خلافاً لكلّ ما وقعته الحكومة السورية منذ العام 1991 مع الحكومة اللبنانية من اتفاقات ومعاهدات وبروتوكولات مشتركة ومذكرات تفاهم وتعاون بلغ تعدادها 112، من ضمنها ثلاث تتعلق بالقضايا الحدودية والجمركية وتسهيل انتقال البضائع والأشخاص، وبعيداً عن روح الاتفاقات العربية ومن ضمنها اتفاقية الترانزيت، فإن القرار السوري الجديد بفرض رسوم جمركية إضافية تصل الى أكثر من 350 دولاراً بعنوان تحصيل فارق دعم المازوت على الشاحنات والبرادات اللبنانية المعدة للتصدير والنقل الخارجي، يأتي في إطار تشديد الخناق على الاقتصاد اللبناني بعدما باءت محاولات النظام السوري السياسية والأمنية بالفشل على مستوى إعادة لبنان الى زمن الوصاية.
وقد كشفت الوقائع العملية على الحدود اللبنانية ـ السورية منذ صباح أمس صحة ما نشرته "المستقبل" وانفردت به في عددها أمس، إذ أفاد مندوبها في المصنع أن القرار سبب ازدحاماً ونشوء أرتال من الشاحنات عند نقطة الحدود اللبنانية ـ السورية فضلاً عن أرتال مماثلة عند الحدود الأردنية ـ السورية (حسبما أفاد السائقون)، إذ امتنع هؤلاء من دخول الأراضي السورية بانتظار حلٍ ما يعفيهم من العبء المالي الجديد، فيما وصف مصدر في وزارة النقل اللبنانية في اتصال مع "المستقبل"، الخطوة السورية بـ"المفاجئة والمقصودة في آن".
ومرة جديدة حولت السلطات السورية الحدود المشتركة مع لبنان، الى مكسر عصا لابتزاز لبنان، فتكرّرت الأزمات الحدودية بين البلدين منذ انسحاب الجيش السوري، بعناوين مختلفة، فكانت المرة الأولى صيف العام 2005، والثانية 20 أيار (مايو) الماضي 2007، أمّا الثالثة ففي بداية كانون الثاني (يناير) 2008 بعنوان "تشديد الإجراءات"، دفع من جرائها الاقتصاد الوطني اللبناني ثمناً باهظاً، ويبقى السؤال أين موقع اتفاقات تسهيل المرور بين البلدين؟.
انطلاقاً من منطق إرباك الدولة اللبنانية ودون الالتفات الى الآثار السلبية الناجمة على حركة التجارة بين لبنان وسوريا، ومن ضمنها تجارة الترانزيت عبر الأراضي السورية، والتي تصل الى نحو ألف مليار ليرة سنوياً، فإن القرار السوري في طبعته الرابعة يعبّر عن مرحلة جديدة في القفز والتنصل من العهود والمواثيق الاقتصادية سواء مع لبنان أو مع الدول العربية، صحيح أن لا رسوم جمركية موحدة تنص عليها اتفاقية الترانزيت العربية أو تسهيل المرور أو الاتفاقات الثنائية ذات الصلة مع لبنان، إلا أن الخطوة تأتي من جانب واحد دون اعتبار لمبدأ تسهيل التجارة البينية بين الدول العربية وتطويرها.
فبالنسبة الى لبنان، يأتي القرار السوري الأخير دون مراعاة لأي من الاتفاقات الثنائية المعقودة بين البلدين على مدى 15 عاماً، خصوصاً وأن سوريا لم تكن في موقع الخاسر من هذه الاتفاقات، بل كانت الأكثر استفادة اقتصادياً وسياسياً، وليس أدل على ذلك من تحول لبنان الى سوق عمل كبير لمئات الآلاف من العمال السوريين، فضلاً عن أن الميزان التجاري في العلاقة التجارية البينية بين البلدين ظل لمصلحة سوريا من العام 1990 وحتى العام الجاري.
ومن ضمن الاتفاقات التي وقعها السوريون مع لبنان ثلاث اتفاقات تتعلق بالمعابر على الحدود، وهي: 1 ـ "تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع ـ 16/9/1993"، 2 ـ "انشاء مكاتب حدودية مشتركة ـ 12/1/1997"، "التعاون الاداري المتبادل في القضايا الجمركية ـ 14/1/2004".
يضاف اليها بروتوكولات ومذكرات تفاهم تتعلق بأوضاع الشاحنات على الحدود اللبنانية ـ السورية، منها :"بروتوكول لتوحيد قواعد واجراءات المرور والمكث الموقت للمركبات الأردنية، السورية واللبنانية ـ 9/4/2001"، "مذكرة تفهم بشأن توحيد أنظمة الحمولات المحورية للشاحنات الأردنية، السورية واللبنانية لنقل البضائع ـ 22/10/2002".
