8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أسواق طرابلس تترنح على إيقاع الوضعين الأمني والسياسي: حركة الأعياد بطيئة مقارنة مع مثيلاتها في أوقات الاستقرار

الشمال ليس بمنأى عن العاصفة الأمنية والسياسية التي تهز البلاد، فالنشاط الاقتصادي الذي تعول عليه مدينة طرابلس تحديداً وخصوصاً خلال فترة الأعياد، يبدو مرآة لما آل إليه وضع حركة الأسواق التجارية في البلد، وهو تمادي الانكماش وتعديه التدريجي من المؤسسات التجارية الكبيرة الى الصغيرة وبشكل أفقي على مساحة الوطن، في ظل انسداد الأفق السياسي للأزمة القائمة وبقاء الفراغ في سدة الرئاسة وتجدد الحدث الأمني، بداية الأسبوع الماضي.
حركة الأعياد في أسواق العاصمة الثانية وخصوصاً الداخلية منها غير نشطة إلا أنها بطيئة ومتدنية جداً بالمقارنة مع مثيلاتها في أوقات السلم، حيث كانت الأكتاف تضرب بالأكتاف في سوق الكندرجية والبازركان والصاغة والملاحة، اليوم هناك انسياب مروري لرواد السوق، أما في الشوارع التجارية المعروفة مثل عزمي وقاديشا ونديم الجسر وسيتي كومبلاكس، فحالها يقول "عيد بأي حال عدت يا عيد".
ولم يكد غبار معركة نهر البارد ينقشع، لتستعيد أسواق المدينة أنفاسها، مع وجود 6 آلاف مؤسسة تجارية فيها من أصل 18 ألف في محافظة الشمال ككل (تشكل 15% من مجمل الحركة التجارية في لبنان)، حتى عاد المشهد القاتم يخيم فوق رؤوس تجار المدينة، وكما يقول رئيس جمعية تجار لبنان الشمالي أسعد الحريري، فإن مربط الفرس الاقتصادي هو الأمن والتوافق السياسي، فالاقتصاد والسياسة متلازمان معاً.
وإذا كانت الحركة الآن في طرابلس تتركز على "الحلويات والشوكولا"، التي تشتهر بها العاصمة الثانية، فإن الحوافز التي يوفرها تجار الألبسة لمثل هذه المناسبات، لم تبدد عامل الخوف المسيطر لدى المستهلكين الشماليين، فالإقبال على هذه المحال التجارية بات مرهوناً بتحسن الوضعين السياسي والأمني، وخصوصاً بعد التفجير الأخير في بعبدا، كما أن الانكماش الاقتصادي في لبنان عموماً، تظهر تجلياته واضحة من حيث القدرة الشرائية للمواطن، في ظل ارتفاع موجة الأسعار العالمية، خصوصاً للبضائع المستوردة من الخارج، أو بالنسبة لتلك المصنعة داخلياً بسبب ارتفاع تكاليف النقل الذي تطور مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية.
وهذا التدني في القدرة الشرائية ولا سيما في الشمال، كان تقرير "الفقر، النمو، واللامساواة في لبنان"، قد أشار اليه مؤخراً، إذ ذكر أن متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك أدناه في الشمال، فهو أيضاً الأكبر من حيث اللامساواة بالمقارنة مع المحافظات الأخرى، وعلى الرغم من أن محافظتي جبل لبنان والشمال قد شهدتا انخفاضاً نسبياً في متوسط نصيب الفرد من الانفاق (بالمقارنة مع المتوسط العام) منذ العام 1997 حتى 2004­2005، ولكن الانخفاض كان أكبر بكثير بالنسبة للشمال من 0.8 الى 0.6 وبالتالي فإن الشمال شهد تدهوراً كبيراً في ترتيبه حسب نصيب الفرد من الانفاق (من المرتبة الثالثة في عام 1997 الى أدنى مستوى في 2004­2005).
