توصي دراسة البنك الدولي بزيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 99.2% دفعة واحدة، أو تدريجاً على ثلاث سنوات، إلا أنها تحذّر بوضوح من أن أي خطة لزيادة التعرفة ستبقى حبراً على ورق ما لم تترافق مع إجراءات حماية للفقراء تخفف من عبء هذه الزيادة، كما أنها تحذّر من أن زيادة التعرفة ستكون لها تداعيات سياسية وتجارية في ظل استمرار الخدمة الرديئة.
وبعيداً عن أية دراسة، وإنطلاقاً من حالة العجز المالي الذي تعانيه مؤسسة الكهرباء، مع استمرار الصعود الصاروخي لأسعار النفط، فإن إدارة "كهرباء لبنان"، تعكف على وضع تعرفة جديدة للكهرباء، سيتم إنجازها خلال الأسبوع المقبل، وذلك بما يتلاءم مع تطور تكاليف الانتاج، خصوصاً وأن التعرفة المعمول بها الآن موضوعة على أساس سعر البرميل 25 دولاراً، في حين أن سعره وصل قبل يومين الى حدود 147 دولاراً، وبالتالي فإن سعر تكلفة الكيلوات ساعة على مستوى نفقات شراء الطاقة والمحروقات كان 93.73 ليرة، أما على مستوى كافة النفقات الاستثمارية فكان بـ146.98 ليرة، في حين أن تكلفة انتاجه اليوم تتجاوز 320 ليرة لتصل في بعض الأحيان الى 400 ليرة.
إن ما يدفع مؤسسة الكهرباء لاتخاذ هذا التدبير في مثل هذه الأوقات، المتفاقمة إقتصادياً وسياسياً في آن، هو العجوز المتتالية للكهرباء مع استمرار ارتفاع أسعار المشتقات النفطية واستمرار الأعطال في كثير من معامل إنتاج الطاقة الكهربائية، وهو ما يجعل فوترة الطاقة المنتجة يشوبها الكثير من الهدر الفني، أما في الجهة السياسية فإن الجباية المطلوبة بنسبة عالية وهي إن حصلت بنسبة 100%، فإنها لن ترد تكاليف شراء المحروقات فكيف إذا كان المطلوب إضافة بندي الصيانة والتشغيل، وعليه فإن الجباية هي في حالة تراجع بنسبة 20% منذ مطلع العام الجاري، بالإضافة الى استمرار الهدر غير الفني أو السرقة والتعديات، مشفوعٌ ذلك بالأحداث الأمنية وعدم قدرة الفرق الفنية التابعة للمؤسسة من دخول بعض المناطق، وإلزام الناس بالخضوع للقانون، من منطق الإستقواء على الدولة الأم، وفرض أمر واقع لا ينسجم مع التحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة، ويكفي أن عجز قطاع الكهرباء وحده سيكون بحدود مليار و300 مليون دولار، وقبل تشكيل الحكومة الحالية أعلن وزير المال جهاد أزعور "إن نتائج الأشهر الخمسة الأولى من السنة، تظهر أن السبب الأساسي في ارتفاع العجز يأتي من كهرباء لبنان، لأن الانفاق عليها زاد على السنة المنصرمة 500 مليار ليرة، واذا استثنينا الكهرباء، نجد أن الانفاق استقر رغم ارتفاع فاتورة الرواتب والأجور".
إن محاولة إدارة مؤسسة الكهرباء ليست الأولى على هذا الصعيد، لقد سبق أن وضعت شركة (NERA) تقريراً عن التعرفة وحجم الدعم الذي تقدمه المؤسسة على الشطور المتدنية لاستهلاك الطاقة الكهربائية، وذلك على أساس تكلفة الانتاج بحسب الأعباء الاستثمارية في العام 2003، ومن ضمنها سعر البرميل الذي كان أقل من 25 دولاراً، إلا أن استباقية الشركة في ما يتعلق بتطور أسعار النفط، لم تتعدَ 35 دولاراً للبرميل في العام 2008، مصحوبة أيضاً بتوقعات بإمكان انتاج بعض المعامل على الغاز الطبيعي في العام 2005.
