دقت اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا "اسكوا" في دورتها الوزارية الرابعة والعشرين التي عقدتها في بيروت، ناقوس الخطر، في شأن بطالة الشباب، إذ رأت أن نسبة الفقر في المنطقة العربية لم يطرأ عليها تغير كبير بين عامي 1990 و2000، إذ تبلغ 16%، فيما قدرت نسبة البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (أي البلاد العربية في مفردات الأمم المتحدة) بنحو 13%، وهي من أعلى النسب في العالم. وبالنظر إلى السن يتضح أن فئات العمر من 15 إلى 29 سنة، تعاني من أعلى نسب للبطالة في الدول العربية، إذ تراوح بين 18% و30% من مجموع العاطلين من العمل.
وفي هذا الإطار، طرحت "اسكوا" دراسة في الموضوع على جدول أعمالها، ترمي إلى معالجة مشكلة تشغيل الشبان في المنطقة العربية، بتشخيص المشكلة وعرض أهم أسبابها وسماتها. وتلقي الدراسة الضوء على بعض المبادرات في الدول المعنية، وعرض بعض الخبرات الدولية، وتقدم الدراسة بعض التوصيات وأساليب التنفيذ اللازمة لخفض نسبة بطالة الشبان في دول المنطقة، بالتركيز على دور منظمة "إسكوا" في هذا الصدد، وتقترح مبادرتين مهمتين لحل مشكلة البطالة، الأولى تكوين مرصد إقليمي تتبناه جامعة الدول العربية، وتنشئه "إسكوا"، وتكون مهمته رصد التجارب الدولية بالتركيز على السياسة التي تعالج مشكلة بطالة الشبان.
أما الثانية فهي إنشاء صندوق إقليمي لتمويل مبادرات رائدة لتشغيل الشبان. ويجب البدء بدرس جدوى معمقة لتصميم هذا الصندوق، وطرق تمويله وإدارته، ويمكن أن يكون هذا الصندوق ترجمة حقيقية للشراكة بين القطاع الخاص والحكومات ومنظمات المجتمع المدني.
وكان المدير العام في منظمة العمل العربية إبراهيم قويدر، أشار خلال عرض الورقة، إلى أن الوطن العربي يحتاج كل عام إلى نحو 4 ملايين فرصة عمل جديدة، فيما رأى رئيس منظمة برلمانيون عرب ضد الفساد، النائب الكويتي ناصر الصانع بعد يوم من انتهاء أعمال الدورة، أن "طابور البطالة هذا ليس لأن ليس في المنطقة موارد، المنطقة بخير. ولكن هناك سرقة للمال العام، ولدى هؤلاء السارقين شبكة منظمة ومهارة وخبرة وعملاء يتعاملون معهم في كل قطر عربي". وقال: "نحن أمام غول يلتهم مال شعوبنا، ولا يجعل المال يذهب إلى مستحقيه، وستجد الفقر والأمية والمنطقة في حاجة إلى 20 مليون فرصة عمل، بحلول سنة 2010".
وأما الورقة فتوضح أن المنطقة العربية احتلت في العام 2003 المركز الأول في قائمة نسب البطالة، إذ بلغت نسبة بطالة الكبار 7.8%، ونسبة بطالة الشبان إلى 25.6%، ونسبة البطالة الكلية في المنطقة 12.2%.
أما عن كل دولة على حدة، فقدم تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2002، حصراً للبيانات المتاحة في عدد من الدول العربية، وقد بلغت بطالة الشباب في مصر 25.8% (43.8% للشابات)، ولبنان 21.6%، والمملكة العربية السعودية 25.9% والأردن 31%، ومثل متوسط نسبة بطالة الشبان من مجموع البطالة في دول المنطقة نحو 53%.
وتشير الورقة إلى أن مشكلة البطالة تظهر في مجموعة من السمات، أهمها تركز البطالة بين خريجي التعلم الثانوي وما فوقه، وهي الفئة التي كانت تجد عملاً في الحكومة والقطاع العام في الماضي، حين كانت معظم الدول تضمن تشغيل الخريجين.
أما بالنظر إلى الجنس، فإن المنطقة تعاني أيضاً فجوة كبيرة بين الذكور والإناث الشبان، إذ تبلغ 22.7% للذكور في مقابل 31.7% للإناث. وعلى الرغم من ارتفاع مستمر لنسبة مشاركة الإناث في مجموع القوى العاملة، إلا أن هناك عوامل تؤثر في مشاركة المرأة تأثيراً سلبياً، يسبب تفاوتا في فرض العمل المتاحة للجنسين في سوق العمل.
وبالنظر إلى السن، يتضح أن فئات العمر من 15 إلى 29 سنة تعاني أعلى نسب للبطالة في كل الدول العربية، إذ تراوح بين 18 و30% من مجموع العاطلين من العمل.
