ما فتئت الكهرباء الشغل الشاغل للبنانيين، فما يكادون يخرجون من أزمة بعنوان معيّن، حتى يدخلوا أخرى بعنوان آخر، وتبقى مساحة التقنين الشاسعة أرقاً يومياً لكل فئات الشعب اللبناني، ويمكن ملاحظة ذلك من انتشار مولدات الكهرباء الخاصة في الشوارع والأحياء والأزقة كالفطريات، لنشل اللبناني من جحيم التقنين، إذ بات عليه أن يدفع فاتورة الكهرباء مرتين. وخطط الإصلاح لهذا القطاع رافقت كل وزارات الطاقة، وباتت سمة هذه الوزارات، بيد أن جميعها افتقرت الى قرار سياسي واضح وجامع في آن لتأخذ طريقها الى التنفيذ، فإذا كان الحل بالخصخصة فهناك من سيعارضها، واذا كان الحل بإبقائها عامة فإن تدهور الأوضاع في مؤسسة كهرباء لبنان سيزداد سلباً، وعليه فإن اللبناني بخزينته العامة دفع أكثر من 13 مليار دولار على هذا القطاع، ليبقى السؤال الدائم "من يخرجنا من الظلمات الى النور؟".
يقول المدير العام لكهرباء زحلة أسعد نكد "في كانون الأول (ديسمبر) 2005 كنا نشتري من مؤسسة كهرباء لبنان 20 مليون كيلوواط، والشهر الماضي اشترينا 12 مليون كيلوواط، أي بتراجع 40 الى 50% تقريباً، وهذا التدني سببه التقنين المفروض من مؤسسة كهرباء لبنان".
ويضيف قائلاً لـ"المستقبل"، "ما نطلبه اليوم بالنسبة لموضوع الخصخصة، طالما صدر القانون في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، ويقضي بالسماح لوزير الطاقة والمياه إعطاء رخص انتاج لمدة سنة، أن يعطوني رخصة انتاج كي أمد المنطقة التي توجد فيها الشركة 24 ساعة/24".
ويؤكد أن "المواطن اللبناني لن يقف عائقاً أمام الخصخصة إذا كانت تتحلى بالشفافية، وإذا فتح مجال الاستثمار لكل المواطنين اللبنانيين كما يحصل في بلدان العالم، فعندما تتعدد شركات التوزيع والانتاج تحدث منافسة بينها، فتنخفض التكلفة حتماً وتتحسن الخدمة".
ويرى "أن الخصخصة تقضي على التقنين والتعتيم وتلغي الهدر البالغ نحو مليار و200 مليون دولار سنوياً، والمعركة بالنسبة للبنان هي معركة الكهرباء".
ويلفت الى أن المواطنين الموجودين ضمن نطاق استثمار شركة كهرباء زحلة "يدفعون 100%، أي أنه لا يوجد فرد يقول إنه لا يريد دفع فاتورة الكهرباء، المواطن اليوم يدفع فاتورتين: فاتورة المولد الكهربائي الخاص وسعر التعرفة 500 ليرة لكل كيلوواط، وفاتورة الشركة، نحن نريد أن نعطي الكهرباء بتكلفة أقل من التي يدفعونها وبشكل غير منقطع".
ويشير نكد الى أن "منطقة زحلة تغطي تقريباً 300 كيلومتر مربع، ولدينا 41 ألف مشترك و540 محطة، ونغطي ألفي كيلومتر خطوط بين توتر متوسط ومنخفض، نحن نأخذ الطاقة من محطات التحويل الرئيسية التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، أما التمديدات والانشاءات وخطوط التوتر المتوسط والمنخفض والديجونترات والعدادات فنحن نقوم بتركيبها".
ويضيف "الكهرباء تمر اليوم بثلاث مراحل: انتاج، نقل وتوزيع، ونحن اليوم نقوم بعملية التوزيع ونطالب بالحصول على رخصة الانتاج، وأنا مع مبدأ تعددية شركات التوزيع والانتاج كي لا نخرج من احتكار الدولة لندخل في احتكار الأفراد".
ويشرح "في شركة كهرباء زحلة بالنسبة للتوزيع، لدينا أحدث وسائل التكنولوجيا (Geographic information system)GIS ، أي أن كل الشبكة الموجودة بنطاق استثمار الشركة واردة على الكومبيوتر، وكل فرد يريد تقديم طلب اشتراك أو غيره نعرف مكان تواجده، وإذا دفع الرسوم فخلال 24 ساعة يكون العداد راكباً".