وعليه، فإن المؤسسة تعمل اليوم على برنامج (SOFTWARE) الموضوع من قبل شركة (NERA)، والذي ابتاعته منها بنصف مليون دولار، باعتبار أن البرنامج المذكور يشكل وحدة مترابطة اعتمدت فرضيات محددة، منها:
ارتقاب انتاج المعامل وكميات المحروقات اللازمة استناداً الى الطلب المرتقب (نهاراً وليلاً وخلال الذروة).
إن سعر المحروقات المرتقب هو عامل متحرك يمكن تعديله.
تم وضع ارتقابات للتجهيز إنطلاقاً من المعطيات الحالية لتجهيزات والحاجات المستقبلية، لتلبية الطلب على الطاقة.
إنطلاقاً من عناصر التكلفة، تم استخلاص فرضيات عدة لتحديد سعر مبيع الطاقة وفق نوع المشتركين وساعات استعمال الطاقة، وذلك بشكل يغطي تكلفة الانتاج والتوزيع.
والملفت أن الدراسة التي وضعتها الشركة آنذاك، توضح أن سعر البرميل الى 25 دولارا، يمكِّن مؤسسة الكهرباء من تغطية النفقات: معاشات ونفقات تشغيل وشراء محروقات، في حين توضح الدراسة أن البرميل إذا زاد على 35 دولارا، فإن المؤسسة ستدخل في مرحلة العجز، فكيف هو الحال مع عندما يصبح سعر البرميل بعشرة أضعاف.
ويقول مصدر مطلع في المؤسسة، إن وضع تعرفة جديدة تماشي الأسعار سيمكن مؤسسة الكهرباء من تخطي مرحلة العجز الذي تتخبط فيه، ففي حين تصل مواردنا بحسب الموازنة الموضوعة للعام الحالي 1100 مليار ليرة، فإن النفقات هي بحدود 3000 مليار ليرة مع استمرار ارتفاع الأسعار، وصحيح الكلام الذي أكده رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة من أن الدولة تدفع عن كل مواطن زهاء 150 ألف ليرة شهرياً في إطار دعمها لمؤسسة الكهرباء، تفادياً لرفع تعرفة الكهرباء.
ويلفت الى أنه إذا كانت فاتورته على أساس 500 كيلوات وما دون، فإن المواطن لا يدفع أكثر من 40 ألف ليرة، فإن سعرها يجب أن يكون بحدود 190 ألف ليرة، ومن هنا يأتي دعم الـ150 ألف ليرة، المواطن صحيح أنه يدفع اشتراكاً مخفضاً لكهرباء لبنان، إلا أنه يدفع في المقابل فاتورة لا تقل عن مئة ألف ليرة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، إن إجراء تعديل على التعرفة هو في مصلحة المؤسسة والمواطن والدولة معاً، فالقيمة لن تتبدل وبالتالي فإن دعم مؤسسة الكهرباء سيكون مردوده إيجاباً على خزينة الدولة.
ويضيف المصدر قائلاً، إن هناك زيادة ضغط أيضاً على انتاج الكهرباء بعد الدعم الذي قدم للصناعيين ليلاً منذ نحو شهرين بـ50 ليرة لكل كيلوات ساعة، إذ بدأت هذه المصانع تكثف من تشغيلها ليلاً ووصل الطلب على الطاقة منذ يومين الى 1800 ميغاوات.
وفي ما خص المشتركين العاديين أي توتر منخفض، وبحسب (NERA)، فإن 79.84% من المشتركين يدفعون ثمن طاقة عن شطور استهلاكهم تراوح بين 35 و120 ليرة، و20.16% يستهلكون طاقة تزيد على 500 كيلوات ساعة شهرياً نسبة 51% من هذه الطاقة بتعرفات مدعومة.
