يتوجه تقرير "الفقر، النمو، واللامساواة في لبنان"، الذي صدر مؤخراً عن وزارة الشؤون الاجتماعية والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع إدارة الإحصاء المركزي، الى صناع القرار لوضع سياسة للتنمية والاستثمار من شأنها الحد من الفقر والاشتمالية والانصاف والتوازن الاقليمي.
وعلى الرغم من درجة المساحة المالية المتاحة لتمويل النمو المطلوب لتحقيق الأهداف الانمائية للألف الثالث، لخفض نسبة السكان الذين يعيشون في ظروف الفقر المدقع بحلول النصف الأول من العام 2015، فإن هذه المسألة أصبحت مدعاة للقلق وذات أهمية خاصة عقب الأثر الاقتصادي المهم لحرب تموز (يوليو) 2006، والتي تلاها مأزق سياسي، الأمر الذي من المرجح أن يقيد لبنان الى ما بعد العام 2006، بالنظر الى الوقت الذي سيستغرق لينتعش الاقتصاد من هذه النكسات.
وعلى الرغم من هذه الإشكالية، تتوقع الجهات التي وضعت التقرير أن يسهم تقريرها إسهاماً مباشراً في عمليات الإصلاح التي أطلقتها الحكومة في مؤتمر باريس3، خصوصاً وأن برنامجها يتضمن خطة عمل اجتماعية تضع أهداف الحد من الفقر والعدالة الاجتماعية والمساواة في صلب عملية الإصلاح.
يشير التقرير الى أن متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك هي في أقصاه في بيروت (أكثر من واحد ونصف مرة ضعف المتوسط الوطني) وأدناه في الشمال (ثلاثة أرباع المتوسط الوطني، وفي محافظات الشمال، الجنوب وعكار يقل نصيب الفرد من الاستهلاك الحقيقي عن المتوسط الوطني، إلا أن معظم اللبنانيين يستهلكون أقل من المتوسط، فنفقات الاستهلاك لنصف اللبنانيين يقترب من 20% من متوسط الاستهلاك.
أما مقياس الرفاه المستخدم في هذه الدراسة هو استهلاك الأسرة، وخلال الفترة 20042005 بلغ متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك الاسمي السنوي 3.975 ليرة (نحو 2.650 دولارا) وعند أخذ فروق الأسعار بين المناطق في الاعتبار ينخفض نصيب الفرد من الاستهلاك الحقيقي السنوي قليلاً أي بنسبة 1% الى 3.935 ليرة.
وبحسب التقرير، يتسم توزيع الانفاق بين السكان باللامساواة، فنحو 92% من اجمالي الاستهلاك في لبنان يمكن أن يعزى الى اللامساواة داخل المحافظات، و8% فقط يرجع الى اللامساواة بين المحافظات.
وإذ يلفت التقرير الى أن الشمال فيه أدنى نصيب للفرد من الانفاق، إلا أنه أكبر لا مساواة بالمقارنة مع المحافظات الأخرى، فيما تأتي النبطية في المرتبة الثالثة عند ترتيب المحافظات ترتيباً تنازلياً حسب نصيب الفرد من الاستهلاك، ورغم ذلك فإن بها أدنى لامساواة.
ويوضح التقرير الى أن نحو 8% من سكان لبنان في العام 2005، قد عاشوا تحت ظروف الفقر المدقع، أي 300 ألف نسمة في لبنان لا يستطيعون تلبية حاجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، ويعادل مكافئ الدولار لخط الفقر الأدنى (عند التحول باستخدام سعر الصرف الرسمي الحالي) 2.4 دولار لليوم الواحد في اليوم الواحد، أما في ما يتعلق باصطلاح خط الفقر الأعلى الذي يستخدمه البنك الدولي، فإن مؤشر نسبة الفقر العام يصل الى 28.5% (حيث يشمل مليون نسمة من اللبنانيين، وبالتالي تقع مستويات استهلاك 20.5% من السكان اللبنانيين بين خطي الفقر الأدنى والأعلى، وبناء على سعر الصرف الحالي، يترجم خط الفقر الأعلى الى نحو 4 دولارات للفرد الواحد في اليوم الواحد.
