تعددت "قطارات الحل" في ما يخص قطاع الكهرباء، إلا أن "السكك السياسية" لا تبدو حتى الساعة إنسيابية بسهولة، وليس أدل على ذلك من تعثر الحلول في إخراج القطاع من محنته، وهو ما يتجلى في أزمات متعاقبة بعناوين مختلفة، إدارية ومالية وسياسية بامتياز، ولم تألُ الحكومات المتعاقبة جهداً في معالجتها، بيد أن المعوقات والتدخلات السياسية وتحويل هذا الملف الى مادة تجاذب سياسي، كان يعيده وهو المثقل بالعجز المالي الى نقطة الصفر.
لكن سياسة التحدي التي اتبعتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كما حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لوضع حدٍ لتدهور هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي فرضت مزيداً من الاندفاع باتجاه استكمال خارطة الطريق لتطوير القطاع، وتفعيل آلية عمله وقدراته الانتاجية والتشغيلية.
وعلى هذا الأساس إنطلقت ورشة العمل في مشروع مركز التحكم في الشبكة الكهربائية اللبنانية (Lebanese Electric Network Control Center/LENCC)، والذي يوضع في خانة أهم المشاريع المتعلقة بقطاع الكهرباء، في 13 تشرين الأول (أوكتوبر) 2006، وينتظر إنجازه في خريف العام 2008، وينفذه مجلس الإنماء والإعمار عبر شركة AREVA T&D الفرنسية.
ويشير الاستشاري في قطاع الكهرباء في مجلس الإنماء والإعمار والعضو السابق في مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان (الباحث) محمد عكاوي، الى أن الحديث عن مركز التحكم بدأ في العام 1995، مع شركة كهرباء فرنسا، لتطرح المناقصة في العام 1997، ثم فضت العروض في الأول من آب (أغسطس) 1998، إلا أن الموضوع برمته فشل لأسباب سياسية وإدارية، وبعد فشل محاولة التلزيم في الأول من شباط (فبراير) 2000، اضطر البنك الدولي لسحب القرض المخصص لهذا الغرض، واشترط أن يكون تنفيذ في المشروع عبر مجلس الإنماء والإعمار، وعاد ليشترط مجدداً في آب (أغسطس) 2002، تحديث دفتر الشروط.
وقد طرحت المناقصة بعد التحديث في تشرين الأول (أوكتوبر) 2003، لتفوز بها شركة أريفا (AREVA T&D) الفرنسية في شباط (فبراير) 2004، إلا أنه بسبب الأوضاع السياسية لم يبدأ العمل حتى تشرين الأول (أوكتوبر) الماضي.
ويوضح أن المشروع ممول من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بواسطة قرض قيمته 23 مليون دولار، إضافة الى بعض النفقات التي تقع على عاتق مجلس الإنماء والإعمار وهي بقيمة تقدر بين 100 و150 ألف دولار، مخصصة للأشغال المدنية والتي لا يغطيها القرض المذكور، أما الاستشاري فهو Parsons Brinckerhoff International، وينتظر إنجاز المشروع في خريف عام 2008.
ويلفت الى أن أهمية المشروع هي في قدرته على ضبط الهدر الفني بين 6و8%، وهو ما يعني توفير نحو 75 مليون دولار سنوياً، وكذلك في عملية وصل الشبكة اللبنانية بشبكة الربط السباعي للدول العربية، والتحكم بعمليتي الانتاج والنقل في معامل توليد الطاقة، أما لجهة ضبط السرقات أو ما يعرف بالهدر غير الفني، فالمسألة تتعلق بوضع عدادات الكترونية، ويعتبر المشروع مقدمة مهمة في أي عملية تخصيص لهذا القطاع مستقبلاً.
ويضيف قائلاً " كما سيعمل المشروع على دراسة الأعطال وتأثيراتها في الشبكة، وتأمين سلامة المنشآت، وبالتالي ضمان استمرارية عملها وعدم توقفها قسرياً للتصليح والصيانة، وتحديد إنتاج كل وحدات توليد الطاقة بأفضل الطرق الاقتصادية حيث تكون مجمل تكلفة الفيول بأدنى سعر ممكن".
المشروع: والمشروع من أهم المشاريع الحيوية المتعلقة بقطاع الكهرباء، حيث يجتاز هذا القطاع مرحلة انتقالية من طور مضاعفة إنتاج الطاقة الكهربائية الى طور تطوير وتوسيع شبكة النقل ووصلها بشبكة الربط السباعي للدول العربية، بالإضافة الى تركيا، مما يضع القطاع في مواجهة التحدي الكبير: إيصال الطاقة الكهربائية الى المناطق اللبنانية كافة، بنوعية واعتمادية مرضيتين. وتعاني مؤسسة كهرباء لبنان مشاكل تقنية وذلك من خلال العمل اليومي لإدارة حركة الطاقة وحالات القطع مع وجود مشكلة في ثبات حركة الطاقة على الشبكة (Stability Problem) مما قد يؤدي الى الانهيار الشامل للتغذية الكهربائية (System Blackout).
وصف المشروع: يتضمن المشروع تقديم وتركيب معدات وتجهيزات بما فيها أجهزة تحكم ومراقبة عن بعد، شبكة اتصالات بين مركز التحكم وجميع معامل الإنتاج ومحطات التحويل (بتوتر 400، 220، 150 و66 كيلوفولت)، أجهزة كومبيوتر متطورة ومتخصصة، نموذج متطور للشبكة الكهربائية اللبنانية (معامل، إنتاج، محطات تحويل وخطوط نقل)، أنظمة متطورة للتحاليل الهندسية والحسابية لإدارة حركة الطاقة الكهربائية على الشبكة، برامج للتحكم ولتشغيل المركز، قطع غيار وغيرها من التجهيزات؛ إضافة الى صيانة جميع هذه التجهيزات وتدريب مهندسي مؤسسة كهرباء لبنان على تشغيل مركز التحكم وعلى صيانة التجهيزات وأنظمة البرامج التشغيلية.
