تنفي مصادر مقربة من مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، أن يكون للتقنين الذي تتسع رقعته الجغرافية، منذ أكثر من شهرين، أي خلفية سياسية، بل هناك أسباب فنية يأتي في مقدمتها تعثر معمل الجية الحراري، الذي ضربت خزاناته إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان الصيف الماضي، إلا أن المشهد السياسي القائم في البلد زاد من مأسوية هذا القطاع، لتبقى الحلول الموضوعة للإنقاذ رهناً بالتوافق والحوار.
وإذا كان ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، له علاقة مباشرة وقسرية في آن، على وضعية الكهرباء، فإن قراءة أولية للموازنة التي وضعتها مؤسسة الكهرباء للعام الجاري، تظهر أن التكاليف المرتفعة لأسعار المحروقات اللازمة لصالح معامل التوليد التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، ليست وحدها هي ما يقلق مجلس إدارة المؤسسة، فالأوضاع السياسية والأمنية تبدو عاملاً إضافياً يسهم في العجز الحاصل لدى المؤسسة، إذ لا مجال للتطوير والتحديث لمرافق هذه المؤسسة الحيوية (الإدارية والفنية والمالية أيضاً)، فضلاً عن عدم القدرة على كبح جماح التعديات على شبكة الكهرباء، والتي ازدادت بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، إذ لم تعد القوى الأمنية ترافق الجباة لأسباب أمنية بالدرجة الأولى، على الرغم مما حققته المؤسسة من خفض للهدر غير الفني (التعليق) للطاقة الموزعة، إذ كانت نسبة الهدر في العام 2001 مقدرة بـ28.93% لتنخفض حتى الشهر العاشر من العام 2006 الى 19.01%، أما الطاقة المفوترة فارتفعت من 56.07% الى 65.99%.
ورغم ذلك، تظهر موازنة المؤسسة للعام الجاري، عجزاً مقدراً بـ1.214 مليار ليرة، وهو ما تحتاجه المؤسسة فعلياً من سلفة خزينة لتحقيق التوازن المطلوب في الموازنة، والتي بلغ مجموع النفقات فيها 2.622 مليار ليرة.
وواضح أن الفارق بين النفقات والواردات كما هو وارد في فذلكة الموازنة، أنه ناتج بالدرجة الأولى، عن الرقم المقدر لشراء المحروقات والطاقة وهو 1.876 مليار ليرة، أي بزيادة قدرها نحو 67.8% عن العام الماضي اذ بلغت قيمة المشتريات هذه 1.118 مليار ليرة.
وتربط هذه المصادر بين تأزم الوضع السياسي العام والمعوقات التي تخلفها على وضعية المؤسسة، وتقول إن إشارة الإنطلاق لتخصيص المؤسسة، تتطلب أقله في الوقت الراهن، العودة الى الحوار والتوافق السياسي، ليس لصالح هذه المؤسسة لوحدها بالطبع ولكن لجميع المشاريع التي من شأنها إطلاق عجلة التطوير والنهوض بالاقتصاد كما ورد في برنامج الحكومي الإصلاحي وكذلك للاستفادة من الأموال التي منحها مؤتمر باريس3 للحكومة.
وتلفت الى أن الاجتماع الأخير الذي عقد في السرايا الكبيرة برئاسة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، طلب وضع خطة لإنشاء وحدات إنتاجية جديدة (PPI)، يعوض من الخلل الحاصل في الطاقة المنتجة من جراء تلف بعض المعامل، إذ تصل القدرة الإنتاجية الى نحو 1310 ميغاوات فيما المطلوب هو 1850 ميغاوات، وتبين أنه لا بد من إشراك القطاع الخاص في هذا الموضع، وذلك بموجب المادة السابعة من قانون تنظيم قطاع الكهرباء 462، التي عدلت لهذا الغرض في 11 تشرين الثاني 2006، ونصت على ما يلي :"بصورة موقتة، ولمدة سنة واحدة، ولحين تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء واضطلاعها بمهامها، تمنح أذونات وتراخيص الانتاج بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير الطاقة والمياه".
إلا أن تدهور الأوضاع السياسية، لن يسمح بالتأكيد في تنفيذ مشروع تطوير المؤسسة أو رفدها بعناصر قوية جديدة.
