تعد سوق برج حمود والدورة من أهم أسواق لبنان، فهي سوق نشأت في ثلاثينيّات القرن الماضي، وتحتل موقعاً مهماً على صعيد التصنيع المحلي والتصدير إلى الخارج، وتشمل مصنوعاتها جميع أنواع الصناعة المعروفة في السوق المحلية، من صناعة الملابس والمجوهرات والأحذية وغيرها كثير. وتنتشر في هذه السوق في الضاحية الشمالية من العاصمة، نحو 2000 مؤسسة تجارية مختلفة ومتنوعة، يعتاش منها نحو 200 ألف شخص، بين رب عمل وعامل وموظف إلا أن السياسة في لبنان، جعلت من دوام الحال أمراً محالاً.
فقد ادى النزول إلى الشارع والأزمة السياسية، إلى تراجع الحركة التجارية في سوق برج حمود، مثل سائر أسواق لبنان الأخرى، وراوحت نسبة التراجع في هذه السوق بين 60و70%، فيما تتوالى حالات إفلاس التجار يوماً بعد يوم، دون إعلانها عند القضاء، ويعزى كثير منها إلى أزمة تعثر التجار في سداد الواجب عليهم للمصارف، بعد تراجع الإنفاق الاستهلاكي، واستمرار وجوب الضرائب والرسوم ودفع رواتب العمال والموظفين، دون أي دخل في المقابل.
ويقول أحد التجار: "إن مصروف التاجر يبدأ منذ لحظة إدخاله المفتاح في باب المؤسسة، فهناك العمال الذين ينتظرون الأجور، ولكن أين الزبائن؟ وعليه نحن ندفع ولكن إلى متى يمكننا الاستمرار على هذا النحو؟".
صحيح أن السائر أو المتسوق في سوق برج حمود والدورة، يشاهد زينة عيدي الميلاد ورأس السنة، إلا أن لا "طاقية إخفاء" يمكنها أن تخبئ أزمة حركة التجارة، فهناك ضعف إقبال على المحال على الرغم من الحسوم وتنزيل الأسعار، ويبدو أصحابها كمن يعدون المارة، يقولون: "إن السائر في برج حمود اليوم، يسير سريعاً وكأنه يمر في الصحراء". ويلفتون إلى أن حركة السوق تراجعت كثيراً هذه المدة، مقارنة بمثيلتها العام الماضي، وأصبح دخلهم هزيلا، ويعيدون الكرَّة: "لا يمكن أن نقارن حركة اليوم بما كانت الحركة العام الماضي". ويوضحون أن الأضرار المباشرة في سوقهم ناتجة من استمرار الأشغال عند جسر الدورة، منذ 8 أشهر، فيما الباقي هو 10 أشهر، إضافة إلى الأزمة السياسية التي تعصف بالبلد، والتي زادت تعقيد وضع الاقتصاد الذي كان يمر بمرحلة صعبة في الأصل.
ويقول رئيس جمعية تجار برج حمود، بول أيانيان: "لا حركة اليوم في سوق برج حمود والدورة، بل جمود مسيطر. فالتجار لم يعد بإمكانهم دفع الإيجار والرسوم والضرائب، بل ان بعضهم بدأ يأكل من لحمه الحي، فيدفع من جيبه أجور الموظفين، ولا يستطيع أن يخفضها، لأن شأن ذلك دفعهم إلى الجرائم والسرقة، وهي ازدادت في الآونة الأخيرة. وخير شاهد عليها المخافر. ويعزى هذا في جملته إلى وضع الاقتصاد الضاغط".
وإذ يؤكد أن التجار باتوا اليوم مستعدين للبيع بسعر التكلفة، حتى لا يقعوا في الإفلاس، يشير أيانيان الى إفلاس شهري بين التجار بالعشرات، إلا أنها حالات غير معلنة.
ويعزو أيانيان ذلك إلى الخلاف القائم اليوم في البلد، بين الأفرقاء السياسيين، وهو خلاف أثر في الاقتصاد والصناعة والزراعة والتجارة أثرا ضارا، ليفاقم الاعتصام وسط بيروت التجاري وضع الاقتصاد. ويقول: "إن وضع الاقتصاد يمر في مرحلة خطرة، فإضافة إلى الخلاف السياسي، هناك تهريب البضاعة من الأسواق المجاورة، وهو يكاد يغرق أسواق لبنان، بالإضافة إلى أن السوق السورية تنافس اللبنانية. كل هذا يؤزم وضع الاقتصاد لدينا، ونسأل الحكومة وأهل الاقتصاد، كيف للتاجر والصناعي والاقتصادي أن يستمر في هذا الجو، وكيف لنا أن نستمر؟".
ويضيف قوله: "السياسة اليوم تسير من سيئ إلى أسوأ، فالمستقبل أصبح غامضاً، ولا ندري إلى أين نسير؟، فالبلد ينهار من نهار إلى نهار، وعلى السياسيين أن ينتبهوا، وأن يعملوا بما يمليه عليه ضميرهم تجاه بلدهم، فرب العمل هو الخاسر الأكبر من أثر هذه السياسة في الاقتصاد".
ويوضح بالقول: "منذ العام 1975، حولوا لبنان إلى غسالة، لتنظيف الوسخ العالمي، إلا أن على الرغم من صغر بلدنا، فقيمته كبيره. نحن لسنا بلد نفط، ولا بلداً منتجاً للمعادن والمواد الأولية، نحن بلد سياحي، إلا أننا ياللأسف نشهد في كل سنة إما حوادث اغتيال أوتفجير أو اجتياحا إسرائيليا، لضرب هذا الموسم الذي يدر على لبنان الكثير، وهذا التخريب الأمني يبعد المستثمرين العرب والأجانب عن الاستثمار في بلدنا".
وختم أيانيان بالقول: "لأن الجسور شرايين حيوية للتواصل في لبنان، ولأن المسؤولين في بلدنا يوحدون الطرق للوصول إلى العاصمة، فليوحدوا قلوبهم للوصول إلى لبنان الحديث".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.