وإذ كان التراجع في حركة التسوق والتجارة في الظرف الراهن، غير مسيل بالأرقام، بحسب التجار إذ لا بد من الانتظار حتى انتهاء الموسم الحالي، لإعطاء نسبة محددة تشير الى حجم هذا التراجع، فإن "حركة التجارة في طرابلس مقسمة إلى مرحلتين: الأولى شهر رمضان وعيد الفطر، والثانية شهر كانون الأول (عيدا الميلاد ورأس السنة) موسم الأعياد، يضاف إليها موسم التسوق الشتوي" كما يقول رئيس جمعية تجار طرابلس فواز الحلوة.
ويشير الحلوة الى أن الحادثة الأمنية الأخيرة، التي أودت بحياة قائد العمليات في الجيش اللبناني اللواء الشهيد فرانسوا الحاج، قد أثرت في الحركة التجارية في المدينة، إلا أنها لم تستمر طويلاً، لكن ليس بالزخم المطلوب، ويضيف أن الاستثمار مرهون بالاستقرار السياسي، يأتي في أولها ملء الفراغ في سدة الرئاسة.
ويشير الى أن الأعمال الجارية في أسواق المدينة التاريخية، بدءاً من سوق حراج مروراً بأسواق البازركان والصاغة والسوق العريض والنحاسين وانتهاء بساحة السرايا العتيقة، والتي تشرف عليها بلدية طرابلس مشكورة، من شأنها تعزيز الحركة الاقتصادية لطرابلس، لأنها حكماً ستسهم في زيادة عدد الوافدين الى هذه الأسواق.
لكن الحلوة يعيد التأكيد على أهمية استتباب الأمن والاستقرار السياسي، كمخرج للانفراج الاقتصادي سواء في أسواق الشمال أو في أسواق لبنان.
فيما يشير الحريري الى أن المطلوب من التجار هو التكيف أو التعايش مع أزمة معقدة، قد لا يبدو حلها قريباً، ومن هذا المنطلق لا يمكننا أن نراوح مكاننا، ولا بد للتجار في الشمال وفي لبنان ككل، من وضع خطة طوارئ اقتصادية وتجارية تستطيع التعامل مع الوضع الحالي، أقله حتى انتهاء الأزمة الراهنة.
ويلفت الى أن انعدام الأمن والرؤية السياسية للحل وكذلك انعدام خطة طوارئ إنقاذية، يؤدي الى استمرار عامل الخوف لدى المستهلكين، الذين بدورهم يلجأون الى أخذ احتياطات تحسباً من انفلات الأمور نحو الأسوأ، يأتي في مقدمة هذه الاحتياطات اللجوء الى الإدخار، كرصيد يمكن صرفه في الأوقات الحرجة مادياً.
ويتفق الحلوة والحريري في أن تنشيط العجلة الاقتصادية شمالاً، غير محصور بأبناء المحافظة أو طرابلس، بل بـ"الرجل الغريبة" أي السياح وعودة المغتربين، التي من شأنها رفع منسوب الحركة التجارية وضخ أموال في شرايين الاقتصاد، لإعادة النبض الى أسواق المدينة.
ويربط مصدر في غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في طرابلس والشمال، تحريك العجلة الاقتصادية في الشمال باستتباب الوضع عند البوابات البرية الشمالية، أي الانسياب التجاري دون أية عوائق.
ويضيف أن الرؤية الواقعية لمجريات الأمور تقتضي، تطوير أعمال المجتمع الاقتصادي، من خلال خدمات نوعية وحديثة ومتقدمة، تتسع دائرتها لتطال الأسواق الخارجية، أسواق الدول العربية عموماً وبلدان منطقة دول الخليج تحديداً، ويمكنها إفادة كل من المستثمرين والشركات.
ويعتبر المصدر أن الحراك الاقتصادي بالنسبة لمنطقة الشمال، مهم جداً على صعيد لبنان ككل، إذ ان هذه المنطقة تختزن مكانة وقدرات باعتبارها واحدة من أكبر مناطق هذا الوطن.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00