ويضيف "نحن نصدر فواتير شهرية، وتبلغ نسبة الجباية 99%، لأن المواطن يستطيع مراقبة فاتورته، ويستطيع أن يرى الـINDEX على العداد للتأكد من صحة الأمور، ولدينا أيضاً system GPRS أي أننا نستطيع مراقبة كل سيارة لنا من خلال آلة وضعناها في السيارات، ونستطيع مشاهدة السيارات على شاشة الكومبيوتر، فإذا حدث عطل في مكان ما نرسل أقرب سيارة الى المكان لإصلاح العطل وصيانته 24 ساعة/24، كما أننا ركبنا عدادات للقراءة عن بعد واسمها (Automatic Meter Reading AMR) أي أنك تستطيع قراءة العدادات وأنت موجود في المكتب بواسطة خطوط النقل PLC، ونقدر على قطع الكهرباء بواسطة خطوط الكهرباء. هذا المشروع اسمه Projet Pilote وأيضاً لديك الـPre paid card، أي أنك تستطيع تشريج العداد كما يتم تشريج الخلوي".
ويؤكد نكد "كل شيء يمكن أن يمشي في البلد شرط عدم التسييس، اليوم هناك 4 ملايين لبناني يسألون إن كان هناك حل لمشكلة الكهرباء، ونحن من جهتنا نقول إن الحل موجود، ويجب في بادئ الأمر أن نقوم بخصخصة شفافة، وأن نحل قضية الانتاج، اذ من المتفق عليه أن تكلفة الانتاج في لبنان عالية، لأن لبنان ليس لديه نفط أو غاز طبيعي، كما أنه لا يستعمل الطاقة الهوائية، ولكن يمكننا خفض هذه التكلفة بنسبة 30 الى 35% عبر استيراد الغاز، ويمكن استعمال الفيول بدلاً من المازوت في معامل انتاج الطاقة لخفض التكلفة، كما يجب تخفيف الهدر على الخطوط وتحسين الجباية".
ويوضح أن "المطلوب ليس فقط القرار السياسي لإصلاح القطاع إنما قرار بقطع الكهرباء على كل من لا يدفع الفاتورة".
وإذ يلفت الى أن مشكلات الكهرباء "آفة" وتعود بجذورها الى 20 سنة مضت، يقول نكد "أنا متفائل، وإذا سمحوا لنا بالانتاج في زحلة واستطعنا مشروع Projet Pilote نكون شركة نموذجية توفر على الدولة ما يقارب من 40 مليون دولار، لأن الدولة تخسر بكل كيلوواط 150 ليرة، ونحن ننتج 400 مليون كيلوواط في السنة في شركة كهرباء زحلة".
ويردف قائلاً "المولدات الكهربائية الخاصة الموجودة في الأحياء، تحدث الضجيج وتلوثاً، كما أنها تعطي فولتاجاً عالياً وسعر التكلفة يتراوح بين 400 و500 ليرة للكيلوواط، نحن اليوم نقول للمواطن إنه سيحصل على كهرباء دائمة بتكلفة أقل، فالمولدات الكهربائية الخاصة تعطي بين 300 و400 ميغاوات خارجة عن نطاق سيطرة الدولة ومؤسسة كهرباء لبنان، فضلاً عن أنها لا تدفع TVA ولا ضريبة دخل ولا توجد فرص عمل، كما أنها تفسد الأدوات الكهربائية في المنازل".
ويدعو نكد الى ضرورة إنشاء معامل توليد كهرباء جديدة "فعملية بناء المعامل في زحلة تحتاج مدة تراوح بين 18و24 شهراً، ونريد أن تكون شركة مساهمة كبيرة مفتوحة أمام جميع المساهمين، لأن تكلفة المشروع تقدر بنحو يقارب 50 مليون دولار، لإنتاج نحو 50 ميغاواط بمواصفات بيئية دولية، لذا يجب أن نعطي الفرصة للشركات الوطنية للانتاج، فهي لن تعطي فرص عمل جديدة فحسب، بل ستعمل على تخفيف الهدر الذي يعانيه هذا القطاع في لبنان كما أنه سيخفض الدين العام".
تجدر الإشارة الى أن شركة كهرباء زحلة أبصرت النور بداية عشرينات القرن الماضي، وبقرار من الدولة اللبنانية تم حصر انتاج الطاقة بمؤسسة كهرباء لبنان، لتتحول كهرباء زحلة من منتج موزع للطاقة الى موزع مستورد بموجب قرار حكومي صدر في العام 1964.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.