فيما تواصل أسعار النفط العالمية تصاعدها، تبدو أزمة الكهرباء في لبنان انعكاساً لهذا الارتفاع المجنون للأسعار الناتج بدوره عن الأزمات السياسية العالمية، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، في وقت قال وزير المال جهاد أزعور إنه يتعرض لحملة شخصية عليه وعلى وزارة المال، فيما هدف الحملة هو التمويه عن العجز المالي في مؤسسة كهرباء لبنان.
وكان رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، عقد اجتماعاً في السرايا الكبيرة، لمناقشة قضية الكهرباء المستجدة، حضره وزير الأشغال العامة والنقل وزير الطاقة بالوكالة محمد الصفدي ووزير المال جهاد أزعور ورئيس مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك وعدد من المستشارين.
وجرى خلال الاجتماع بحث تناول انتظام امدادات الفيول الى مؤسسة كهرباء لبنان، وسبل زيادة فترات التغذية بالتيار الكهربائي، والمراحل التي قطعتها المؤسسة في اصلاح الأعطال الناتجة عن تأثيرات ارتفاع حرارة الطقس والرطوبة.
وترجم الاجتماع أمس على الفور، مع حصول باخرة محملة بمادة المازوت مرابطة قبالة معمل الزهراني، على إذن بتفريغ 25 ألف طن من حمولتها في المعمل المذكور، والمتبقي من الحمولة في معمل دير عمار.
وبعد الاجتماع، طمأن الوزير أزعور"أن لا انقطاع للتيار ولا تعتيم. صحيح ان المشكلة المالية لكهرباء لبنان كبيرة جدا وعبؤها هو على المواطن، لأنه هو الذي يدفع هذه الكلفة اي تقريبا 3 ملايين دولار في اليوم، يعني في الشهر نحو 90 أو 100 مليون دولار، لكن الدولة اتخذت احتياطاتها وإجراءاتها لتأمين الفيول والغاز أويل".
وأعلن أن "كيف سنكمل المشوار الاصلاحي الذي بدأنا به" كان عنوان الاجتماع، وكان هناك أكثر من 10 نقاط قيد البحث لمعالجة انقطاع الكهرباء، وقد اتخذ المجتمعون عدة قرارات ومن ذلك إصلاح المنشآت والخزانات".
وعن التقنين، قال أزعور "عندنا بعض خطوط النقل لـ220 كنا موعودين كحكومة بأن تنتهي في أيار (مايو) 2006، وإذ بها ستبقى حتى أيار (مايو) 2008. وهناك في عملية التوزيع والفوترة 45 في المئة هدر، اي كل كيلواط ينتج يذهب منه 45 في المئة اما بسبب الشبكات او عدم الدفع او التعليق".
وفي اتصال مع "المستقبل"، نفى الوزير أزعور أن تكون مشكلة الكهرباء القائمة اليوم ذات بعد سياسي أو أنها تتعلق بأسعار مشتقات النفط العالمية، وقال إن الموضوع متعلق بتمويه المؤسسة للعجز المقدر سنويا بأكثر من مليار دولار.
ولفت إلى أن المؤسسة تتكبد خسائر يوميا بما يعادل 3 ملايين دولار، وقال إن فتح الاعتمادات المالية لبواخر الوقود لم يتوقف أبدا، فكل أسبوع هناك فتح اعتمادات، إلا أن المشكلة في إدارة قطاع الطاقة في لبنان، إذ ان المشكلة الأساسية في هذا القطاع هي أن 45 في المئة من الطاقة المنتجة لا تُجبى.
وقال إن ارتفاع أسعار النفط لا يسبب عجزا، لأن قبل ارتفاع الأسعار كان العجز موجودا ويقدر بين 300 و400 مليون دولار منذ عدة سنوات، وهذا ناتج من عدم قدرة المؤسسة على إدارة القطاع بطريقة جيدة.
وبالنسبة للاعتمادات، أفاد أزعور أن الحكومة ملتزمة بتأمين كفالة للاعتمادات، وان الدولة مضطرة لتأمين الكهرباء للناس، والموضوع الحالي في الأزمة موضوع إداري وتشغيلي.
بدوره، أكد وزير الطاقة والمياه بالوكالة محمد الصفدي لـ" المستقبل" حرص الحكومة على تأمين التيار الكهربائي في شتى الظروف، مؤكدا عدم وجود أزمة كهرباء بالرغم من المشاكل التي تعانيها مؤسسة كهرباء لبنان.
وقال "لو كان هناك أزمة جدية، أو انقطاع في الكهرباء، أنا سأكون أول من يخرج إلى الإعلام ويعلن هذه الأزمة"، مشيرا إلى تسريبات إعلامية غير معلومة الأهداف والخلفيات، مؤكدا أن وزارة المال تفتح كل الاعتمادات المطلوبة.