ويشير التقرير إلى أن محافظتي جبل لبنان والشمال، قد شهدتا انخفاضاً نسبياً في متوسط نصيب الفرد من الإنفاق (بالمقارنة مع المتوسط العام) منذ عام 1997 حتى 2004 ـ 2005. ولكن الانخفاض كان أكبر بكثير بالنسبة للشمال (من 0.8 إلى 0.6). وبالتالي، فإن الشمال شهدت تدهوراً كبيراً في ترتيبها حسب نصيب الفرد من الإنفاق (من المرتبة الثالثة في عام 1997 إلى الأدنى مستوى في 2004 ـ 2005).
أما محافظات بيروت، والجنوب، والبقاع، فقد سجلت تحسناً كبيراً في متوسط نصيب الفرد من الإنفاق بالنسبة لبقية المحافظات.
وتشير بيانات الحسابات القومية إلى أن نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص الحقيقي كان ينمو بنسبة 2.75% سنوياً منذ عام 1997. وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أن توزيع هذا النمو في جميع أنحاء المحافظات كان متفاوتاً جداً. حيث شهدت بيروت أعلى معدل نمو في نصيب الفرد من الاستهلاك (5% سنوياً). وهذا ليس مستغرباً بالنظر إلى ضخامة الاستثمارات وخلق فرص العمل التي وقعت في المدينة على مدى العقد التالي لعام 1997. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معدلات النمو في محافظات النبطية، والبقاع والجنوب سجلت معدلات أعلى من متوسط النمو في الإنفاق الاستهلاكي (نحو 4%). ولكن، لم يكن هذا هو الحال بالنسبة للشمال، والتي شهدت نمواً ضئيلاً في النفقات (0.14% فقط).
ويرى التقرير أن التطورات الاقتصادية والمالية منذ عام 2003 شكلتها تغيّرات كبيرة في الساحة السياسية. لقد تراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي منذ عام 2004. وفي عام 2005 انخفض إلى 1%، ووفقاً لبعض التقارير فإن حرب تموز/يوليو قد أحدثت انخفاضاً قدره 11% في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2006، والذي تراجع من معدل نمو متوقع 6% إلى معدل نمو 5%. وبغض النظر عن نتائج مؤتمر باريس الثالث، فإن السلطات أيضاً تتوقع أن يكون عام 2007 عاماً صعباً جداً. وجرى خفض النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 من 4% إلى 1%. وقد أثرت هذه التغيّرات بلا شك في معدلات الفقر في البلاد".
ويعتبر التقرير أن الافتقار إلى مقارنة بين دراسات مسح الأسرة بين عامي 1997 و2004 ـ 2005 لا تسمح بإجراء تقديرات دقيقة للتغيّرات في استهلاك الأسر.
ويقدر أن مؤشر نسبة الفقر المدقع قد انخفض من 10% في عام 1997 إلى 8% الفترة 2004 ـ 2005، ويرجع ذلك إلى النمو الحقيقي في متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك وبالمثل، من المتوقع أن يكون الفقر المدقع قد ازداد بما يقرب من 5% منذ عام 2004 (ليصل إلى 8.4% في عام 2007) ويرجع ذلك أساساً إلى الأثر الإنكماشي لحرب حرب تموز/يوليو 2006 على نصيب الفرد من الاستهلاك في الأسرة، والذي يفترض انه هبط تمشياً مع تباطؤ النمو في الأداء.
ويلفت التقرير إلى إن تكلفة سد متوسط فجوة الفقر للفقر المدقع تكلفة منخفضة، ويقدر أن ذلك سيكلف فقط 12 دولاراً أميركياً سنوياً لكل لبناني مقيم لرفع جميع الأفراد من أصل الفقر المدقع. أما سدّ متوسط فجوة الفقر لجميع الأسر تحت خط الفقر الأعلى، فسوف يكون أكثر تكلفة إلى حد كبير، حيث تقدّر التكلفة بمبلغ 116دولاراً أميركياً سنوياً لكل لبناني مقيم).
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.