وضع وزير الطاقة آلان طابوريان العربة أمام الحصان، عندما "بشَّر" اللبنانيين، بإمدادات الغاز الطبيعي قريباً، وذهب أبعد من ذلك عند حدد منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، موعداً لوصول هذه الإمدادات بعد "إزالته" العوائق، إلا أن الغاز المصري لم ولن يصل، نظراً لتعثر الأمر، بسبب ارتباط الدولة المصرية بتأمين هذه المادة الحيوية الى عدد من البلدان، ومنها سوريا والأردن، وحاجتها الزائدة الى هذا النوع من الطاقة مع زيادة النمو الاقتصادي في كلا البلدين، وبالتالي زيادة الطلب على استهلاك الطاقة، مع تناقص الكميات المنتجة من الغاز الطبيعي في سوريا، واعتمادها بالتالي على المصدر المصري، ويضاف الى ذلك عدم الوصول في المفاوضات الى سعر يتلاءم مع الطلب اللبناني بالإضافة الى العوائق الفنية.
من الطبيعي أن يكون لبنان أول المتضررين من عدم وصول الغاز المصري الى أراضيه، وتحقيق الوفر الاقتصادي الذي وعد به الوزير طابوريان، وبالتالي فإن التفكير في البدائل بات ملحاً، في ظل تنامي الطلب على الطاقة، وزيادة فاتورة الكهرباء مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وقد شهد لبنان صيفاً كهربائياً "ساخناً"، تجلى في عدم وضوح سياسة الوزارة بالنسبة للتقنين، وشهدت العاصمتان الأولى (بيروت) والثانية (طرابلس) فصولاً من مراحل التعتيم!.
وفي سياق الحديث عن البديل لموضوع الغاز المصري، وإيجاد حلول لمعضلة قطاع الكهرباء، أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك، أن مشكلة إصلاح الكهرباء ليست في وضع أفكار ودراسات، بل في "وضع القطار على السكة"، بمعنى أن تكون هناك استمرارية في الخطة وعملية تنفيذها، لا أن يأتي من ينسف خطة الوزير الذي قبله ويطرح خطة جديدة، في الخطط الموضوعة ليست كلها سيئة أو حسنة، فيها من الشكلين، لذلك نحن لا نريد الآن التفتيش عن خطة كاملة، لأنه لدينا خطة ونسير بها منذ سنتين ويجب أن نكملها ولا نريد تغيير مسارها.
وإذ نفى أن تكون التشركة هي الخصخصة، أكد أن كلام الرئيس نبيه بري حول الخصخصة، هو في الاتجاه الذي نؤيده، أي تشركة القطاع الخاص في مجالي الانتاج والتوزيع.
وقال الحايك لـ"المستقبل"، إن خطة تشركة قطاع الكهرباء قد أنجزت بعد أن توافق عليه أعضاء المجلس الأعلى للخصخصة، ورفعت الى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة الذي بدوره سيرفعها الى مجلس الوزراء بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للخصخصة، بعد أن يطلع عليها وزير الطاقة، إلا أن الوزير طابوريان غائب عن التنسيق.
ولفت الحايك، الى أن الخطة التي يعتمدها المجلس قائمة على المحاور الخمسة، التي وردت في خطة وزير الطاقة السابق محمد فنيش، وهي:
1 ـ هيكلة القطاع ويكون ذلك بتشركة مؤسسة كهرباء لبنان، 2 ـ إصلاح الانتاج من خلال إعادة تأهيل معملي الذوق والجية ومعمل دير عمار الثاني ومشاريع القطاع الخاص في مجال انتاج الطاقة، 3 ـ إصلاح التوزيع من خلال تركيب عدادات التحكم عن بعد، 4 ـ سياسة القطاع ويكون ذلك بإيجاد الهيئة المنظمة للكهرباء، وكذلك سياسة التعرفة والدعم والغازالطبيعي، 5 ـ إصلاح قطاع النقل من خلال إنجاز مركز التحكم الوطني ومحطة كسارة وشبكة التوتر العالي.
وأضاف أن الأمور المتعلقة بالمجلس الأعلى للخصخصة، هي البنود الثلاثة الأولى، أي هيكلة القطاع وإصلاح الانتاج والتوزيع، مشيراً الى أن يجب "أن نفكر الآن بطريقة أخرى، بعد أن تبين أن هناك صعوبة في استجرار الغاز المصري".
