لم تباغت زيادة تعرفة النقل بما نسبته 26.6%، العمال والموظفين، وهم الذين باتوا على إحاطة كاملة بما يجري في هذا العالم، على صعيد بورصة النفط المتقلبة صعوداً وهبوطاً، إلا أنَّ "فرحتهم لم تصل الى قرعتهم" كما يقول المثل العامي، فحينما زادت الحكومة المستقيلة 200 ألف ليرة على الحد الأدنى للأجور، لم يكن في الحسبان أن ارتفاع أسعار النفط وانعكاساتها على السوق المحلية، إذ ارتفعت صفيحة البنزين نحو 8100 ليرة عما كانت قبل تحرير جدول تركيب الأسعار، ستأكل الزيادة قبل أن تقر رسمياً وقبل نزولها في صلب المعاش، وبالتالي فإن المواطن بات بين مطرقة السائق وسندان الزيادة، فلا ذاك يرحم ولا تلك آتت أكلها، وبات السؤال ملحاً متى تحدد سياسة نقل جديدة لكل لبنان، تأخذ في حسابها، هذه المفاجآت؟.
ويبقى السؤال مشروعاً مع كل "نقزة" في قطاع النقل البري، إذ سرعان ما يتبادر الى الأذهان كميات الخطط الموضوعة لتنظيم هذا القطاع، وكان آخرها تلك التي وضعتها وزارة الأشغال العامة والنقل، مُسوّدة بيان حول سياسة النقل البري الواجب اتباعها مستقبلاً والحد من الفوضى في هذا القطاع.
ولفتت هذه الخطة الى أن نظام النقل الحالي لا يوفر مستوى ملائما لحركة انتقال الأشخاص ونقل البضائع، يماشي حاجات الاقتصاد الحديث، فتشير الى أنه يعتمد بشكل رئيسي على السيارات الخاصة، والمتوافرة لنحو 75% من الأسر في منطقة بيروت الكبرى، تاركة 25% من الأسر فعلياً بقدرة أقل للانتقال، وتشير الى أن النقل العام للركاب يفتقد التنظيم المترابط ليشكل بديلاً منطقياً للسيارات الصغيرة، وتوضح أن نظام النقل العام للركاب بوضعه القائم واقع في شرك الحلقة المفرغة السلبية، حيث يبدو للفرد أن السبيل الوحيد لتحسين قدرته على الانتقال يكمن في تأمين الحصول على سيارة، كما أنه ينتج عن نظام النقل الحالي تكاليف تلوث عالية نسبياً.
وتلخص هذه الخطة أهداف هذه السياسة، التي لم توضع حتى الآن موضع التنفيذ، على النحو التالي:
1تأمين انتقال الركاب بأسعار مقبولة: وينعكس ذلك إيجاباً على مستوى المعيشة ويعزز الاستثمار الاقتصادي المتنامي.
2تنويع وسائل النقل البري المتاحة للركاب: من خلال وضع نظام متطور للنقل العام، وتأمين نظام متكامل للنقل البري المتعدد الوسائط.
3توفير حركة داخلية فعالة وبكلفة معقولة في المدن والريف.
4إزالة العوائق التي تحد من القدرة التنافسية للبنانيين من أصحاب وسائل الشحن: مما يشجع على الاستثمار في هذا القطاع.
5منح لبنان دوراً إقليمياً تنافسياً على صعيد تقديم الخدمات اللوجستية: عبر استخدام السياسات الملائمة وتطوير وسائل وخدمات النقل الداخلي بصورة مستدامة.
6تخفيف العبء المالي الناتج عن نظام النقل من ميزانية الدولة: عبر إنشاء صندوق ائتمان لتقديم الدعم اللازم ضمن الممكن لجعل نظام النقل في وضع جيد ومن ثم صيانة وتطوير وسائل النقل وتحسين نظام النقل العام، ويمول هذا الصندوق من خلال تخصيص نسبة من الضرائب والرسوم المفروضة على استيراد واستعمال المركبات وقطع الغيار والمحروقات.
7تطبيق مقاييس محددة على البنى التحتية للنقل للحفاظ على مناظر خلابة: ويتحقق ذلك بأعمال تشجير الطرق، ووضع تصاميم جميلة ومميزة لمحطات حافلات النقل العام، وتزويد الشوارع بوسائل لراحة المشاة مثل المقاعد، ويفرض نظام مراقبة حازم على الطرق السريعة، وبتقديم تسهيلات زراعية لوقف الزحف المدني، وبتجميل المحيط البيئي.
