لا يختلف اثنان على أن الاعتداء الإسرائيلي الذي امتد 33 يوماً، أهلك الزرع والضرع، وجعل التكلفة في جميع قطاعات الإنتاج والاقتصاد والمال عالية جداً، إلا أن لبنان الذي تعود مواجهة التحدي، كفيل بإعادة قطار قطاعات الإنتاج الى سكته الصحيحة.
وقطاع الزراعة واحد من قطاعات الإنتاج التي تضررت بالعدوان الإسرائيلي، على مستوى الإنتاج أو التصريف أو الاستيراد، ولا سيما أن العدوان تركز على منطقتين زراعيتين، هما البقاع والجنوب.
وحتى الساعة، تقدر تكاليف الضرر الذي لحق بالزراعة بأنها كبيرة جداً، وهي بالتأكيد لن تكون بعشرات الألوف بل ملايين الدولارات الأميركية. إلا أن الرقم الدقيق غير ممكن الآن، إذ ان الإحصاء يتطلب مسحاً شاملاً للمساحة الزراعية المتضررة. ويضاف إلى سبب عدم القدرة على التخمين الدقيق هذا، سبب آخر، وهو أن مفعول العدوان لن ينتهي إلا بعد رؤية ما سيؤول إلية وضع المواسم الحاضرة واللاحقة.
إن ما حدث لهذا القطاع لا يمكن تسميته إلا "بالمجزرة الكبرى"، على حد وصف وزير الزراعة طلال الساحلي. وإذا كان المزارعون بدأوا منذ أول أيام وقف العدوان الإسرائيلي، بطلب التعويض، فإن الوزير الساحلي أعلن في اجتماعه مع الجمعيات الزراعية الجمعة الماضي "أن المرحلة الأولى هي لإعداد تقرير شامل عن الضرر في قطاع الزراعة، على أن يتابَع الأمر في مرحلة لاحقة مع رئيس الحكومة للبحث في طريقة تعويض المزارعين".
وعليه فإن هاجس المزارعين يتخطى مسألة التعويض، ماذا لو عوضت الحكومة المزارعين وبقي الحصار قائماً، ليمنع التصدير أو الاستيراد؟
تشير دراسة لمركز المساندة الاقتصادية، إلى أن "بخلاف قطاعات الإنتاج، ومنها قطاع الصناعة، وتبدو خسائرها ظاهرة للعيان، فإن القطاع الزراعي يبدو الأكثر تضرراً وتأثراً الآن وفي المستقبل".
وتؤكد الدراسة "أن الخسائر الكامنة غير المعلنة في القطاع الزراعي، ناجمة من طبيعة هذا القطاع، فإسهامه في الناتج المحلي يقارب 7%، إلا أن اليد العاملة في هذا القطاع غير معينة، لأن أسراً بأكملها تعمل وتعتاش من هذا القطاع، لذا فإن الخسائر ستطال فئات واسعة من المجتمع". وتلفت إلى أن "أن الأعمال العسكرية بمعظمها تدور في مناطق الجنوب والبقاع، التي هي بطبيعتها أراضٍ زراعية، ولذا ندرك عواقب هذا الأمر على اقتصاد هذه المناطق، فمن مواسم كاسدة، إلى أسواق داخلية مقطعة، وأسواق خارجية مغلقة، ناهيك بعدم إمكان العمل على الأرض، ونزوح الأهالي وهروب اليد العاملة الأجيرة".
وتضيف الدراسة: "إن ترابط قطاعات الإنتاج وثيق، وأي ضرر يلحق بأحد هذه القطاعات لا بد من أن يصيب القطاعات الأخرى، ولذا فإن ترابط القطاع الزراعي بالقطاع الصناعي ولا سيما صناعة الغذاء، يعني تحميل خسائر الأول للثاني، مع ما يعنيه الأمر من رفع التكاليف وفقدان المواد الأولية وانغلاق مناطق وضيق الأسواق الداخلية".
وتؤكد الدراسة أن محاصرة إسرائيل لبنان "خلال تموز/يوليو الماضي وآب/أغسطس الجاري، أدت إلى شلل كامل لتصدير الزراعة، ويمكن تقدير الخسائر في هذا المجال لدى المقارنة مع قيمة صادرات المدة نفسها العام 2005، بنحو 20 مليون دولار".