وترى الورقة أن قضية هجرة الأدمغة عبء كبير على الحكومات، إذ تزيد هجرة الشبان العرب من ذوي الكفاية لتجتب البطالة ومشكلات أخرى، وتتحمل الدول العربية تكلفة إعداد الكفايات المهاجرة إلى الدول المتقدمة، علاوة على تكلفة الفرص الضائعة من العائد المنتظر من إسهام أصحاب الكفايات في تنمية بلادهم. وأشار تقرير لجامعة الدول العربية إلى استقرار ما يزيد على 450 ألف من خريجي الجامعات العرب في الدول الأوروبية والولايات المتحدة في عام 2001.
أما عن الهجرة إلى الدول العربية المنتجة للنفط، فترى الورقة على الرغم من انخفاض نسبة النمو في العمالة الوافدة، أنها ما زالت تحدياً أساسياً للعمالة الوطنية، إذ تنافسها عمالة وافدة ذات أجور أقل ومهارة أعلى. وعن انخفاض العمالة الوافدة لتلك الدول، كانت العمالة العربية أكثر تأثراً بذلك الانخفاض من العمالة الآسيوية، إذ يشير الإحصاء إلى أن حجم العمالة العربية في الخليج انخفض بنسبة الثلث خلال التسعينيّات بينما زادت العمالة الآسيوية نحو 50%.
وتعد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل، مشكلة عامة يشترك فيها اقتصاد كل الدول العربية. فعلى الرغم من زيادة متوسط سنوات التعلم خلال العقود الأخيرة، فإن المؤشرات تدل على حلقة مفقودة بين التعليم ونوع العمالة المطلوبة.
ويشير الإحصاء إلى ارتفاع نسبة البطالة في عدد من الدول العربية بين خريجي التعليم الثانوي وما فوق، وانخفاضه في معظم الدول عند غير المتعلمين، حتى أن نسبة البطالة في بعض الدول ترتبط ارتباطاً طردياً مع مستوى التعلم.
وتعد ندرة المهارة لدى الشبان من أهم أسباب البطالة، وقد كثرت برامج التدريب في المنطقة من أجل مواجهة نقص المهارة، وكان هدفها الشبان المتسربين من الدراسة، ومن سُرِّحوا من العمل بعدد كبير، والعاطلين مدة طويلة. وتلقي الدراسة الضوء على بعض تلك التجارب.
وترى الورقة أن أسباب البطالة تختلف في المنطقة العربية بحسب اختلاف الهيكل الاقتصادي في كل دولة، ففي الدول العربية ذات الاقتصاد المهمش وتشمل السودان والصومال واليمن وجيبوتي على سبيل المثال، يسود القطاع غير الرسمي والتوظيف الذاتي في اقتصاد الكفاف، أما دول الاقتصاد الأكثر تنوعاً فتشمل مصر والأردن وسوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب، ويتسم اقتصادها بفائض عمالة فلا ينمو الاقتصاد بنسبة تسمح باستحداث فرص تشغيل بالنسب المرجوة واستيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل. وهناك دول اقتصاد النفط التي تواجه تحديا خاصا في سعيها نحو تنويع الاقتصاد للاحتماء من التقلب في الدخل القومي الناتج من الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى ضرورة زيادة قدرة العملة الوطنية. وتلقي الدراسة الضوء على مبادرات عربية لحل مشكلة البطالة بطرق متعددة.
وتخلص الدراسة إلى أن أهم العوامل المؤثرة في تشغيل الشبان هي حل مشكلة البطالة عموما من طريق زيادة نسبة النمو والطلب الكلي. فالحلول الجزئية تقتصر على حل مشكلة بطالة الكبار، لذا لا بد من التركيز على إنشاء مناخ مؤات للاستثمار، لا سيما في القطاع الخاص، والانفتاح على التجارة العالمية بتحسين القدرة على المنافسة، التي ترتبط بدورها بزيادة المهارة.
وفي انتظار هذه الحلول الكلية ونتائجها، يجب اعتماد الحلول الجزئية في مختلف البرامج المرتبطة بالسياسة النشطة في سوق العمل )spmla _ seicilop tekraM robaL evitcA( كبرامج تدريب الشبان وسياسة التعليم ودعم التوظيف الذاتي والمشاريع الصغيرة وغيرها. ولعل أشهر تلك البرامج مشاريع الأشغال العامة، والخدمات العامة للتوظيف وخدمات البحث عن عمل.
ويجب أن تعمل الدول المعنية أيضاً للنهوض بمستوى التعليم ليتفق مع طلب العمالة. ولا تعتمد جودة التعليم على إمكانات مادية كافية فقط، وإنما على أساليب متطورة تخرج شباناً قادرين على المنافسة في سوق العمل.
