يشعر الشماليون بقوة، لا سيما في هذه الأيام، بارتداد الهزة السياسية القائمة اليوم في الشارع. وتتجلى هذه المشاعر في الجمود والركود في اسواق التجارة، وهرب الاستثمار وتوقف المشاريع، وعلى الخصوص في طرابلس العاصمة الثانية، حيث تراجعت حركة التجارة بنسبة قياسية بلغت 90%، على نحو ينذر بأزمة اجتماعية لو استمر التشنج السياسي.
وتوجد في الشمال نحو 18 الف مؤسسة تجارية، منها 6 آلاف في طرابلس، تعتاش منها 18 الف عائلة، باتت امام بدائل احلاها مر: أولاً الاتجاه نحو اقفال عدد لا بأس به من هذه المؤسسات، ثانيا خفض رواتب العمال والاجراء ما لا يقل عن 30%، ثالثاً الصرف وهو النزول فعلاً إلى الشارع.
وإذا كانت حركة التجارة في الشمال تساوي 15% من مجمل حركة التجارة في لبان، فيما لا تبلغ نسبة النشاط الاقتصادي الى 50%، فان تراجعها هذا الشهر يعد كارثة للتجار واصحاب المؤسسات والمطاعم والمقاهي، اذ معلوم ان شهر كانون الاول (ديسمبر) يستأثر بنحو 50% من نشاطهم، لانه شهر الاعياد: الميلاد ورأس السنة، يضاف اليهما هذا العام عيد الأضحى المبارك.
وانطلاقا من هذا التشاؤم الذي بات الاعراب عنه على لسان كل تاجر واقتصادي شمالي، فانهم يؤشرون الى تضخم تشهده سوق الشمال، فقدرة المواطن الشرائية الى تراجع، وأسعار البضائع الى ارتفاع، وهم يصرون على تأكيد قاعدة ارتباط الاقتصاد بالسياسة، على الرغم من قولهم ان اقتصاد الشمال في الاصل "مهزوز ويقف على شوار"، فما سيكون مآله عندما تدفعه الازمة السياسية الى الهاوية؟
يقول عضو غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال ممثل جمعية تجار طرابلس لدى الحكومة عبد الله قرحاني: "لقد شلت الازمة السياسية الاقتصاد في البلد، وفي طرابلس والشمال. وتراجع 90% من حركة التجارة هذا الشهر، الذي هو موسم للتجار لتحسين وضعهم لانه شهر الأعياد".
ويضيف قائلاً: "الوضع الاقتصادي في الشمال في حالة حرجة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتفاقمت الحال مع عدوان إسرائيل، وتضخمت مع النزول الآن الى الشارع، فالاستثمار تراجع بنسب كبيرة، أما السياحة فهي غير موجودة الان، بعدما احجم المغتربون والسياح عن المجيء الى لبنان في هذا الوضع، لقد وقعنا فعلاً في الخسارة".
ويتابع القول: "الوضع الاقتصادي في الشمال لا يمكن النهوض به من خلال اهله فقط، بل كان يعتمد على المغتربين والسياح، فأين هم اليوم؟".
ويقول قرحاني: "سيقع الضرر اللاحق بتجار طرابلس والشمال من الأزمة السياسية الأخيرة، أولاً على المؤسسات والمحال التجارية الصغيرة، لأنها تعتمد على مبيع يومي. ولم تبدأ المؤسسات بإقفال أبوابها، إلا انها سائرة إلى هذا المصير، إذا بقي الوضع السياسي في مراوحة دون حل، ونحن نجدد دعوتنا إلى السياسيين لضرورة العودة إلى طاولة الحوار، حتى لا يقع البلد كله في الخسارة".
ويضيف سائلاً: "كيف لم نقع في الخسارة، وهذا الجمود يسيطر على نشاطنا الاقتصادي، مع استمرار التجار في دفع الضرائب والرسوم، ولتزيد الطين بلة عودة التقنين الكهربائي، الذي يزيد خسارتنا ويضاعفها".
