اذا كان عمر الانسان يتزايد باستمرار بحكم تقدم العلوم الطبية والأنظمة الصحية، وبحكم تطور القوانين الهادفة الى تحسين أوضاع العمل والعمال، واذا كانت المتطلبات المعيشية تتفاقم لدى المسنين، فهل من الممكن تخيل أو تصور مدى الأعباء التي سيكبدها الآباء العجز لأبنائهم، خصوصاً اذا كان هؤلاء الأبناء لا يزالون في مرحلة يعجزون فيها عن تلبية متطلبات أهلهم وفي ظل دولة لا تزال تراوح مكانها في مسألة نظام التقاعد وحماية الشيخوخة؟.
من يؤمّن من؟ قد يبدو السؤال صعباً في دول تفتقر الى أنظمة الحماية الاجتماعية، لكنه قد يسهل عندما نعلم أننا في لبنان، السبّاق في تلقف هذه الأنظمة منذ بداياتها في الغرب، اذ أن التأمين على الحياة، بدايته قديمة العهد في لبنان، لكنه مع ذلك يفتقد الكثير من الرؤية والوضوح والشفافية والرقابة في آن، ومثالٌ حي على ذلك، مآل مصير مؤسسة الضمان الاجتماعي في البلد، فهل يمكن قياس ذلك على شركات التأمين المنتشرة في البقاع اللبنانية كافة؟ وهل يمكن التأكيد أن اللبناني بات مؤمناً على حياته، مخففاً عن أهله عجزه وحاجات ومتطلبات أرذل العمر؟...
يؤكد عضو الهيئة التنفيذية ورئيس العمليات في شركة (SNA) للضمان ريمون شام، أن التأمين على الحياة، بدايته قديمة العهد في لبنان، ويلفت الى أن شركات التأمين تعتبر أن القطاع ينقصه الكثير من التشريعات. صحيح أن عدد الشركات كبير إلا أن جزءاً لا يستهان به منها لا تتوافر فيه الشروط والامكانات، ولا يمكنه أن يطلق على نفسه أو يدعي أنه شركات تأمين، خصوصاً أن لبنان مقبل على توقيع اتفاقات عالمية ودولية مثل يوروميد، ودخول منظمة التجارة العالمية(WTO) . ومن هنا فإن شركات التأمين في لبنان تطالب بوضع المعايير والمواصفات الدولية للشركات الموجودة في البلد، وبالطبع فإن بعضاً من هذه الشركات تشكل خطورة على نفسها لأنها لن تلبي هذه الشروط، وهي لن تتمكن من مواجهة شركات التأمين العالمية أو العابرة للقارات.
ويلفت الى أن شركات التأمين طلبت أيضاً إعطاء مجهود أكبر من الدولة اللبنانية، لإحداث تشريعات من شأنها أن ترفع مستوى التأمين في لبنان الى مستواه الموجود في دول العالم المتقدمة، ويقول في سوريا والأردن وكذلك المملكة العربية السعودية، وضعت تشريعات حديثة ومتطورة للتأمين، نقلت بسببها مستويات التأمين في هذه البلدان من مستوى ضعيف الى مستوى متطور وفعّال، يتماشى مع الدول المتطورة، وفي المقابل فإن قوانينا في لبنان تحتاج الى الكثير من التطوير، وهناك الآن مشروع قانون بهذا الشأن في وزارة الاقتصاد وضع بالاتفاق مع قطاع التأمين، لإحداث التشريعات الواجب توفرها لعملية التطوير والتحديث المطلوبة، وهو ما زال مدار بحث بين الوزارة والشركات للخروج به قريباً.
ويرى شام، أن هذا المشروع جوهره يكمن في تفعيل رقابة الدولة على شركات التأمين، نعم فنحن نطالب بذلك، فالمطلوب هو تكوين شركات تأمين جدية، لها قوة الفعالية وكذلك الشفافية، لتوازي حركتها أو تواكب التطورات العالمية على هذا الصعيد ومواجهة العولمة في آن.
أما في مجال التأمين على الحياة، فيؤكد ان هذا القطاع ازداد نشاطه وتطوره في الخمس السنوات الماضية، ففي العام 2005 بلغت نسبة نموه نحو 13%، وفي العام 2004 زادت الى 25%، ويعود السبب الرئيسي في هذا النمو، دخول المصارف على خط التأمين على الحياة بشكل جدي، اذ أخضعت الكثير من العمليات المصرفية وخصوصاً القروض لعملية التأمين على الحياة.
