زاد الإنفاق على كهرباء لبنان ما يقارب 553 مليار ليرة، في العشرة الأشهر الأولى من العام الجاري، مقارنة مع الشريحة الزمنية نفسها من العام 2007. رغم انخفاض أسعار النفط عالمياً، بعد وصوله الى مستويات قياسية في تموز (يوليو) الماضي، عندما وصل سعر البرميل الى 147 دولاراً، وتسبب ذبذبة الأسعار، عدم وضوح آلية التعرفة التي ستعتمدها وزارة الطاقة للمستهلكين، بانتظار الاستقرار في سوق النفط وبالتالي البناء عليها، إلا أنه من المهم التذكير أن عجز الكهرباء متواصل في ظل المواجهة القائمة بين ضعف الانتاج وضخامة الطلب.
في العام 1992 وبعد نهاية 17 سنة من الحرب الأهلية، أرست الحكومة اللبنانية خطة لاعادة تأهيل البلد وإعماره، وكانت عملية إعادة تأهيل قطاع الكهرباء العنصر الأبرز في هذه الخطة، فقد كلفت أكثر من 33% من تكلفة اعادة الاعمار، كما زادت الاستثمارات القدرة على انتاج الطاقة الكهربائية من 600 ميغاوات في العام 1992 الى 1400 ميغاوات في العام 1998، إلا أنه مع نمو الطلب على الطاقة بنسبة تقارب 4 الى 6% سنوياً، عملت الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية على الاهتمام بتأمين مصادر الطاقة، وكان آخرها الاتفاق الذي وقعته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مع مؤسسة التمويل الدولية العام الفائت (IFC)، والذي تقدم بموجبه المؤسسة الى الحكومة، ممثلة بالمجلس الأعلى للخصخصة، الذي سيعمل بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه ووزارة المال، خدمات استشارية مالية لمساعدة لبنان في بدء الاستعانة بمنتجي الطاقة المستقلين.
وكما هو الحال مع القانون 462/2002 الخاص بتنظيم وضع القطاع الكهربائي، ومعالجة مشكلاته ومعضلاته الأساسية، وقعت مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والمياه مع عدد من الشركات ومن ضمنها شركة كهرباء زحلة. إلا أنه لا يمكن السير بقانون خصخصة القطاع من دون تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء، ويجب أن يمضي مجلس الوزراء سريعاً بتشكيلها، منعاً لتطور التدهور الحاصل في قطاع الكهرباء.
من هنا أيضاً، تأتي التوصية التي شددت عليها ورشة العمل الوطنية التي عقدت في مجلس النواب في أيلول (سبتمبر) الماضي، حول الكهرباء، بضرورة الإسراع في إنجاز واعتماد المخطط التوجيهي العام لقطاع الكهرباء (انتاج، نقل وتوزيع)، يلحظ إضافة مجموعات انتاج حرارية أو تعمل على الطاقات المتجددة، عبر القطاع الخاص (IPP) أو عبر قروض ميسرة من البنك الدولي أو الصناديق العربية والهيئات الدولية المانحة، مع التزام بخطة الحكومة التي قدمت في مؤتمر باريس3 كإشارة ايجابية لجذب التمويل.
السؤال هو أين أصبح موضوع منتجي الطاقة المستقلين؟ قي ظل استحالة قيام الحكومة بانتاج معامل حديثة لتوليد الكهرباء بسبب الأزمة المالية والعجز في الخزينة، رغم أن السير بعملية إصلاح القطاع لم يتوقف، إلا أن الاعتماد على القطاع الخاص بات هو الحل الذي لا مفر منه لإصلاح أزمة الكهرباء المزمنة، بإجماع السياسيين؟.
يقول المدير العام لكهرباء زحلة أسعد نكد لالمستقبل، منذ أعوام طويلة والأمور معلقة ولا قرارات حاسمة بعيدا من المعالجات الجزئية، وعمليات الترقيع التي لم تنتج إلا المزيد من الأزمات. وباختصار كلي فإن مشكلات الكهرباء في لبنان، يمكن تلخيصها بالعجز المتواصل والارتفاع التصاعدي في تكاليف الانتاج، بسبب ارتفاع أسعار النفط عما هو محدد في تعرفة الكيلوات كهرباء، والذي ينتج على أساس سعر البرميل ب25 دولاراً، ويغذي هذا الوضع سوءاً حالة معامل الانتاج التي أصبحت قديمة، ولا تلبي فعليا أكثر من نصف حاجة السوق الى الطاقة أي نحو 1100 ميغاواط من أصل ألفي ميغاواط تحتاجها السوق، مضافاً إليها غياب الجباية المنظمة واستمرار التعديات على الشبكة، الى سواها الكثير الكثير من المشاكل التفصيلية.