أما عضو جمعية تجار طرابلس ربيع صافي، فيقول: "هذا الشهر من أسوأ أشهر السنة الجارية، إذ يعتمد عليه التجار أساساً لانه شهر الأعياد، وكان يفترض أن يكون حافزاً على التعويض مما خسروه خلال أشهر السنة التي فاتت".
ويضيف قوله: "حركة التجارة في طرابلس مقسمة إلى مرحلتين: الأولى شهر رمضان وعيد الفطر، والثانية شهر كانون الأول (عيدا الميلاد ورأس السنة) موسم الأعياد. ويعد الأضحى استثناء هذا الشهر.
منذ الاعتداء الإسرائيلي في تموز (يوليو) الماضي، والانكماش الاقتصادي في ازدياد متسارع، ليصل إلى مرحلة خطرة، مع قرار النزول إلى الشارع، فالبيع متوقف إلا للضرورة، من مأكل وملبس".
ويتابع صافي القول: "الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، لقد نبهت الهيئات الاقتصادية قبل النزول إلى الشارع، إلى ضرورة تحسس الوضع الاقتصادي قبل النزول، والخوف من إمكان انهياره. ولقد لبّى تجار الشمال وطرابلس هذا النداء على تفاوت، لأن جزءاً من الناس والتجار على وجه الخصوص مسيس للأسف، فلا يلتفتون إلى المشكلات التجارية، ويذهبون في السياسة إلى مداها الأقصى، وهؤلاء الذين نزلوا إلى الشارع لا يدركون خطورة ذلك على الاقتصاد".
ويبدي صافي تخوفه من إمكان اتجاه كثير من مؤسسات التجارة نحو الإقفال، لعدم تمكنها من سداد الواجب المالي عليها، وبالتالي صرف العمال، ويشير إلى أن عدداً من التجار بدأ بتحويل البضائع التي كان طلبها إلى لبنان قبل النزول إلى الشارع، نحو سوق ثالثة عربية أو أجنبية، بعد إدراكهم عدم القدرة على تصريفها في سوق لبنان، نتيجة للوضع السياسي والاقتصادي، وتخوفهم من إضافة خسارة إلى خسارئرهم.
وإذ يوجه صافي نداء استغاثة إلى الساسة لإنقاذ الاقتصاد قبل فوات الأوان، يسأل المعارضة والمعتصمين: "هل تريدون بلداً مزدهر اقتصادياً وسياسياً، أم تريدون بلداً مقاوماً، هل نريد لبنان، كما قال النائب وليد جنبلاط، نموذجاً لاقتصاد هونغ كونغ، أم هانوي، فالهيئات الاقتصادية تريد أن تعرف ماذا يريد الساسة في البلد، لترتيب اقتصادنا الوطني على أساسه".
ويشير عادل سنجقدار، مدير المبيعات في قصر الحلو (عبد الرحمن الحلاب وأولاده)، وهو من كبرى مؤسسات الشمال، إلى المرحلة الخطرة والحرجة التي تمر بها مؤسسات الشمال الكبرى.
ويلفت الى نحو 100 عامل صرفوا من 450 عاملا في المؤسسة، نتيجة تفاقم الازمة السياسية، وتاليا الازمة الاقتصادية.
ويضيف القول: "ان الازمة فرضت نفسها على مؤسسات الاقتصاد والتجارة، مع تراجع حركة البيع والتطوير، وهذا الامر الذي تحول في هذه المؤسسات الى صرف عمال او خفض رواتب لا تقل نسبته عن 30%، وقد نضطر الى اكثر من ذلك، لو استمر الكباش السياسي".
ويوضح سنجقدار: "تمتلك مؤسستنا عدداً لا بأس به من الافرع في مناطق لبنان، وفي العاصمة، الا انه منذ تراكم الازمات السياسية، وآخرها النزول الى الشارع، لا تبيع مؤسستنا في فنادق بيروت ومنتجعاتها، بعدما غاب روادها ونزلاؤها، وانحسرت الأعراس والحفلات انحساراً كبيراً، وهي تعد سوقاً كبيرة لنا، يضاف الى ذلك ان معظم مشاريع التطوير والتحديث في المؤسسة توقفت بفعل الازمة".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.