجة الثغرات الموجودة في سياسة التأمينات المعتمدة في البلد، يلاحظ أن هناك نسبة عالية من الاستشفاء تقارب 30% تعود لحالات لا علاقة لها بالاستشفاء، وانما تكون لاجراء فحوص مخبرية أو شعاعية.
ويضيف: كما يهدف نظام الاحالة الى ترشيد استعمال التكنولوجيا الطبية وبشكل أفضل لها، كما أنه يهدف الى ايجاد نوع من التكامل في الخدمات بين الرعاية الصحية الأولية والاستشفاء، وجعل الخدمات الطبية خارج الاستشفاء في متناول كل الناس، وذلك من خلال تخفيف أو الغاء الحواجز المالية بين المريض والعلاج.
ويقول عربيد إن الأسباب التي تقف وراء هذا النظام واتباعه في وزارة الصحة، غايته تأمين الخدمات الصحية المختلفة وبما يلبي حاجة السكان مع ترقب نمو هذه الحاجات، أما السبب الآخر فيتعلق بعدالة توزيع الخدمات الطبية وهو ما يعني تكريس مبدأ الانماء المتوازن في مجال صحة وحق الحصول عليها من الفئات كافة وفي جميع المناطق، مع ضمان جودتها وبتكلفة معقولة تستطيع الدولة والناس تحملها.
ويشير عربيد الى تطور النظام الصحي في لبنان، لافتاً الى أنه تطور ضمن عاملين أساسيين الحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية، فقد كانت مبادرة الدولة في الماضي شبه معدومة، إلا أنه بعد اتفاق الطائف وفي السنوات الأولى من تسعينات القرن الماضي ـ تم اعتماد سياسة جديدة تقضي بتطوير القطاع العام الصحي في مجال الرعاية والاستشفاء بتكلفة إجمالية بلغت نحو 350 مليون دولار، ففي غياب الدور المنظم في الوزارة (الخريطة الصحية أي ربط الاستثمار بالحاجة وبالجدوى الاقتصادية والصحية)، كان مفهوم النمو في السوق يعادل مفهوم المزاحمة (المجنونة) والمضاربة، أي يتم ذلك عشوائياً وأفقياً، والنتيجة كمية ضخمة من المستشفيات نحو 169 مستشفى و12،500 سرير، و22 مركز جراحة قلب مفتوح و40 آلة IRM ، وهو ما أدى عملياً الى ارتفاع تكلفة الصحة في لبنان لتبلغ الفاتورة في لبنان منذ سنوات الألفين ملياري دولار تشكل بين 9 و11% من الناتج القومي، ورغم ذلك فإن الفوضى التي تحكمت بسوق الصحة في لبنان كانت لها حسنات لا يمكن نكرانها، ففي حرب تموز (يوليو) 2006 استطاع لبنان ان يستوعب المفاعيل الكارثية للعدوان الإسرائيلي، بسبب ما يملكه من مراكز ومستشفيات طبية، فقلة من جرحى الجنوب لجأت الى مستشفيات العاصمة، لأنه كانت هناك في المناطق خدمات متكاملة، تعززها كادرات بشرية في مختلف الاختصصات.
وقال مع ذلك فإن هذا النمو يبقى عشوائياً لأن هناك نواقص في بعض التخصصات المطلوبة ومن هنا كانت مبادرة الدولة نحو تطوير القطاع العام الاستشفائي، والذي سيتمخض عن 30 مستشفى بحلول العام 2010 تم الى الآن انجاز 20 منها.
ويوضح أن الجميع يعلم أن كل الشعب اللبناني يمتلك تغطية للاستشفاء، 50% على عاتق الهيئات الضامنة والـ50 المتبقية على عاتق وزارة الصحة، والمشكلة تقع في الخدمات خارج الاستشفاء (معاينات، أدوية، مختبرات وفحوص شعاعية) وهذه تمثل نحو 60% من الانفاق على الصحة، فيما الـ40 هي فعلاً للاستشفاء، كما أن المشكلة تقع في غياب ضمان الشيخوخة وتوقف الضمان الاختياري، رغم أن وزارة الصحة توفر المساعدات بالأدوية لمرضى السرطان والأمراض المزمنة والمستعصية، والتي تبلغ تكلفتها السنوية نحو 25 مليون دولار سنوياً.