وفي موضوع التقنين، تشير الى أن الوضع تحسن منذ 10 أيام، ولم يعد كما كان قبل شهر من الآن، وتورد جملة من الأسباب الفنية لذلك: أن وضع الكهرباء الآن يبقى مرتبطاً بمعمل الجية ففي حال فكت الباخرة التي تغذي المعمل بمادة الفيول (بعد ضرب الخزانات في اعتداءات إسرائيل الصيف الماضي) بسبب عوامل الطقس بالإجمال، فحتماً سيتأثر إنتاج المعمل ويهبط منسوبه من 280 الى نحو 40 ميغاوات.
لقد أخذ قرار بترميم وبناء الخزانات العائدة للمعمل في 14/9/2006، ويقضي بتلزيم شركة بتروجيت المصرية، بهبة مقدمة من الحكومة المصرية بقيمة 9 ملايين دولار و6 ملايين دولار من مؤسسة الكهرباء على أن تستوفى لاحقاً من الهيئة العليا للإغاثة، بيد أن القرار عدّل في 2/11/2007، لتتراجع الهبة المصرية الى 6 ملايين دولار ويتحمل لبنان في المقابل 9 ملايين دولار، وظهر لاحقاً من خلال المفاوضات مع الجانب المصري أن تكلفة بناء وترميم الخزانات هي 30 مليون دولار، لذلك بدأت الدولة اللبنانية باتصالات لتلافي هذه المعوقات، وكان على رأس هذه الاتصالات رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، وقد أبلغنا الجانب المصري أواخر الأسبوع الماضي وتحديداً يوم الجمعة، برفع هبته الى 15 مليون دولار، وسيحضر فريق فني مصري نهاية الأسبوع الجاري لإبرام الاتفاقية مع الدولة وبدء العمل، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة الى أن كل من مؤسسة كهرباء لبنان ومجلس الإنماء والإعمار كانا قد حصلا أوائل شباط (فبراير) الماضي وباهتمام من رئيس المجلس نبيل الجسر، على موافقة الصندوق العربي على تمويل مشروع الخزانات، إلا أنه كما أسلف القول فإن التأخر سببه الهبة المصرية، ونحن سنجتاز هذه المشكلة قريباً.
وتوضح هذه المصادر أن المشكلة الثانية هي في معمل الزوق، والتي تنحصر بالمجموعة الثالثة في هذا المعمل، وتم البحث بصددها في مجلس إدارة الكهرباء، وقد شكلت لجنة لاستقصاء أسعار بين كل الشركات المهتمة، حتى لا يكون التلزيم بالتراضي مع الشركة الصانعة، وحرصاً على الشفافية، تشكلت لجنة برئاسة مدير الانتاج لدراسة العروض، وقد رفعت تقريراً بهذا الشأن الى مجلس الإدارة للوقوف على الموضوع، إلا أن هناك مشكلة أخرى يعانيها الزوق وهو شغور أكثر من 38 مركزاً.
أما المشكلة الثالثة، فهي أنه عندما بدأت شركة كيبكو الكورية المسؤولة عن صيانة وتشغيل معملي دير عمار والزهراني، بصيانة المجموعة الغازية (1TG) في معمل الزهراني في تشرين الثاني 2006، طلبت شراء غلاف داخلي وغرفة اختلاط وحلقات توصيل للمجموعة المذكورة، وكان أن تقدمت الشركتان الصانعتان إنسالدو وسيمنز، وفازت إنسالدو بالصفقة كونها قدمت أسعاراً أدنى، إلا أنه عند وصول القطع المذكورة تبين أنها قديمة، فرفعت كل من كيبكو وإدارة الزهراني تقريراً الى إنسالدو طالبتا فيه منها إرسال قطعة جديدة، وحملاها كل ما ينتج من أضرار تقع على المؤسسة، وفي 19 شباط (فبراير) الماضي، أرسلت إنسالدو القطعة الجديدة ومؤسسة الكهرباء بصدد اتخاذ إجراءات قانونية بهذا الصدد، ونحن نتوقع حل أزمة المجموعة الغازية في الزهراني في غضون 20 يوماً.
وتشير هذه المصادر الى أن المؤسسة في ظل هذه الأمور الفنية الصعبة، لا تزال تستجر كهرباءً من سوريا بما يعادل 140 ميغاوات يومياً عبر خطي ديو نبوح وعنجر، أما تكلفة الكيلووات ساعة فهي تتعلق بسعر برميل النفط عالمياً فتارةً الى صعود وأخرى الى هبوط، ونحن نقول إن السعر هذا لم يتغير منذ بدأنا استجرار الطاقة من سوريا أي منذ أكثر من عشر سنوات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.