وتعاني الدول العربية بصفة عامة تركز الطلاب في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، بدلاً مما تحتاج إليه سوق العمل من أوجه تخصص أخرى. وهذا أمر يستدعي اهتمام الدول واتخاذ اللازم لتوجيه الشبان نحو الدراسات المطلوبة. وأحد أسباب الفجوة بين مخرجات نظام التعليم وحاجة القطاع الخاص، هو عدم مشاركة الشركات الخاصة مشاركة فعالة في تصميم مناهج التعليم العالي.
كذلك تشير الورقة إلى الحاجة إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال التدريب، ولا يقتصر هذا على تنمية القدرة والمهارة المتطورة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، ولكن يشمل أيضاً تنمية قدرة الداخلين في القطاع غير الرسمي أو غير المنظم، وقد أثبت قدرته العالية على استحداث فرص العمل. وتشير الدراسة إلى بعض التجارب الناجحة في هذا المجال، ومنها مبادرة "مبارك ـ كول" في مصر ومشروع "إنجاز" في الأردن. وبخلاف التدريب المهني، فإن إنشاء مراكز تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المجتمعات المحلية، يسهم في تعزيز قدرة المجتمعات المحلية الفقيرة في الريف.
أخيراً، تقترح الدراسة ضمن المعطيات التي تطرحها، مبادرتين مهمتين لحل مشكلة البطالة، الأولى تكوين مرصد إقليمي تتبناه جامعة الدول العربية وتنشئه "إسكوا"، وتكون مهمة هذا المرصد رصد التجارب الدولية بالتركيز على السياسة التي تعالج بطالة الشباب، وكذلك المؤسسات التي أحرزت نجاحاً في مواجهة هذه المشكلة، وإنشاء قاعدة بيانات في موضوع التشغيل والبطالة عموما وأثرها في الشبان في كل الدول العربية على الخصوص، ويرمي هذا العمل في النهاية إلى تصميم مجموعة من المؤشرات ونشرها ليمكن من خلالها تتبع نسب التشغيل.
أما المبادرة الثانية فهي إنشاء صندوق إقليمي لتمويل مبادرات رائدة لتشغيل الشبان، ويجب البدء بدرس جدوى معمقة لتصميم هذا الصندوق، وطرق تمويله وإدارته. ويمكن أن يكون هذا الصندوق تعبيرا حقيقيا عن الشراكة بين القطاع الخاص والحكومات ومنظمات المجتمع المدني.
ولمنظمة "إسكوا" من التجربة والمقدرة ما يمكنها من القيام بدور أساسي في تنفيذ هذه الأفكار بصفتها لجنة إقليمية تخدم دول المنطقة، ولها كثير من التجارب سواء في إنشاء قواعد البيانات أو المتابعة والتقييم أو درس المشاريع الإقليمية المختلفة، وهي تتمتع أيضاً بميزة مهمة للقيام بهذا العمل، نظراً إلى أنها ذراع الأمم المتحدة الإقليمية، وتشمل ولايتها دعم التنمية الإقليمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
وترى الورقة أن لـ "إسكوا" دورا مهما تقوم به على الصعيد الإقليمي لمساعدة دول المنطقة في تقليص مشكلة بطالة الشبان أولاً، ثم التغلب عليها، من خلال ما يلي: (1) إنشاء مرصد إقليمي في "إسكوا" يسلط الضوء ويركز الخبرة على أهم التحديات والتطورات التي يواجهها الشبان للحصول على فرص عمل على الصعدين الكلي والجزئي، (2) تقديم الدعم للدول الأعضاء لتوفير إحصاء وطني حديث ودقيق عن البطالة عامة وبطالة الشبان خاصة، (3) إيلاء الاهتمام الكافي لدى الأمانة التنفيذية في "إسكوا" لموضوع التشغيل وبالأخص تشغيل الشبان في برنامج عملها في المرخلة المقبلة، (4) تقديم المساعدة للدول الأعضاء لتقوية الحوافز ومساندة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعد منفذاً مهماً في استحداث العمالة واستيعابها ولا سيما عمالة الشبان، كما أثبتت التجارب الماضية، (5) مساعدة دول منطقة الخليج في تقديم أثر السياسة الماضية في مجال سياسة الإحلال لسد الفجوات والثغرات في تفعيل العمالة الوطنية وتعظيمها، وكذلك مساعدة دول المنطقة الأخرى في استلهام التجارب الناجحة وتطبيقها لاستحداث فرص عمل، (6) العمل لإنشاء نظام معلومات يتضمن الشواغر والمؤهلات المطلوبة في بلدان المنطقة، ويكون متوافراً للجميع على شبكة الإنترنت، (7) تشجيع الدول الأعضاء على استعمال النماذج المتقدمة لمعالجة عدد من الاحتمالات (السيناريوات) الممكن الاعتماد عليها للاستفادة القصوى من العمالة الوطنية، ولدى "إسكوا" نموذج يمكن تطويره يتفق مع الحاجة الخاصة لدول المنطقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.