8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

6 آلاف مؤسسة تجارية تعيل 25 ألف عائلة

يحلو لبعضهم من سياسي مدينة طرابلس، رفع شعار "طرابلس عنوان الحرمان"، ومؤخراً "المدينة الميتة اقتصادياً"، متجاهلين في المقابل سياسة رفع الحرمان والانماء المتوازن بين كل المناطق اللبنانية، والذي دأبت عليه حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستتباعاً حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وقد خصص أكثر من مؤتمر في السرايا الكبيرة لهذا الغرض، ومنها "مؤتمر إنماء طرابلس".
وإذا كان للإقطاع السياسي في المدينة الدور الكبير في إبقاء المدينة، عقوداً من الزمن "حاضنة للحرمان"، فلا ينبغي إغفال فك الكماشة الآخر الذي يطبق بين فترة وأخرى على اقتصادها ونمو مؤسساتها والحؤول دون دخول المشاريع الاستثمارية اليها، وهو تتابع الأحداث الأمنية سواء داخل المدينة أو عند محيطها وكان آخرها حرب مخيم نهر البارد التي طالت اقتصاد الشمال لثلاثة أشهر ونيف وانتهت قبل أسابيع.
ويبدو النظر عبثياً الى العاصمة الثانية، وكأن الحكومة قد تخلت عنها أو تركتها دون اهتمام ورعاية، يكفي أن تكون المشاريع المخصصة للعاصمة الثانية في مجلس الانماء والاعمار تناهز 438 مليون دولار، سواء في قطاع التعليم، أو الصرف الصحي أو الإرث الثقافي، والطرق والأوتوسترادات والبنى التحتية، يضاف عشرات المشاريع سواء تطوير مرفأ طرابلس وسواها للإشارة الى أن طرابلس تمتلك ثقافة للحياة والآتي من المشاريع قريب....،
لكن الأزمات السياسية الكبرى التي تتخبط بها الدولة اللبنانية منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحريري في شباط (فبراير) 2005، مروراً بالإعتصام التخريبي وسط العاصمة التجاري، وصولاً الى مرحلة الاستحقاق الرئاسي الآن، هذه الأزمات بجملتها ينوء عن حملها الاقتصاد الوطني ككل وليس الاقتصاد المناطقي فقط.
ويمكن الآن ملاحظة، أن الشماليين وتحديداً أهالي طرابلس، قد تخطوا الحاجز النفسي الذي نتج عن الوضع الأمني في مخيم النهر البارد، وعاد التسوق يدب في شرايين أسواق العاصمة الثانية، بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر، ووجد تجار المدينة وأصحاب المؤسسات الاقتصادية فيها متنفساً مع التدفق البشري من خارج طرابلس وداخلها خلال موسم عيد الفِطر لشراء حاجاتهم، وهو ما يعبر عن تبديد للمشهد القاتم الذي أحاط بالمدينة ومحيطها خلال تلك الحِقبة، إذ إن الأمن الاقتصادي متلازم مع الأمن السياسي، فيلاحظ مثلاً أن حركة البضائع الواردة والصادرة في مرفأ طرابلس خلال أيار (مايو) الماضي (قبل حرب المخيم) قد انخفضت بنسبة 2.5% فيما زاد هذا الانخفاض في حزيران (يونيو) ليصل الى 28.4%، أي في عز المعارك في المخيم، كما يؤشر المشهد الاقتصادي الذي شهدته أسواق المدينة الى ربحية معقولة استطاع التجار من خلالها تعويض جزء لا يستهان به من الخسائر التي مُنوا بها خلال أحداث الفترة الماضية.
ولكن وبحسب هؤلاء، أحداث "البارد" التي أثرت سلباً في اقتصاد المدينة، فإنها في جانب آخر، قد تبدو أنها تدشن مرحلة جديدة للاعتماد على الأسواق الطرابلسية، بعد أن كان يعج سوق نهر البارد بجميع أنواع السلع والماركات (المهربة والمزورة)، بأسعار زهيدة إذا ما قورنت بمثيلاتها في الأسواق اللبنانية، فلا جمارك ولا رسوم ولا ضرائب ولا رَقابة ولا من يحزنون.
ويشير الى أن زبائن المخيم من المناطق اللبنانية المجاورة، اتجهوا بعد انقشاع غبار المعركة نحو أسواق طرابلس وخصوصاً الشعبية منها، أي نحو سوق باب التبانة الأكثر رخصاً بينها.
وتلفت مصادر تجارية في المخيم، أن مخيم نهر البارد كان يضم نحو 200 مؤسسة كبيرة، ومئات من المحال التجارية الصغرى والمتوسطة.
لكن وعلى الرغم من هذه "التفاؤلية" التي ترتسم على وجوه أصحاب المحال والمؤسسات التجارية شمالاً، إلا أنه يجب عدم إعطائها مساحة غير واقعية أو حجماً مضاعفاً، إذ تبقى الأزمة السياسية وعدم حدوث أي انفراج في معضلة التوافق على رئيس للجمهورية، عقبةً تحول دون تحريك الدورة الاقتصادية كما ينبغي.
وتوجد في الشمال نحو 18 ألف مؤسسة تجارية، منها 6 آلاف في طرابلس، تعتاش منها 25 الف عائلة، تساوي 15% من مجمل حركة التجارة في لبنان، فيما لا تصل نسبة النشاط الاقتصادي الى 50%، وتراجعها في الأشهر الأربعة الأخيرة يعد كارثة للتجار وأصحاب المؤسسات والمطاعم والمقاهي.