وأوضح "أن خطة الانتاج التي يضعها المجلس بنيت على أساس الحصول على مصادر لانتاج طاقة الكهرباء، بما يحقق وفراً مالياً، طبعاً التفكير كان متجهاً نحو الغاز الطبيعي، وكان هناك مشروعاً لخط الغاز العربي، الذي تم الاتفاق على إنشائه في العام 2000، ويقضي بتصدير الغاز المصري الى الأردن ولبنان وسوريا، المشكلة آنذاك أن خط الأنابيب لم يكن مكتملاً، الآن انتهى تمديد الأنابيب وبنينا خطة الانتاج على هذا الأساس، بيد أن مصر أصبحت الآن في وضع يصعب عليها تأمين الغاز بسبب ارتباطاتها مع دول أخرى وعوائق أخرى".
أما البديل وبحسب الحايك، فهو الاتجاه بالتفكير نحو ايجاد مصادر بديلة عن الغاز المصري، تكون قليلة التكلفة، وعليه فإن التوجه هو نحو إصلاح الانتاج، وقد وضع المجلس الأعلى للخصخصة مجموعة من التصورات بالتعاون مع لجنة من المعنيين بقطاع الطاقة وبالتعاون مع مؤسسة كهرباء لبنان، وتقوم على ثلاثة مراحل تبدأ زمنياً بالتزامن مع بعضها، لكنها لا تنتهي في وقت واحد، على ثلاثة مستويات:
ـ المدى القصير: إعادة تأهيل معملي الزوق والجية، وذلك يحتاج مدة سنة.
ـ المدى المتوسط: إشراك القطاع الخاص بمشاريع انتاج الكهرباء، ولا سيما: شركة كهرباء عاليه، زحلة، ومشروع الطاقة الهوائية في الشمال، وهذا يحتاج ما بين سنتين الى ثلاث سنوات.
ـ المدى الطويل: مشروع معمل على الغاز السائل وتكون محطته في الزهراني، وتبلغ تكلفته بحسب الدراسات المنجزة حوله من 200 الى 500 مليون دولار.
كما تلحظ الخطة إنشاء معمل على الفحم الحجري وبحسب دراسة للبنك الدولي، فإن تكلفته هي بحدود 3 مليارات دولار، كما أن شركة كهرباء فرنسا قد لحظت موضوعي الغاز السائل والفحم الحجري، إلا أن التركيز سابقاً على الغاز، فيما استبعد موضوع الفحم الحجري آنذاك، اليوم يعود موضوع الفحم الحجري الى الواجهة، كخيار فعال وناجع للوفر في توليد الطاقة الكهربائية في لبنان، رغم التكلفة العالية لإنشاء مثل هذا المعمل. طبعاً مدة التنفيذ للبند الأخير يحتاج نحو 4 سنوات وما فوق للتنفيذ.
وقال الحايك، إن هذه التصورات ستوضع موضع التنفيذ، قبل نهاية العام الجاري، وخصوصاً بإعادة تأهيل معملي الزوق والجية، وهي عند الانجاز ستزيد من الطاقة المنتجة نحو 150 ميغاوات.
أما في ما يتعلق بتشركة القطاع الخاص في الانتاج، فإن ذلك سيزيد نحو 250 ميغاوات، وبالنسبة لمعامل الفحم الحجري والغاز المسيل، فإن التقديرات الموضوعة هي انتاج نحو 1000 ميغاوات، أي أن نحو 1400 ميغاوات بمجموعها، هي الكمية التي سيحتاجها لبنان خلال السنوات العشر المقبلة.
وأضاف "أن السير بهذه الخطة، يحتاج أولاً الى بلورة سياسة القطاع نهائياً، ويكون ذلك بداية وقبل كل شيء، إيجاد الهيئة المنظمة للكهرباء، فالقانون 462/2002 بني على أساس فصل قطاعات الانتاج والتوزيع والنقل، وإنشاء الهيئة الناظمة أو المنظمة، ونحن بحاجة الى وجودها، لأن السير بأي خطة إصلاحية يكون خارج هذا القانون، ومن المفروض أن يرفع الوزير طابوريان أسماء مقترحة لعضوية الهيئة الى مجلس الوزراء للبت بها.
أما الموضوع التالي، فهو العمل سريعاً على إيجاد سياسة تعرفة واضحة وتصويب سياسة الدعم باتجاه المواطن لا الانتاج.
