لم يجد وزير الصحة العامة محمد خليفة، في مؤتمره الصحافي الذي عقده الأسبوع الماضي، مهرباً من الاعتراف بحقيقة المشكلات في النظام الصحي القائم الآن في البلد، وهو قد أسس عليها وطرح خطة للإصلاح في هذا القطاع، ستعرض على مجلس الوزراء في جلسته المقبلة، بعد أن عرض عناوينها العريضة على الحكومة قبل أسبوعين، وطلب إليه التعديل في بعضها.
إذاً إعترف الوزير خليفة بجملة من المشكلات التي تعتري هذا القطاع وعلى رأسها مسألة توحيد آليات العمل في الصناديق الضامنة، لخفض الفاتورة الصحية، وإنشاء نظام صحي سليم، فقد بات معلوماً ضرورة خفض الانفاق الصحي، الذي يشكل 11% من اجمالي الناتج القومي، وهو رقم قياسي بالمقارنة مع حجم لبنان وتعداد سكانه، إلا أنه وبشيء من الغرابة لا يسد الفجوة الرقمية لتدهور القطاع الصحي في هذا البلد، عندما نعلم أن هناك نحو 50% من اللبنانيين ليس لديهم أي تغطية اجتماعية، وتؤمن الدولة التغطية لهم، وهي تتكلف على كل مواطن غير مضمون نحو 90 دولاراً في حين أن المطلوب 140 دولاراً، بفارق 50 دولاراً، بحسب ما أعلنه الوزير خليفة.
واذا كان القطاع الصحي في لبنان مصاب بداء الترهل في معظم مرافقه، فهو دون أدنى شك على وشك الانهيار إن لم تبادر الوزارة المعنية بلملمة هذه المرافق واعادة تصويب سياستها لتفعيل القطاع الصحي، وابراز دوره الحيوي والحياتي على المستويين الوطني والانساني، انطلاقاً من وقف الهدر وصولاً الى تأمين السلامة العامة لكل فرد في هذا البلد.
ولأن سياسة ترشيد الانفاق الصحي، تتطلب وضع الاصبع حيث الجرح والنزف، فإن توحيد السياسة التأمينية في لبنان من خلال توحيد الصناديق الضامنة، (التي تشكل هدراً بشرياً ومادياً مع تعدد اداراتها وأجهزتها والفروق في تكاليفها الاستشفائية لوجود امتيازات قانونية خاصة بكل منها)، يشكل علامة فارقة في مستقبل القطاع اذا ما تحققت أو كتب لها السياسيون أن تتحقق، خصوصاً وأن أي قرار لتصحيح السياسات المعتمدة يتطلب في لبنان تحديداً، توافر الارادة السياسية الواضحة والصريحة للبدء بذلك، وهو ما أكده الوزير خليفة ضرورة إبعاد الملف الصحي عن التسييس، لأنه ملف خدماتي و"ليس ملفاً سياسياً".
ولكن السؤال هل يمكن تحقيق ذلك، وما هي الحلول المقترحة؟
تؤكد مصادر في وزارة الصحة، أن الحلول المقترحة ممكنة وواقعية، شرط توفر الارادة السياسية، واعتماد المراحل في عملية التطبيق، على أن يتزامن ذلك مع تبني خطة تنفيذية لتصحيح مسار كل القطاعات الصحية الاستشفائية والرعائية والقوى الصحية العاملة وسواها، لأن أي خلل في أي منها سينعكس سلباً على الباقي.
ويشير الى أن المراحل المقترحة للحلول، هي:
المرحلة الأولى:
1توحيد آليات العمل للصناديق، مثل توحيد التصنيف المعتمد للمستشفيات الخاصة والعامة، حيث يتوجب، وتنفيذاً لمرسوم الاعتماد، على الصناديق الضامنة بما فيها وزارة الصحة ألا تتعاقد إلا مع المستشفيات المعتمدة مهما كانت الظروف.
2توحيد تعرفات الأعمال والخدمات الاستشفائية على مختلف أنواعها، وتوحيد نظام البدل المقطوع للأعمال الجراحية مستند على بروتوكول طبي لكل عمل، على أن يكون مرتبطاً بالتعرفة المقطوعة.
3توحيد مضمون الاتفاقات مع المستشفيات الخاصة والحكومية بالتعاون والتفاهم مع نقابتي الأطباء ونقابة المستشفيات، وتوحيد آليات الرقابة على المستشفيات لمراقبة تنفيذ هذه الاتفاقات.
4معالجة دور وزارة الصحة في مجال التأمينات الصحية، اذ أن الوزارة لعبت دوراً ليس بدورها وخصوصاً خلال فترة الأحداث الأليمة (19771978)، في تأمين المعالجات الطارئة.
إن تقدم معالجة سياسة التأمينات الصحية، سيدفع الوزارة لأخذ دورها في مجال رعاية السياسة الصحية وتنظيم أسواق الخدمات الاستشفائية والرعائية وسوق الدواء، بالإضافة الى مراقبة الجودة والسلامة العامة ومراقبة حركة الأمراض ومعالجتها.
أن الواقع الحالي للتأمينات الصحية العامة يشكل أساساً جيداً للهدر بالجهد والامكانات، وفي هذا الاطار، يمكن طرح توجهات عدة، لمعالجة هذا الأمر:
التوجه الأول: ويتمثل بانشاء مؤسسة عامة مستقلة، للقيام بأعمال المراقبة على المستشفيات العامة والخاصة، يشارك في ادارتها ممثلين عن كل الصناديق الضامنة، على أن ترتبط حكماً برئاسة الحكومة، وأن توضع لها موازنة تشغيلية خاصة.
التوجه الثاني: تكليف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (كونه أكبر الصناديق العامة الضامنة)، بمهمة المراقبة لجميع المرضى المعالجين في المستشفيات لمختلف الصناديق (إلا أن هذا الحل سيواجه باعتراضات أساسية من باقي الصناديق).
التوجه الثالث: تلزيم أعمال المراقبة الطبية والادارية لمؤسسة محلية أو عالمية متخصصة في هذا النوع من الأعمال.
وتعرب هذه المصادر عن إعتقادها، أن الاقتراح الثالث هو الأفضل، كونه يحرر ادارة الصناديق من هذه المهمة، لتتفرغ للعمل لتحسين مستوى الخدمات وتطوير السياسات خدمة للمضمونين، ولكن اعتماد أياً من هذه الاقتراحات، سيؤدي حكماً الى وفر أكيد في الأداء والنتائج.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.