أما خسائر قطاع الدواجن، فكبيرة جداً بسبب قصف إسرائيل الشاحنات وامتناع أصحابها عن المخاطرة بنقل الإنتاج في الداخل وكذلك للتصدير، وهناك نقص كبير في العلف عند هذه المزارع، أما الخسائر المباشرة فإصابة مزرعتين للدواجن بضرر جسيم قاربت قيمته مليون دولار أميركي".
وقال رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك لـ"المستقبل"، إن التقدير الأولي حتى 11 آب/أغسطس الجاري، للضرر الزراعي الناشئ من تلف الإنتاج وتدني السعر، هو:
الخضار الورقية 10 مليارات ليرة، الشمام والبطيخ 12 مليار ليرة، البطاطا 15 مليار ليرة، التبغ 15 مليار ليرة، الحامض والحمضيات 15 مليار ليرة، الإجاص 15 مليار ليرة، والدراق 16 مليار ليرة، والأزهار 10 مليارات ليرة، الشتول 5 مليارات ليرة، الخضار ذات الثمار 32 مليار ليرة.
وأضاف الحويك أن تبقى الضرر المباشر الناتج من قصف المزارع والبساتين ومراكز تربية الأسماك غير محصاة.
وتابع يقول: "تبقى الأضرار الناتجة من وقف ري البساتين وهي غير معروفة الآن بعد، لأنها تؤثر في المواسم اللاحقة والحاضرة".
وأوضح الحويك قائلا: "حتى اليوم لم توضع الأداة اللازمة في مجلس الوزراء، للكشف على الضرر الزراعي وتعيين الهيئة المخولة هذا الكشف".
وناشد الحويك مجلس الوزراء "وضع الأداة اللازمة لتعويض المتضررين"، وسأل: "هل الإحصاء الذي تجريه وزارة الزراعة سيعتمد رسميا لتوزيع المساعدة، إذا أقرت، أم سيكون فقط لتكوين فكرة عن الأضرار"، ودعا الحكومة إلى إعلان موقفها في هذا، ولا سيما أن المزارعين سيزيلون آثار الضرر بعد الإحصاء والإبلاغ بخسائرهم.
وأكد "ضرورة توفير مساعدة مادية للمزارعين الذين تضررت مواسمهم القادمة، من جراء توقف ري مزروعاتهم أو تأخيرهم بتحضير أراضيهم لزرع المواسم الشتوية، سواء أكان بحصولهم على قروض فورية من دون فوائد، يبدأ سدادها بعد سنة، أو بهبات ليستطيعوا متابعة حياتهم اليومية".
وطالب الحكومة "بالحماية لما بقي من إنتاج زراعي لبناني، كيلا تنافسه المنتجات العربية، بإعادة النظر بالجانب الزراعي من اتفاق التيسير العربي وتجميده، بسبب الكارثة التي حلت بالقطاع الزراعي المنكوب وإعادة العمل بالاتفاقات الثنائية".
وفي المقابل، كشف رئيس نقابة مزراعي البقاع وفلاحيه إبراهيم ترشيشي، عن ورقة تتضمن إحصاء تقريبيا عن الكارثة:
1 ـ تلف أكثر من 5 آلاف دونم دخان، و5 آلاف دونم بطيخ، و10 آلاف دونم بطاطا من 35 ألف دونم، و5 آلاف دونم فواكه، و5 آلاف دونم خضار مشكلة، و10 آلاف دونم قمح، و50 طنا حليبا.
2 ـ حرم لبنان من تصدير أكثر من 50 ألف طن منتجات زراعية إلى أسواق الخارج، بسبب قفل الحدود البرية، وحرم من أسواقه وزبائنه في الخارج، الذين انقطع عنهم أكثر من 30 يوماً.
3 ـ قصفت أكثر من 20 شاحنة محملة بالخضار بالإضافة إلى 32 عاملاً قضوا وهم يحاولون جني المحاصيل الزراعية، فغلت أجرة النقل واليد العاملة إلى أكثر من 5 أضعاف، وفقدت المحروقات من السوق وتعرضت مزروعات كثيرة للتلف من عدم تمكن أصحابها من ريها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.