8تأمين السلامة العامة على الطرق: عبر وضع مخطط توجيهي عام لعوامل السلامة والأمان لشبكة الطرق وتنفيذه.
9صيانة البنى التحتية للنقل وحماية منافعها: بما في ذلك حرم الطرق ومحطات النقل وحرم سكك الحديد.
يبقى أن الفوضى تعم قطاع النقل العمومي، فلكل نقابة تعرفتها ولكل سائق هواه في قراءة المعطيات الجديدة، ويقول رئيس النقابة العامة لسائقي السيارات العمومية في لبنان، إن تعرفة النقل الجديدة التي وضعها وزير الطاقة والمياه بالوكالة محمد الصفدي، تأخذ في الاعتبار: أسعار المشتقات النفطية، تكاليف الصيانة وثمن قطع الغيار واستهلاك الوقود، وعدد ساعات العمل اليومية ومعدل مدة الرحلة، عدد الركاب، الأجر الشهري للسائق وتكلفة استهلاك السيارة، وغيرها من العناصر الأساسية التي تدخل فيها تكلفة السائق.
وفي حين وضعت النقابة بالتعاون مع المدير العام لوزارة النقل عبد الحفيظ القيسي، التعرفة الجديدة والتي بدأ سريانها اعتباراً من 29 أيار (مايو) الماضي، فإن الكثير من سائقي السيارات العمومية لن يطبقوا جزءاً من هذه التعرفة، التي يصفها واضعوها بـ"العادلة"، وقال أحد السائقين "إذا كانت تعرفة السرفيس 2500 من حدود بيروت الإدارية الى بيروت الكبرى 2500 ليرة، فإن السائق لا يرضى إلا بسرفيسين على الأقل، لا أحد يرضى بهذه التعرفة".
وعلى غرار السيارات العمومية، تسير باصات النقل الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بين المناطق اللبنانية، فقد زادت تكلفة الانتقال من بيروت الى طرابلس 1000 ليرة، إلا أن بعض الفانات تأخذ 3750 أو 3000 ليرة، وهو ما يؤشر الى إختلال التطبيق في التنفيذ وعدم وجود رقابة من قبل الدولة، للإشراف على نجاح هذه التعرفة أو التعرفة التي سبقتها، وعلى المواطن أن يكون برسم الضحية، في ظل الانفلات الحاصل في قطاع النقل.
حسابياً، سيكون على المواطن تكبد نحو 30 ألف ليرة إضافية في الشهر، وسنوياً 360 ألف إذا كان معدل انتقاله داخل العاصمة سرفيسين يومياً، وهو سيتكبد 60 ألف شهرياً و720 ألف سنوياً إذا كان ينتقل ذهابا وإياباً بين منطقة وأخرى.
وتمثل الزيادة الجديدة نحو 33% من قيمة الحد الأدنى للأجور، وهي تعرفة عالية عالمياً، إذا ما قورنت بالعديد من البلدان، وعليه فإن تحملها سيقع على عاتق الموظفين والعمال والأجراء والطلاب.
لكن السائق العمومي لديه من الحجج ما يكفي لتبرير الزيادة وهو كما يقول "خسران"، ويشير أحد السائقين العموميين أنه بعد وصول سعر المازوت الى أكثر من 36 ألف ليرة، فقد لجأ الكثيرون الى تركيب معدات في السيارة لتعمل على الغاز، إذ يصل سعر الصفيحة الى نحو 20 ألف ليرة، وهو ما يبقى أوفر تكلفة للسائق لكن التعرفة على المواطن تبقى كما هي، بعدم وجود رقابة أيضاً أو تفلت هؤلاء من الرقابة إن وجدت.
قرار التعرفة الجديد
وتحدد التعرفة الجديدة أجور النقل في جميع المناطق، كما تحدد التعرفة لكل وسيلة نقل (السيارات السياحية العموميةسرفيس وتاكسي والميني باص والباصات الكبيرة)، وذلك وفقاً للملحق بالقرار رقم 292 تاريخ 30 أيار (مايو) الماضي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.