صفر بالمئة هو مستوى الحركة التجارية في سوق البترون، في موسم الأعياد، إلا أن صمود التجار، هو مرحلة ما قبل النزع الأخير، لو استمرت التشنجات السياسة في البلد، دون أي مؤشرات إيجابية لحلحلة الأزمة الراهنة وفك الإعتصام في وسط بيروت التجاري.
وتعد سوق البترون سوقاً ناشئة بالمقارنة مع مثيلاتها المحلية في المناطق اللبنانية، وهي تضم اليوم نحو 500 مؤسسة تجارية. فمنذ 6 سنوات تحديداً، خطت البترون خطى ثابتة، نحو اعادة الاعمار والبناء، وفقا لخطة طموحة وضعها المجلس البلدي برئاسة مرسيلنو الحرك، فرممت الأسواق القديمة بواسطة البنك الدولي، بالتزامن مع نهضة عمرانية واقتصادية، تبعها انتشار كثيف للنوادي والمطاعم والمراقص الليلية (نحو 60)، وارتفعت أعداد الفنادق والمنتجعات السياحية الى أكثر من 5، فيما تحولت أسطح مباني الشارع العام الرئيسي، الى مقاهٍ بعد غياب أي قطعة أرض للاستثمار، أدت الى رفع القيمة العقارية في المدينة من المستوى المتدني الى مستوى قياسي، وهو ما أنعش الحركة الإقتصادية والاستثمارية فيها، بعد توافد الزوار إليها سواء من المناطق اللبنانية أو من الخارج.
إلا أن هذه الصورة المشرقة، أمس، باتت اليوم متكسرة وقاتمة، بفعل تراجع القدرة الشرائية مع تراجع الأوضاع الإقتصادية، التي تشكل انعكاساً سريعاً للأحوال السياسية، الآخذة في التدهور يوماً بعد يوم منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مروراً بأحداث تموز (يوليو) الماضي، وصولاً الى مرحلة النزول الى الشارع.
وبحسب استطلاع أجري مؤخراً حول الإشغال الفندقي بفعل السياح والزوار، فقد شهدت منطقة الشمال (منها منطقة البترون) النسبة الأدنى للإشغال، وبلغت 6%، بعدما كانت 59.2% وخلال الحرب الاسرائيلية الأخيرة 53.2%.
لا قرع للأقدام في سوق البترون، التي تبدو وكأنها تغط في نوم عميق، فيما الأيام أيام أعياد وقرع أجراس، ووحده الضجر يلف المكان، ووحدهم أصحاب المحال التجارية ينتظرون الى ما لا نهاية زبائن ومغتربين، هكذا يقولون "نحن ننتظر المغتربين في هذين اليومين المقبلين، وإلا فإن الكارثة واقعة لا محالة"، ويؤكدون "سنصمد برغم الأوضاع الصعبة، لكننا نأمل بالفرج".
وتحاول جمعية تجار البترون كسر الجمود في سوقها ومطاعمها، من خلال بث إذاعي مباشر لراديو "سكوب" من شارع البترون، يصحبه تقديم جوائز للمتسوقين، كما نشرت الزينة في محيط السوق وداخلها، للإيحاء بأجواء عيدي الميلاد ورأس السنة، وإبعاد الناس عن "تضييع وقتهم في السياسة".
ويقول رئيس جمعية تجار البترون فرح خوري "تراجعت الحركة التجارية في المدينة الى نسبة صفر بالمئة، ولم يعد هناك تجار في السوق بالمعنى الحرفي للكلمة، اليوم هناك أصحاب محال تجارية".
ويضيف "الحديث عن الهجرة أصبح الأكثر رواجاً بين الناس، ومنهم التجار بفعل الأوضاع الصعبة التي يمرون بها، وهم يسألون اليوم ماذا نفعل بأولادنا. هل نتركهم يواجهون مصيرهم في هذا البلد أم نرسلهم الى الخارج، ففي بلدة جران في قضاء البترون هاجر 24 شاباً خلال شهرين، أما في المدينة فلا ندري كم هو العدد؟".
ويشير الى أن التجار "قرفت" السياسة "لا نريد أن نسمع أي فريق، هم عقلهم في غير بلدهم، نحن لا نريد أن نتعاطى السياسة، فمصلحة أولادنا ومستقبلهم هي الأهم بالنسبة إلينا الآن"، ويسأل "أين مساهمة الدولة المالية لتجار البترون، هم يعلمون أن صمودنا في هذه الأيام مكلف، كيف لنا أن نستمر".
واذ يشدد على أنه لا إقفال للمؤسسات التجارية حتى اليوم في سوق البترون، فإنه يعرب عن خوفه في المقابل من "إمكان إقدام التجار على هذه الخطوة، اذا استمر التشنج السياسي دون العودة الى طاولة الحوار"، ويقول "كجمعية تجار نحن نحاول أن نحث الناس والتجار على الصمود، وقد قمنا بأنشطة خلال هذا الموسم، لنشعرهم أنهم في أجواء عيد، بانتظار أن نعرف ماذا يريد السياسيون؟".
وتقول ماري تيريز لويس (موظفة في إحدى المحال التجارية)، "انخفضت الحركة التجارية في سوق البترون أكثر من 70%، وقد حدث هذا التراجع إثر إغتيال وزير الصناعة بيار الجميل، كلما وقعت مشكلة سياسية تجلس الناس في بيوتها، وحده الإطمئنان يعيدهم الى الإستهلاك".
وتضيف "التجار يعيشون ما يشبه الإفلاس، هم لا يعلنون ذلك، إلا أنه يمكن الإستدلال على ذلك من خلال ما يكتبونه على واجهات المحال، المحل مقفل بانتظار تغيير الإدارة. الخوف يتملك الجميع من تأزم الأوضاع السياسية".
أما سالم سالم (صاحب سوبرماركت لبيع الخضر والسمانة) فيقول "التجارة ضعيفة، نحن تجار خضر ومأكولات وقد تراجعت نسبة المبيع أكثر من 35%، هذا في الضروريات، أما الكماليات فلا شيء".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.