وتشير تحليلات البنك الدولي إلى أن التعويض الكامل يمكن أن يتحقق إما من خلال زيادة التعرفة بنسبة 99.2% دفعة واحدة، أو من خلال زيادة تدريجية على ثلاث سنوات، وذلك بنسبة 26.5%، للسنتين الأوليين، و24.5% للسنة الثالثة، إن بلورة عملية تصحيح التعرفة تقع تحت خانة مشروع البنك الدولي الطارئ لتدعيم القدرة الإصلاحية، ويوصي بأن تكون عملية تصحيح التعرفة تحت استشارة المشروع المذكور أعلاه، على أن تدعم الحكومة هذا المشروع وأن يترافق مع تدابير التنمية الاجتماعية المناسبة لتفادي الضرر على المستهلكين الفقراء.
ويقول مصدر المؤسسة، إن نحو 1.1 مليون مشترك بالكهرباء في لبنان، يؤشر الى زيادة نمو الطلب على الطاقة الكهربائية في لبنان، إلا أن الواقع الذي تعيشه المؤسسة لا يمكنه الإيفاء، لأسباب مالية بالدرجة الأولى وثانيها تتعلق بعمليات الانتاج في المصانع، والتي تهدر أكثر مما تنتج فمثلاً الزوق والجية هما بحالة يرثى لها، نظراً لأقدميتهما وحاجتهما الى الصيانة وإصلاح بعض القطع في الوحدات، لقد رفعت المؤسسة كتباً بهذا الشأن الى وزارة المال بأن تكلفة إصلاحهما وإمداد عمرهما بين 4 و5 سنوات بتكلفة 75 مليون دولار، إلا لم يتم فتح اعتماد لذلك، الآن تجري دراسة شركة (KMA) العالمية حول هذين المعملين، لأن لا يمكن الاستغناء عنهما قبل البدء ببناء مصانع جديدة، وهذا يحتاج على الأقل بين 4 الى 5 سنوات.
ويلفت الى أن لا توجه سياسيا حتى الآن لرفع تعرفة الكهرباء التي يصل معدلها الوسطي الى 120 ليرة (على أساس سعر البرميل 25 دولاراً، في حين التكلفة مع إرتفاع الأسعار تصل الى 320 و400 ليرة للكيلوات ساعة، وتزيد الطاقة المنتجة على 10 مليارات كيلوات ساعة سنوياً، وعليه، فإنه يمكن توقع الخسارة من جراء الإنتاج على السعر القديم دون النظر الى الأسعار المستجدة لأسعار النفط العالمية، وبغض النظر عن الهدرين الفني وغير الفني (التعديات والسرقات).
وعليه، فإن الحل لإلغاء العجز في الموازنة، هو إما برفع التعرفة، أو تشغيل المعامل على الغاز، وفي ما يتعلق برفع التعرفة، فإنها من ضمن "كرة النَّار" التي أصبح قطاع الكهرباء يجسدها بمعوقاته وصعوبة التقدم بهذا الملف إيجاباً، في ظل غياب توافق سياسي حول القانون 462/2002 أي قانون خصخصة قطاع الكهرباء، الذي يمكنه إنقاذ ما تبقى من قطاع "أصبح كالرممِ".
ويبقى السؤال هل يوافق وزير الطاقة الجديد آلان طابوريان على التعرفة الجديدة، لتحقيق توازن ما بين سعر التكلفة وسعر البيع، والخلاص من حالة العجز الذي تتكبده الدولة، وهي التي تعرف الوضع المالي الصعب للمؤسسة، والفارق في سعر إنتاج الكيلو وبيعه، تتحمله الدولة، ففي حين تعجز المؤسسة عن دفع الفارق تمنحها الدولة سلفات، إن المطلوب هو تعرفة مرنة اجتماعياً انطلاقاً من المثل القائل "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، وحتى لا يبقى أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة يعيشون على تناقضات الدولة والمؤسسة ويكون المواطن هو الضحية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.