وقال مراسل "المستقبل" في صيدا رأفت نعيم، نقلاً عن مصدر في معمل الزهراني، إن اتصالات جرت على أكثر من مستوى مع الجهات المعنية في الوزارة المختصة، أثمرت عن حلحلة لمشكلة الاعتمادات المخصصة لبواخر النفط، وعملياً ستعيد كميات المازوت المفرغة معمل الزهراني الى طاقته القصوى.
وإزاء الوضع المستجد في الكهرباء، توقفت مصادر حكومية، حول أزمة القطاع والحملة التي تواكبها إعلامياً، ورأت "أنها تدار من قبل غرف سياسية بهدف خلق البلبلة وزيادة الضغوط والاعباء على المواطنين"، وقالت "إن الايحاء من قبل بعض الجهات، أن لبنان معرّض للظلمة بسبب نقص الاعتمادات لشراء الفيول غير صحيح على الاطلاق، وهي من نسج جهات سياسية باتت معروفة، وليست خافية على احد اهدافها. فالاعتمادات المالية سيصار الى تأمينها بالرغم من كل الصعوبات التي تكتنف ذلك، ولا خوف من الظلام لكن الخوف هو من غياب أي حسّ بالمسؤولية لدى بعض الجهات بأمن المواطن، والتي لا تميز بين الاختلاف السياسي وأمن المواطنين".
ولفتت المصادر الحكومية الرأي العام، الى أنه "لن يكون هناك ظلام في لبنان لا سمح الله، إلا في بعض العقول والنيات والاهداف".
وتبدي مصادر في مؤسسة الكهرباء استياءها من التعامل مع أزمة نقص مادتي الفيول والديزل أويل، واللتين تتسببان في أزمة الكهرباء الراهنة، مع وصول انتاج المعامل الكلي الى نحو 1100 ميغاوات يحتاجها لبنان فوقها 850 ميغاوات لتتأمن الكهرباء بشكل طبيعي.
ويعمل الآن معمل الزهراني بنصف طاقته أي نحو 210 ميغاوات وبشكل مماثل معمل دير عمار حيث مادة المازوت في خزاناته لا تكفي أكثر من ثلاثة أيام، ومعمل دير عمار لا يعمل بأكثر من نصف طاقته والمقدرة بنحو 200 ميغاوات ومادة المازوت فيه لا تكفي أكثر من 5 أيام، فيما استبعد معمل بعلبك من الانتاج (70 ميغاوات) علماً أنه يوجد مازوت كاف لمدة 7 أيام، ومعمل صور ينتج الآن نحو 70 ميغاوات ومادة المازوت فيه تكفي مدة 4 أيام، أما معمل الجية فتعمل فيه 4 وحدات من أصل 5 وتنتج نحو 200 ميغاوات من أصل 270 ميغاوات، وتستجر مادة الفيول إليه من مستودعات الزوق، الذي ينتج الآن 220 من أصل 647 ميغاوات ومادة الفيول أويل تكفيه 15 يوماً، وبالإضافة الى ذلك يستجر لبنان نحو 140 ميغاوات من سوريا بموجب الاتفاق مع لبنان.
وتلفت هذه المصادر الى أن المؤسسة قد جبت خلال العام 2006 نحو 900 مليار ليرة، رغم الأحداث التي ألمت بالبلد ومنها العدوان الإسرائيلي في تموز (يوليو)، إلا أن النفقات زادت بسبب ارتفاع أسعار النفط والأعطال يقدران بنحو1.8 مليار ليرة.
وبحسب المصادر عينها، فإن عقود شراء النفط وقرار تحديد بيع الكيلووات ساعة للكهرباء هو بيد الدولة، وبالتالي لا يمكن للمؤسسة أن تمتص ارتفاع الأسعار من خلال رفع التعرفة إلا بقرار حكومي، وهو ما يعني عملياً الاستمرار في العجز.
أما رئيس لجنة الطاقة والمياه والأشغال النيابية النائب محمد قباني، فيقول "في الأصل هناك مشكلات تقنية وفنية في معامل الانتاج الكهربائي التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، بالإضافة الى العجز المالي الدائم لدى المؤسسة، وعدم فتح الاعتماد بالسرعة المطلوبة، هو لامتصاص العجز، الذي قد ينتج من جراء ذلك".
ويضيف قائلاً "حتى لو تأمن الفيول والديزل أويل مئة بالمئة، فلن تستطيع المؤسسة تأمين التغذية بهذه النسبة، فالأعطال والمشكلات المتعلقة بالشبكة والمعامل وصيانتها، تحول عملياً وتقنياً دون تحقيق هذه الأمنية".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.