ويرى عربيد انه ٍرغم ذلك يسهم المواطن بـ65% من تكلفة الخدمات الصحية المقدمة له، فهناك خلل جوهري في عدم وجود ترابط بين السياستين الرعائية والاستشفائية، كما أن الآليات المعتمدة في الضمان الاجتماعي، تدفع المريض المضمون الى دفع ثمن الخدمات خارج الاستشفاء بالكامل، على أن يعود ويحصل 80% منها بعد الانتظار شهوراً وربما أكثر، علماً أن بعض الفحوص كانت أعلى من الحد الأعلى للأجور القديم، فصورة الـIRM تكلف 330 ألف ليرة، ولكي يتفادى المريض هذه الآلية كان المريض يتفق مع طبيبه وادارة المستشفى، فيحول الى المستشفى ويجري جميع الفحوص، ولا يدفع من قيمة الفاتورة سوى 10%، هذا الوضع كان بارزاً في تقرير ادارة الضمان الاجتماعي عن العام 2004، إذ بلغت نسبة آلات الاستشفاء غير المبررة 30% من اجمالي حالات الاستشفاء.
ويضيف: من المؤكد أن المريض عندما يدخل المستشفى ستشمل فاتورته الاقامة والأتعاب والفحوص الاضافية، وبذلك تكون الفاتورة كما التكلفة مضاعفة. واذا كان هذا واقع الحال في الضمان فكيف بالوزارة، وهؤلاء يمثلون 50% من الشعب اللبناني، فضمان الشيخوخة غير موجود، أي لأولئك الذين تخطوا السن القانونية وهم يمثلون 7% من مرضى الأمراض المزمنة، وهو يعتبرون الأكثر حاجة لإجراء فحوص دورية، وتبلغ 3 أضعاف ما يحتاجه الشاب والطفل، فمعدل الحاجة للاستشفاء عند الشباب والأطفال في لبنان هي 0،56 يوم في السنة، والمواطن فوق 60 سنة 1،76 في السنة، أما المواطن العادي فمعدل المعاينة تقف عند 3،7 مرة في السنة وعند المسن 7،6 مرة في السنة.
ويشير الى أنه في ظل غياب ضمان الشيخوخة والاختياري، يمكن التأكيد أن هناك نقصاً في تلبية الحاجات الصحية عند المواطنين، تجعلنا نفكر أنه لا تتأمن العدالة بشكل دقيق بين الفئات الاجتماعية كافة، وخصوصاً في ظل ضائقة اقتصادية يشعر بها الجميع.
ويستنتج نتيجة للوضع القائم، بدأت وزارة الصحة العامة تطبيق نظام الإحالة في اقضية النبطية ومرجعيون وحاصبيا، منذ حزيران (يونيو) الماضي، وقد حصلنا على نتائج مهمة خلال الشهرين الأولين رغم أن التعاطي يتم من خلال مركزين موجودين في المنطقة، وكان معدل الوفر على صعيد المختبر نحو 38%.
وعن أهم شروط نظام الإحالة يقول عربيد يجب على كل طرف أن يعرف دوره، ونعني تحديداً المستشفى أو المركز الصحي، ومنها معرفة ترابط المؤسسة الصحية مع محيطها، وأن تتحرر المستشفى من جدرانها والاتجاه نحو المجتمع، من خلال برامج تثقيف وتوعية وبناء ثقة من خلال خدمات صحية تقدمها، وكذلك من خلال البرتوكولات ونظام المعلومات المتوافر لديها. وفي النبطية أعددنا لكل مركز من المراكز الموجودة، منطقة الخدمات التابعة لها، وأصدرنا لكل مواطن بطاقة صحية تحمل تعريفه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00