ويقول رئيس جمعية تجار طرابلس فواز الحلوة "حرب المئة يوم (المخيم) كانت من أصعب الأيام على اقتصاد المدينة، منطقة بأكملها مثل عكار لم يستطع أهلها الوصول الى أسواقنا، والانكماش وصل الى نسبة 60%"، ويضيف "بعد انتهاء الحرب كانت هناك حركة لافتة في الأسواق، وخصوصاً في العشر الأواخر من رمضان، الآن يعود السوق الى طبيعتها لما قبل حرب المخيم، وطبعاً ستزيد حركتها خلال فترة الأعياد المقبلة (الأضحى الميلاد ورأس السنة)، لكن أسواق طرابلس تتأثر بالاغتيالات السياسية، بالاعتصام، بالاستحقاق الرئاسي، تعكس الأزمة السياسية أزمة في اقتصاده المنهار، فالناس في مثل هذه الحالات تلجأ الى الإدخار، تحسباً للمقبل من الأيام والمفاجآت التي قد تحملها، فيما تجمد المشاريع الاستثمارية لأن الاستثمار بطبيعته جبان".
ويشير الى أن "الأقساط المدرسية التي ارتفعت هذا العام، وغلاء الأسعار وخصوصاً للبضاعة المستوردة من أوروبا، أضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، فما كان يشتريه بـ700 ألف ليرة، أصبح بحاجة الى مليون ليرة لشراء نفس الحاجات، وهذا نوع من التضخم الذي من شأنه إضعاف الدورة الاقتصادية".
ويرى الحلوة "أن التجار هم ركيزة الاقتصاد وعموده الفقري، إلا أنهم الآن مصابون بالخوف، وهم يطالبون التعامل معهم بواقعية لجهة إعطائهم فترة سماح لدفع متوجباتهم المالية وإلغاء غرامات التأخير على جميع الضرائب والرسوم وتقسيط الديون".
ويسأل مطالباً "بإدراج قطاع التجارة بمشروع قروض "كفالات" مثل سائر القطاعات الأخرى، لتحسين المناخ الاستثماري"، ودعا الدولة الى "إعفاء التجار من الرسوم على الفائدة المصرفية للمدخرات التي لا يتجاوز ريعها السنوي 12 مليون ليرة، والإسراع بدفع التعويضات على المتضررين منذ أحداث تموز (يوليو) 2006، مروراً بالأضرار الناجمة عن العبوات الناسفة وأحداث طرابلس والشمال 2007".
وفي سوقي الكندرجية والبازركان، أشهر الأسواق الشعبية الداخلية، بخلاف أسواق عزمي وقاديشا ونديم الجسر والثقافة، المخصصة بالطبقات ذات الدخل المتوسط والمرتفع، تبدو الصورة "باهتة" فحركة الأقدام تقتصر على المارة لا على المتسوقين الذين حولوا هذه الأسواق الى ما يشبه "يوم الحشر" قبل أسبوع من عيد الفطر.
ويلفت بعض التجار الى أنه خلال الأيام العشرة الأخيرة، التي تلت وقف القتال في مخيم النهر البارد، شاهدوا حركة في الأسواق لم يشاهدوها منذ 4 أو 5 سنوات "وهذا أمر طبيعي، لماذا؟، لأن الناس أي المستهلكين كان قد مر عليهم ثلاثة أشهر لم يتبضعوا خلالها، وعامل الارتياح النفسي هو الذي شجع على تلك الحركة".
إلا أنهم نبهوا الى أنه "لا يمكن الركون والاعتماد الى هذه الحركة الظرفية، كمقياس للنشاط الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، فإن الحلويات الشرقية قد شهدت ركوداً خلال فترة الأحداث، ما لبثت أن عاودت انطلاقتها، فالحركة تبقى محلية ولا نستند فيها على أي مستهلك أجنبي أو زائر غريب".
وبحسب أحد التجار المخضرمين، فإن "حركة التجارة في طرابلس مقسمة إلى مرحلتين: الأولى شهر رمضان وعيد الفطر، والثانية شهر كانون الأول (عيدا الميلاد ورأس السنة) موسم الأعياد.
إلا أن الوضع الاقتصادي في الشمال لا يمكن النهوض به من خلال أهله فقط، بل كان يعتمد على المغتربين والسياح".
وبحسب أحد المحللين الاقتصاديين في طرابلس "من حيث المبدأ لا يمكن الركون الى أي رقم من الأرقام، التي تتحدث عن الركود والانكماش الاقتصادي، لأنها غير متوفرة، ولم يقم أحد بإجراء أي احصاء ميداني بهذا الصدد".
وعلى الرغم من ذلك، تفيد تقديرات غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في طرابلس والشمال، الى أنه ومن خلال مقاربة تتعلق بالأشهر الأربعة الأخيرة، عن تراجع حركة التصدير بنحو 40% من لبنان الشمالي"، كما أنه تم اقفال عدد كبير من المؤسسات وتسريح عمالها، وتراجعت حركة المرفأ في طرابلس، كما توقفت حركة الترانزيت، وزادت مشكلات القروض المصرفية بشكل مضطرد، كما يلاحظ أن هناك تراجعاً في نسبة قروض كفالات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي هي أصل الأقل في الشمال، بالإضافة الى وجود هجرة كثيفة للشباب الشمالي نحو الخارج.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00