ويشير الى أنه لا تزال هناك امكانات التطوير في هذه الناحية قائمة، وفرص النمو موجودة، خصوصاً اذا قمنا بتحليل نسبة أقساط التأمين مع الدخل القومي، أو معدل متوسط هذه الأقساط بالنسبة الى كل شخص، تتأكد امكانية تطويرالقطاع، ففي لبنان معدل قسط التأمين على الحياة يوازي 43 دولاراً، أما في المعدلات الأوروبية فهي 850 دولاراً، وفي فرنسا 2200 دولار. وفي المقابل، نحن لم نزل عند هذا المستوى، وهو ما يعني أن هناك فرصاً للنمو، مستقبلاً، وهي بالطبع مشروطة بتوفر الظروف والمناخات التي تسمح بذلك، ومن ضمنها كما أسلفنا وضع تشريعات حديثة، واعتماد الشفافية في بوالص التأمين التي تباع، وايجاد الحوافز الضريبية لتشجيع المؤسسات والأفراد على حد سواء، ليقوموا باكتتاب هذا النوع من البوالص، والذي يساعد على الادخار وتأمين تقاعد محترم.
ومثالٌ على ذلك، أنه في لبنان لا يساعد قانون الضمان الاجتماعي، رب العامل والعامل على الدخول الى البرنامج الادخاري للمؤسسة، اذ كلما دفعنا قسطاً للادخار علينا التصريح به، وهو ما يعني آلياً دفع الاشتراكات المتوجبة، الأمر الذي يؤدي بأرباب العمل للهروب من الدخول الى عالم الادخار، ولذلك يجب تحديث قانون الضمان والانتقال من قانون نهاية الخدمة الى نظام التقاعد وحماية الشيخوخة.
ويقول شام "في لبنان الأرقام غائبة عن أعداد المشتركين في حقول التأمين كافة، وهذا يأتي من ضمن تفعيل الرقابة على شركات التأمين، من أجل اعطاء احصاءات دقيقة وعلمية عن التأمين، من هيئة الوصاية لاصدارها سنوياً، واعطاء صورة أيضاً عن وضع قطاع التأمين وحجم الأقساط في كل فرع من فروع التأمين".
ويشير الى أن تكاليف التأمين على الحياة، تختلف بحسب العمر ونوعية التغطية ونسبة التقاعد، فالشخص الذي يريد مستوى تقاعدياً جيداً ستختلف تكاليفه عن شخص عادي، وذلك يعود الى المستوى الاجتماعي لكل منهما، وبمعنى آخر قيمة الادخار ترتفع عند الشخص الذي يحتل موقعاً اجتماعياً جيداً، أيضاً هناك مسألة مهمة، وهو عامل الوقت الذي يلعب دوراً في تحديد التكلفة والقيمة عند التقاعد، اذ كلما بدأ الشخص بسن انتاجية مبكرة، كانت تكلفة فترة الاشتراك منخفضة بحكم الوقت الطويل.
ويلفت الى أن شركات التأمين لا تتعارض مع وجود مؤسسة الضمان الاجتماعي، إنما تعتبر مكملاً لها، ويشير الى أن هناك نوعين من أنواع الضمان في العالم:
ـ المدرسة الأوروبية، التي تقول بأن يدخر الشعب أو يسهم بجزء من مدخوله ضمن صندوق واحد لدفع التعويض للأشخاص غير المنتجين، ولا يزال معمولاً بهذا في بعض الدول الأوروبية، وهذا من النوع الخطر، اذ أن التوازن الذي كان قائماً في خمسينيات القرن الماضي بين القوى العاملة والمتقاعدين، يكاد يكون مفقوداً كلياً، فمثلاً كان كل شخص متقاعد يقابله نحو 50 عاملاً يساهمون في الصندوق، أما اليوم فمقابل كل متقاعد يوجد 2 يسهمون في الصندوق، إضافة الى هذا الأمر، فإن الوفيات ومعدلات الأعمار التي كانت متدنية في تلك الفترة لم تعد موجودة اليوم، اذ أن متوسط الأعمار يرتفع بسبب تقدم العلوم الطبية ووعي الانسان.
ـ المدرسة الأنغلوسكسونية، التي تقول بأن يفكر كل شخص بتقاعده وحده في صندوق وحده، وهذه المدرسة يتجه العالم نحوها الآن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.