وأكد الحايك أن "الأمر مرهون بتعديلات على القانون 462/2002، لأن تنفيذ الإصلاحات المرجوة يتطلب إجراء تعديلات عدة على هذا القانون، ومنها:
ـ الإجازة لمجلس الوزراء القيام ولمدة سنة من بعد تعيين أعضاء الهيئة المنظمة بدور الهيئة، وذلك في ما يتعلق بمنح التراخيص والأذونات لمنتجي الطاقة المستقلين والترخيص للشركات المخصخصة.
ـ تعديل طريقة منح التراخيص عبر حصر إجراء المناقصات واستدراج العروض فقط في الأحوال التي تشترك فيها الدولة مع منتج طاقة مستقل في مشروع لانتاج الطاقة.
ـ الاجازة لأصحاب التراخيص إبرام عقد من الباطن لإدارة أو تشغيل أو تطوير تجهيزات الانتاج والتوزيع، دونما حاجة متعاقد الباطن للاستحصال على ترخيص جديد.
ـ السماح لشركات مغفلة خاصة بتزويد الطاقة للمستهلكين.
ـ تسهيل دخول منتجي الطاقة المستقلين الى السوق اللبنانية، عبر إعفاء شركات القطاع الخاص المغفلة المرخص لها بالانتاج من أحكام الفقرة 3 من المادة 78 (المتعلقة بوجوب أن يكون ثلث رأسمال الشركات المغفلة التي يكون موضوعها استثمار مصلحة عامة أسهماً اسمية لمساهمين لبنانيين)، وأحكام المادة 86 (المتعلقة بمعاملة التقدير) والمادة 89 (المتعلقة بمنع تداول الأسهم) والمادة 144 (المتعلقة بشرط الجنسية).
ويضاف الى هذا إيجاد سياسة تعرفة جديدة، يمكنها تأمين المصداقية المالية للقطاع، وبالتالي تأمين الطريق أمام تركيب عدادات تحكم عن بعد، التي بامكانها تأمين المصداقية المالية والتشغيلية لقطاع الكهرباء، وتخفيف العبء المالي الناتج عن خسائر التوزيع، وتحسين عملية الجباية، ونوعية وفاعلية الخدمة، وإدخال خدمات متطورة كالدفع المسبق. وهذا ما يؤدي الى تمهيد الطريق نحو استثمار ناجح في مجال انتاج الكهرباء في لبنان".
ولفت الحايك، الى أن الوزير طابوريان يشن هجوماً على الخصخصة، من باب الحفاظ على حقوق الموظفين في شركة الكهرباء، إلا أن تصويب وزير الطاقة في غير محله، إذ أننا لا نتحدث عن خصخصة قطاع الكهرباء بل نحن نتكلم عن إصلاح القطاع عن طريق التشركة، وبحسب الشكل المقترح، تبقى شركة الكهرباء والامتيازات مملوكة للدولة مع إشراك القطاع الخاص في عمليتي الانتاج والتوزيع.
وأضاف "أما في ما يتعلق بالتعرفة، هناك أفكار عدة تتعلق في هذا الإطار، ومنها دراسة لشركة "نيرة"، الآن هي متوقفة مع انقطاع التنسيق بين وزارة الطاقة من جهة، وسائر المعنيين بالقطاع، هناك اقتراحان واحد للوزير طابوريان والآخر للرئيس فؤاد السنيورة، بالإضافة الى أفكار عدة كما قلنا، وتقوم فكرة الوزير على خفض التكلفة بشكل كبير على الشطر الأول، فيما ترتفع مع الشطور الأعلى.
وأود أن ألفت أن جميع الدراسات القائمة حول هذا الموضوع تأخذ البعد الاجتماعي بالاعتبار، أي مساعدة الفقراء على دفع الفاتورة بحيث إن الاستهلاك قليل، فيما ترتفع مع ازدياد الاستهلاك.
ولذلك يجب قبل وضع أي شيء الاتجاه نحو الحوار، لإيجاد صيغة موحدة، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بالمالية العامة نظراً للدعم الذي ستضطر الدولة لتقديمه في المستقبل المنظور.
أما في ما يتعلق بسياسة الدعم للكهرباء، هناك 90% من دول العالم تدعم الكهرباء، لكن الغريب في لبنان أن سياسة الدعم تذهب للمنتجين لا للمواطنين".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.