ويضيف رغم سوداوية الصورة فإن كهرباء زحلة تعمل منذ مدة على محاولة حفر جبل المشاكل المستعصية بالإبرة! ولا تتوانى هذه الشركة عن القيام بكل المحاولات في سبيل الحصول على موافقة مكتوبة للسماح بتطبيق القوانين الموجودة، وإعادة الحق الى امتياز كهرباء زحلة في الإنتاج، بعد تقاعس مؤسسة الكهرباء، وعدم قدرتها على تأمين التيار الكهربائي.
وأوضح أنه بعد التوصل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 الى توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الطاقة، تمهيداً للشروع في الانتاج، تقدمت الشركة بمشروع متكامل لإنشاء معمل نموذجي لإنتاج الطاقة ضمن نطاق امتيازها في منطقة زحلة. وقد اجتاز المشروع المرحلة الأولى في وزارة البيئة، حيث وافق الوزير طوني كرم في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي، على التقرير المرفوع في طلب الشركة إبداء الرأي بشأن تحديد تقويم الأثر البيئي العائد لمشروع إنشاء وتشغيل محطة توليد الطاقة في زحلة. واليوم بات المشروع في عهدة وزارة الطاقة والوزير ألان طابوريان، فهل يجرؤ على اتخاذ قرار بداية إنقاذ لبنان من هذه الأزمة المزمنة، والتي أصبحت مستفحلة الى درجة تهدد الاقتصاد اللبناني برمته؟.
وذكر نكد، أن كهرباء زحلة التي أنشئت في 17 أيلول (سبتمبر) 1923، وكانت تتولى انتاج الكهرباء وتوزيعها ضمن نطاق امتيازها في زحلة ومحيطها، ويبلغ عدد مشتركيها اليوم نحو 42 ألف مشترك. استمرت في إنتاج الكهرباء حتى العام 1969، حين طلبت منها سلطة الوصاية استبدال إنتاج الطاقة بشرائها بتعرفة محددة من كهرباء لبنان التي كان لديها فائض كبير في الإنتاج. وقبلت كهرباء زحلة ذلك الأمر ضمن شرطين صريحين ومحددين هما:
- أن تؤمن كهرباء لبنان لشركة زحلة كامل القدرة اللازمة لإيصال الطاقة الكهربائية الى نطاق الامتياز.
- أن تزود مؤسسة كهرباء لبنان شركة كهرباء زحلة بالطاقة الكهربائية التي تحتاجها على مدى 24 ساعة ومن دون انقطاع.
لكن ظروف الحرب التي عاشها لبنان منعت كهرباء لبنان الوفاء بالتزاماتها. وبعد انتهاء الحرب استمرت كهرباء لبنان في سياسة التقنين والتي زادت يوما يعد يوم.
واليوم، وبعد 18 عاما على انتهاء الحرب، لا تزال مؤسسة كهرباء لبنان غير قادرة على تأمين الكهرباء، وهذا ما دفع بـشركة كهرباء زحلة، وبعد طول انتظار، أن تذكر سلطة الوصاية بحقوقها وحقوق مشتركيها في الحصول على الطاقة. وأشار الى أن كهرباء زحلة ملزمة قانونا الحفاظ على كادراتها الفنية والإدارية والعمالية من الموظفين، وعلى مواكبة التطور في تحديث منشآتها وآليات الجباية والمراقبة، واعتماد تكنولوجيا المعلومات في المجالات كلها، لمواجهة تزايد الطلب على الطاقة من جهة وللتمكن من توزيع التيار على مدار الساعة. وعدم قيام كهرباء لبنان بتأمين التيار الكهربائي للشركة بالكمية الكافية لخدمة مشتركيها على مدار الساعة يكبد الشركة ومشتركيها خسائر فادحة.
ولفت الى أن التقنين المستمر يرهق كاهل المواطنين والمؤسسات الذين باتوا يدفعون 4 فواتير عوضا عن فاتورة واحدة: الأولى لشركة الكهرباء، الثانية لأصحاب المولدات الخاصة، الثالثة لإصلاح الأعطال الكهربائية المنزلية من جراء عدم تأمين التيار بالجودة المطلوبة من أصحاب المولدات، والرابعة ناتجة من الضرائب التي يدفعها المواطنون بسبب العجز المتفاقم في المالية العامة من جراء العجز في كهرباء لبنان.