أما على المستوى العربي، فإن القرار السوري يخالف جميع الاتفاقات والمعاهدات التي وقعها البلدان في إطار الجامعة العربية لستهيل انتقال الأشخاص والبضائع بينهما، فضلاً عن أنه يخالف روحية مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان وسوريا والأردن بشأن توحيد الأوزان والحمولات بين هذه الدول المعمول بها من 1/1/2003.
ويشار الى أن اتفاقية تنظيم الترانزيت التي وقعها لبنان وسوريا في اطار جامعة الدول العربية قد نصت في مادتها الرابعة: "تتعهد الأطراف المتعاقدة بتسهيل حركة الترانزيت عبر بلادها بعموم وسائل النقل وفقاً للأنظمة المرعية والقواعد الجمركية في البلد الذي تعبره تجارة الترانزيت"، في حين اتفقت الحكومتان السورية واللبنانية في اطار الاتفاقيات المعقودة بينهما على أن "يتخذ الطرفان المتعاقدان جميع التدابير اللازمة لتسهيل وتسريع حركة انتقال الأشخاص ونقل البضائع، في الخروج والدخول، من وإلى بلديهما، ويمكنهما من أجل تحقيق هذه الغاية انشاء مكاتب تقع مباشرة على جانبي الحدود بين الدولتين أو عند الاقتضاء داخل اقليم إحدى الدولتين وعلى مسافة قريبة من الحدود قدر المستطاع".
وقال مصدر في وزارة النقل إن الخطوة السورية مفاجئة ومقصودة، أولاً لتزامنها مع بداية العطلة الأسبوعية في سوريا، وقد اتخذ القرار في الواحدة من بعد ظهر الخميس، بحيث يتعذر الاتصال بأي من المسؤولين المعنيين في سوريا باستثناء الأمين العام للمجلس الأعلى السوري ـ اللبناني نصري الخوري الذي يبقى صلة الوصل في هذا الموضوع المشترك، وهو ما تم إلا أنه أوضح أن معالجة هذا الموضوع ستبدأ بعد انتهاء إجازة المسؤولين السوريين، بالطبع إن ذلك سيؤثر حتماً على عملية التبادل التجاري بين لبنان وسوريا والدول التي يصدر إليها أو يستورد منها لبنان والواقعة خلف سوريا.
ويضيف المصدر أن المفاجئ بالخطوة السورية كونها تأتي بخلاف ما كان يتفق عليه في الاجتماعات المشتركة للجنة السورية ـ اللبنانية للنقل، إذ أكدنا على مبدأ رصرصة خزانات المازوت، إلا أن النظام السوري بهذا القرار رفض مبدأ الرصرصة وبالتالي يريدون أخذ فارق دعم المازوت، وهو ما يعد انتهاكاً لاتفاقات التسهيل المعقودة بين الجانبين، فلبنان لا يفرض رسوماً على الشاحنات الداخلية إليه بما فيها الشاحنات السورية.
ويوضح أن القرار السوري إضافة هذه الرسوم يشكل حركة مغايرة لما تسير عليه الدول المتقدمة اقتصادياً، ففي حين أزالت أوروبا الرسوم من بينها نعود نحن الى الخلف بفرض الرسوم وإعاقة التبادل التجاري. ولم ينفِ المصدر إمكان أن يتخذ لبنان قراراً مماثلاً للقرار السوري، في حال انتهت المفاوضات مع السوريين الى حائط مسدود.
وقال يعقوب القيسي من نقابة وسطاء التأمين إن القرار اتخذه مجلس الوزراء السوري في الثاني من الشهر الجاري وطبق في الثالث منه، مضيفاً "السوريون يأخذون بعداً اقتصادياً في الموضوع لزيادة المداخيل الى الخزينة السورية، باحتساب كل ليتر مازوت بسعر 36 ليرة سورية، على أساس احتسابه سعره عالمياً منقوصاً منه سعره المحلي المدعوم، فمثلاً خزان الشاحنة الذي تبلغ سعته 400 ليتر، يصبح فارق السعر كالتالي 400*36 ليرة= 14400 ليرة سورية أي ما يعادل 350 في حين أن الخزان سعة 600 ليتر يصبح الرسم عليه بحدود 475 دولاراً". واللافت، حسب سائقي الشاحنات أن الجمارك السورية اعتمدت تسعيرة متحركة للرسم تتأثر بتحرك أسعار النفط في الأسواق العالمية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.