أيضاً يهدف هذا المشروع الى تأمين الضرورات التقنية لوصل هذا المركز الذي سوف يشغل ثلاث طوابق في مؤسسة كهرباء لبنان مع كل من: مركز التحكم الكهربائي في سوريا، مركز التحكم البديل الذي سوف ينشأ في المستقبل في منطقة الحرش في بيروت، وأربعة مراكز تحكم محلية يمكن بناؤها في المستقبل في مختلف المناطق اللبنانية.
أهمية المشروع: إن التطور الكبير لمؤسسة كهرباء لبنان يشكل المرتكز الأساسي لأهمية المشروع. فكل من زيادة الإنتاج وتطوير شبكة النقل مع فقدان المرونة في الربط بين القسم القديم (150 و66 ك.ف.) والمستجد منها (220 ك.ف.)، وغياب النموذج الكهربائي للحركة اليومية للطاقة، والتحليل الهندسي السليم لعمل المنشآت، يؤدي الى رفع نسبة الهدر والخسائر التقنية على الشبكة.
وعلى ضوء مشاريع إنشاء معامل ومحطات تحويل متطور وبناء شبكة 220 ك.ف. وربطها بالشبكة القديمة، وتأميناً للمرونة في عمل الشبكة لتخفيف إمكان حدوث أعطال ومشاكل تؤدي الى خسائر اقتصادية لا مبرر لها، فإن مشروع مركز التحكم في الشبكة للكهربائية اللبنانية أضحى ضرورة حتمية للوصول الى مستوى التحكم الأمثل بالشبكة وإدارتها بأقصى فعالية ممكنة. وتتعزز هذه الحتمية بالضرورات التقنية والمتطلبات الميدانية لمشروع الربط الكهربائي السباعي للدول العربية مع تركيا (لبنان، سوريا، الأردن، العراق، مصر، ليبيا، وتركيا) الذي يتولى المجلس (الإنماء والإعمار) حالياً تنفيذه.
فوائد المشروع: إن أهمية بناء هذا المركز تكمن في تطبيق التكنولوجيا الحديثة للتحكم بالشبكة وإدارتها وفي التحكم في إنتاج الطاقة. وهو سيشكل حلقة الوصل الضرورية بين واقع الشبكة الحالي والمستقبل المرجو لها، حيث أن هذا المشروع يضمن تشغيل وإدارة الشبكة بأفضل الطرق الحديثة بالإضافة الى تدريب عناصر المؤسسة على تشغيل مركز التحكم.
ولا تختصر أهمية المشروع على هذه الأمور فحسب، بل تتخطاها لتشمل عناصر عديدة منها:
الحصول على المعلومات التقنية بخصوص الشبكة واستخدامها كقاعدة بيانات لبرامج التحليل والتشغيل.
بناء نموذج (Model) حقيقي للشبكة الكهربائية وطرق ترابطها.
متابعة حركة الطاقة (On-Line Load Flow) وحركة التحويل (Switching) بشكل متواصل وآني.
تأمين الإحصاء اليومي والشهري والسنوي لواقع الطاقة وحركتها.
دراسة الأعطال وتأثيراتها في الشبكة (Contingency Analysis)، وتأمين سلامة المنشآت وبالتالي ضمان استمرارية عملها وعدم توقفها قسرياً للتصليح والصيانة (Security Monitoring and Control).
تخفيف الخسائر الفنية على الشبكة من خلال إدارة الإنتاج وتفعيل تحرك الطاقة وتعويض الطاقة العكسية (Reactive Power Compensation).
الاستفادة من تاريخ تشغيل الشبكة، ودراسة حاضرها، لتوقع المستقبل والتخطيط له.
توقع الحمولات (Load Forecast) على أساس يومي وتحديد مراكز الإنتاج وإدارة النقل على هذا الأساس.
احتساب مجمل حالات القطع والطوارئ بحيث يتم التهيؤ لهذه الحالات، مما يضمن التعامل الإيجابي والفعال معها.
التحكم وبدرجة مثالية في ثبات إنتاج الطاقة (Automatic Generation Control).
الإعداد المسبق لتوزيع الإنتاج وتغيير حركة الإنتاج للمعامل خلال يوم (Unit Commetment/Hydro Scheduling).
تنظيم أوقات وجدولة الصيانة في معامل الإنتاج.
تحديد الاختناقات في الشبكة وسبل معالجتها وذلك لاستخدام القدرة القصوى للشبكة (إنتاجنقل) مما يؤمن الاستفادة من قيمة استثمارات قطاع الكهرباء (Optimal Power Flow).
استخدام القدرة القصوى للشبكة (إنتاجنقل) (Optimal Dispatch) في العمليات المحتملة لشراء أو لبيع الطاقة الكهربائية (Interchange Transaction Scheduling).
تحديد إنتاج كل وحدات توليد الطاقة بأفضل الطرق الاقتصادية حيث تكون مجمل تكلفة الفيول بأدنى سعر ممكن (Economic Dispatch).
تدريب مهندسي مؤسسة كهرباء لبنان على تشغيل مركز التحكم من خلال استعمال نظام متطور وعملي للتحكم (Dispatcher Training Simulator).
مراحل التنفيذ: شارفت مراحل تصميم المشروع على الانتهاء، كذلك فإن جزءاً هاماً من الأعمال المدنية المتعلقة ببناء المركز قد أنجز، وأن شركة AREVA T&D هي بصدد تصنيع أو استيراد التجهيزات والبرامج المعدة للمشروع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.