وأثار موضوع أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة، الذين يعملون بشكل خارج عن القوانين وبكل المعايير وعلى كل المستويات، وتفرض على المشتركين مبالغ مالية خيالية أصبحت أشبه بخوات لا مفر للمواطنين من دفعها، وإلا يتم حرمانهم من طاقة المولدات، والبلديات تمنع على غير قلة من المحتكرين تشغيل مولداتهم الخاصة لتوزيع الطاقة. وسأل عن أسباب غياب الرقابة عنهم. وقال نكد بناء على كل ما سبق، تقدمت كهرباء زحلة باقتراح حل عملي وقانوني وعاجل لحل أزمة الكهرباء كاملة، ضمن النطاق الجغرافي لعمل الشركة، انطلاقا من اعتراف المعنيين جميعا، وفي مقدمهم وزير الطاقة، بأن استجرار الطاقة من دول مجاورة قد يشكل حلاً موقتاً وليس نهائياً لأزمة الكهرباء. وأضاف اقتراح كهرباء زحلة مبني على أن تعود الى الإنتاج بموجب صلاحياتها القانونية المنصوص عنها في عقد الامتياز مع الدولة. وهذا الحل عملي وقانوني وعاجل لأزمة الكهرباء في المنطقة الجغرافية التي يغطيها عمل الشركة. والحل سهل التحقيق أيضا ولا يكلف خزينة الدولة ليرة واحد، بل يخفف عنها عبئا ثقيلا من الناحية المادية. والحل يكمن في معاودة كهرباء زحلة إنتاج الكهرباء وتوزيعها استنادا الى دفتر شروط امتيازها الحصري، الذي يمنحها هذا الحق. فالشروط التي على أساسها توقفت الشركة عن الإنتاج لم تعد قائمة، والظروف التي أوجدت تلك الشروط لناحية وجود فائض لدى مؤسسة كهرباء لبنان زالت كليا أيضا، وبالتالي فإن معاودة الإنتاج استنادا الى دفتر شروط الامتياز ذي الطابع التعاقدي - التشريعي لا تحتاج الى تشريع جديد، بل تتطلب تفهما وتعاونا من الإدارة، وتحديدا من سلطة الوصاية لأعمال مواد دفتر الشروط المتعلقة خاصة بالإنتاج والتعرفة والحفاظ على التوازن المالي للشركة.
وشركة كهرباء زحلة، إذ تأخذ على عاتقها معاودة إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها على المشتركين، ستعمل على إنشاء معمل حديث لإنتاج الطاقة الكهربائية، يعتمد أفضل المعايير البيئية ويعمل على الفيول والغاز. وستعمل الشركة على زيادة رأسمالها عبر فتح باب الاكتتاب أمام المواطنين البقاعيين.
أما مميزات المشروع:
-أولا إنه حل قانوني على أساس تشريعي يتمثل في دفتر شروط الامتياز وقانون تنظيم قطاع الكهرباء (القانون رقم 462/2002 - المادة 21 منه) ويتماشى مع التوجه العام للدولة، في أن الحل النهائي لأزمة الكهرباء يكمن في إنتاج الطاقة محليا وبفائض لمواجهة الطلب المتزايد.
- الحل غير مكلف للدولة لأن الشركة ستتحمل كل الأعباء والتكاليف ومخاطر إنشاء معمل حديث في الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان والمنطقة.
- الحل يؤمن استقلالية لإنتاج التيار الكهربائي في منطقة البقاع الأوسط، ما يوفر الطاقة التي ترسل الى هذه المنطقة ويمكن عندها تخصيصها لمناطق أخرى. كما أن تأمين الكهرباء في هذه المنطقة على مدار الساعة سيؤدي الى تنميتها وزيادة فرص الاستثمارات وإنشاء المعامل والمصانع فيها، وسيؤدي ذلك الى خلق فرص عمل لأبناء المنطقة، ما يمنع هجرتهم الى مناطق أخرى أو الى الخارج.
- هذا الحل سيجعل أبناء البقاع الأوسط يدفعون فاتورة واحدة معقولة للكهرباء عوضا من دفع 4 فواتير.
- إنشاء معمل حديث لتوليد الطاقة سيؤمن المواصفات البيئية المطلوبة وينهي عمل المولدات الخاصة التي تعمل خارج القانون وتسبب ضرارا بالغا للبيئة في المنطقة، ويؤمن للمواطنين الكهرباء على مدار الساعة بنوعية وجودة ممتازتين.
- هذا الحل يؤمن إنتاج الطاقة عبر قنوات صحيحة تخضع لمراقبة سلطة الوصاية وإشرافها، ويوفر للخزينة العامة سداد كامل الرسوم والضرائب عن الطاقة المنتجة إضافة الى العمل بحسب أفضل المعايير الدولية للإنتاج.
- الحل المذكور سيوفر على كهرباء لبنان ما لا يقل عن 50 مليون دولار من الخسائر السنوية التي تتكبدها من عملية إنتاج الطاقة لهذه المنطقة.
ورأى نكد، أن السماح لعدد من الشركات الخاصة بالإنتاج في عدد من المناطق، يبدو فكرة رائدة ولكنه يحتاج الى تشريع خاص غير متوافر اليوم، فإن وضع كهرباء زحلة يختلف لأن القانون يسمح لها بالإنتاج. وبالتالي فإن تسهيل المشروع الذي تقدمت به الشركة المشهود لها بجودة عملها والحاصلة على شهادة (iso)، يمكن أن يشكل مشروعا نموذجيا يعتمد عليه في مرحلة قريبة لإعطاء تراخيص بالإنتاج لشركات لبنانية خاصة أخرى لتوليد الطاقة في عدد من المناطق. وهذا الحل قد يشكل المدخل الفعلي الى الحل النهائي لأزمة الكهرباء المتمادية في بلد يفترض أن يكون قبلة الأنظار ومقصد السياح في منطقة الشرق الأوسط.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.