لا تنفك مسألة الحدود البرية اللبنانيةالسورية المشتركة، مدعاةً للتنافر والتجاذب في آن، منذ نشأة دولة لبنان الكبير في العام 1920، حتى باتت تمثل حالة المزاج السياسي القائم بين البلدين الجارين، إلا أن إقفال الحدود ودائماً من قبل السلطات السورية، وكان آخرها المعابر الشمالية مع بداية حرب مخيم نهرالبارد في 20 أيار (مايو) الماضي، بات يشكل قلقاً عابراً للحدود، وخصوصاً لدى التجار وأصحاب المصالح الاقتصادية من كلا البلدين.
ومن الزاوية التجارية، ومن خلال متابعة مسار التبادل التجاري بين لبنان وسوريا، يظهر أنه منذ العام 1993 ولغاية العام 2004، كان الميزان التجاري هو لمصلحة سوريا، لكن لوحظ أنه منذ 14 شباط (فبراير) 2005 (تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري) وما أعقبها من انسحاب للقوات السورية من لبنان في نيسان (أبريل) من ذلك العام، بدأ ينحسر هذا الميزان لمصلحة التكافؤ بين البلدين، إذ بلغت قيمة ما صدره لبنان الى سوريا حتى أيار (مايو) الماضي 80 مليون دولار، فيما استورد منها بقيمة 84 مليون دولار، أي بفارق 4 ملايين دولار لمصلحة سوريا.
وفي العام 2006 استورد لبنان من سوريا بـ178 مليون دولار، وصدر إليها بـ176 ميلون دولار، أي بفارق مليوني دولار لمصلحة سوريا. في العام 2005 استورد لبنان من سوريا ما قيمته 196 مليون دولار وصدر إليها بقيمة 187 مليون، أي بفارق 9 ملايين دولار لمصلحة سوريا.
وبالعودة لتاريخ تطور التبادل التجاري بين لبنان وسوريا خلال الحقبة الممتدة بين الأعوام 1993 و1999، فقد شهدت الصادرات اللبنانية الى سوريا تقلبات، بحيث لم تتبع نمطاً تصاعدياً أو تراجعياً ثابتاً، فبعد أن بلغت 52.7 مليون دولار في العام 2003، ارتفعت الى 70.1 مليون دولار في العام 1996، لتعود الى الانخفاض لأدنى مستوياتها في العام 1999، بعد أن بلغت 32.3 مليون دولار، غير أن الصادرات اللبنانية الى سوريا من اجمالي الصادرات اللبنانية تراجعت تدريجياً من 11.66% عام 1993 الى 6.89% عام 1996 (وهو العام الذي شهد أكبر قيمة للصادرات اللبنانية الى سوريا) فالى 4.77% في العام 1999، وعلى الرغم من أن الصادرات اللبنانية الاجمالية عام 1999 شهدت زيادة نسبتها 49.78% مقارنة بالعام 1993 وهو ما يعني تراجع الصادرات الى سوريا بنسبة 38.71%.
أما المستوردات اللبنانية من سوريا خلال الفترة الممتدة من العام 2003 الى 1999، فتراوحت ما بين 223.5 مليون دولار كحد أدنى و325.9 مليون دولار كحد أقصى.
واستمر هذا التبادل التجاري لمصلحة سوريا، منذ العام 2000 ولغاية العام 2004، وفي هذا الاطار تشير الاحصاءات الى أن لبنان استورد في العام 2000 من سوريا بـ427 مليار ليرة وصدر اليها بـ89 مليار ليرة، وفي العام 2001 استورد لبنان من سوريا بـ494 مليار ليرة وصدر اليها بـ53 مليار ليرة، وفي العام 2002 استورد منها بـ312 مليار ليرة وصدر اليها بـ114 مليار ليرة، وفي العام 2003 استورد منها بـ391 مليار ليرة وصدر اليها بـ150 مليار ليرة، واستورد منها خلال العام 2004 بـ361 مليار ليرة وصدر اليها بـ218 مليار ليرة.
ولكن ما لا يدخل في الحسابات التجارية، هو عمليات التهريب "التجاري" بين البلدين (مازوت، دخان ومشروب) والمقدرة بحسب أحد المراقبين بنحو 100 مليون دولار سنوياً، مشيراً الى أنه على الرغم من اقتراب الميزان التجاري من مرحلة التوازن، فإنه سيبقى لمصلحة سوريا، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار مسألة زيارة اللبنانيين الى سوريا، وإنفاقهم وشرائهم لكثير من الحاجات الضرورية (أدوات كهربائية ومنزلية، ملبوسات...)، وهذه لا تدخل في حسابات الميزان التجاري.
وتناقض سياسة إقفال المعابر الحدود من الجانب السوري، ما استنتجته دراسة عن الجدوى الاقتصادية، لتسهيل انسياب التجارة وتبادل البضائع بين لبنان وسوريا والأردن عبر موانئها وأراضيها، يظهر أن الدول الثلاث ستستفيد بقدر كبير من إزالة العوائق الجمركية عبر المنافذ البرية المشتركة بينها والبحرية للدول الثلاث، وستؤدي الى منافع اقتصادية لهذه الدول بحلول العام الجاري (2007 تقدر بنحو 182 مليون دولار، هو 52 مليون دولار في السنة للأردن (29% من اجمالي المنافع) و73 مليون دولار لسوريا (40%) و56 مليون دولار للبنان (31%)، أي أن نسبة توزيع المنافع بين الدول ستكون مرتفعة بعض الشيء بالنسبة لسوريا (10%)، وهذا منطقي حيث أن التبادل للبضائع عبر الدول الثلاث يجب أن يمر عبر سوريا في جميع الحالات. ومن البديهي أن مسألة تسهيل الانسياب التجاري بين البلدين أي فتح الحدود، هو لمصلحة كلا البلدين، مع الحرص على منع عمليات التهريب والتهرب من الكشف على السلع العابرة، وهو ما تحاول الدولة أن تضبطه من خلال تثبيت أجهزة سكانر عملاقة، للكشف عن السلع التي تنقلها الشاحنات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.