في سياق الطروحات المتداولة لحل المشكلات التي يعانيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عقد الأسبوع المنصرم اجتماع في وزارة الصحة العامة برئاسة الوزير محمد خليفة حضره مديرو ورؤساء مصالح الصحة في جميع الصناديق الضامنة، بوجود المدير العام للوزارة وليد عمار والمستشار الفني للوزارة الدكتور بهيج عربيد، وبعد مناقشات مستفيضة لواقع التأمينات في البلد وللمشكلات التي تواجهنا وبعد استعراض العديد من الأفكار، تم الاتفاق على لجنة تنسيق رسمية، تؤلف بمرسوم أو بقرار من مجلس الوزراء، تحدد فيها آليات العمل والأهداف.
وقالت مصادر في وزارة الصحة لـ"المستقبل"، إن أهم النقاط التي سيؤكدها قرار الإنشاء، ثلاثة أمور:
ـ الأول: التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق بين كل المؤسسات الضامنة، وأن تلعب وزارة الصحة العامة الدور الذي حدده القانون برسم السياسة الصحية العامة والتعاون مع الصناديق لتطبيقه، علماً أنه يوجد الآن بين الصناديق اجتماعات لجنة التعرفة في إنشاء القاعدة الموحدة للمعلومات.
كما تم الاتفاق على تطبيقات نتائج برنامج الاعتماد الذي نفذته الوزارة، وعلى اعتماد نظام البدل المقطوع الذي تطبقه الوزارة أيضاً منذ سنوات عدة، ومن المفترض أن يتم تطبيقه من الجميع خلال العام الجاري.
ـ الثاني: ستؤكد اللجنة أهمية بناء نظام معلومات موحد للصناديق الضامنة وعلاقتها بالأطباء والمستشفيات والمراكز الصحية، واعتماد بنك للمعلومات ليشكل المصدر المعلوماتي لتقدير التكلفة والاستشفاء... .
ـ الثالث: التأكيد على الربط بين التأمين والوقاية، والتأكيد على كل الإجراءات التي جرى بحثها من بدائل الاستشفاء.
وتشير مصادر وزارة الصحة، الى مشكلة التأمينات في لبنان، ومدى التأثير السلبي في عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهي تؤكد أنه لو سُئل المضمونون وأصحاب الخدمات الصحية، فلن تجد أحداً راضياً، والكل "ينقّ" على طريقته من المريض الى الطبيب مروراً بالمستشفى، كما أن الصناديق الضامنة تواجه صعوبات مالية فضلاً عن حالة من انعدام التوازن.
وتضيف "إن هذه المشكلات متعددة الأوجه، منها ما هو مرتبط بتعدد المؤسسات الضامنة بحد ذاته، إضافة الى تعدد أنظمة التأمين والتغطية والخدمات الصحية، وهو الأمر الذي أسس للهدر في الإمكانات البشرية والمادية وخلق ضعفاً في مسألة الخدمات، وهذه التعددية في الصناديق نتجت عن قرار سياسي، وتعددت مقابل ذلك آلية معالجة هذه التعددية، كما شكلت لحلها عدد من اللجان الوزارية وما الى ذلك، والكل عرض معالجة هذا الموضوع من خلال روزنامة زمنية لتوحيد آليات العمل، وأهمها المراقبة الطبية وصولاً الى مرحلة توحيد الصناديق".
وتلفت الى أن وزارة الصحة تؤكد في هذا السياق وقوفها مع توحيد آليات العمل خصوصاً المراقبة الطبية، للأسباب التالية:
ـ ضرورة وقف الهدر المالي، لأن هذه التنظيمات الإدارية مكلفة.
ـ تشير التقارير التي تصدر عن الصناديق الضمانة نفسها الى أن جزءاً من تنظيمات المراقبة الطبية غير فعّال، والدليل على ذلك النسبة الكبيرة من مرضى الاستشفاء، يدخلون المستشفيات لإجراء فحوص فقط، إذ أنها تعد أوفر بالنسبة اليهم من إجرائها خارج المستشفيات، ففي العام 2002 كان يوجد في مؤسسة الضمان الاجتماعي 198 ألف حالة استشفاء منها 89 ألف حالة مع موافقة مسبقة و109 آلاف حالة مع موافقة مؤخرة، يعني أنها دخلت بحالات طارئة، وتبين أن أكثر من 60% من هذه الحالات هي بتشخيصات وهمية، هدفها فقط إجراء فحوص متنوعة مكلفة.
إن موضوع دخول المرضى الى المستشفيات مهمة في الضمان، لأن 55% من مصروف الضمان هو على الاستشفاء، بعد أن كان 38%، وهذا الارتفاع ناتج عن المخالفات المذكورة، إن ضبط الدخول الى المستشفيات عملية بالغة الأهمية للصناديق الضامنة، ولذلك فإننا نقترح أن تتم من خلال ذلك خصخصة المراقبة الطبية، لدخول المستشفيات ومراقبة المريض فيها، ولدينا مؤسسات ناجحة وبخاصة في هذا المجال مثل "ميدنيت".
ـ تقارير الخبراء التي وضعت أخيراً حول مؤسسة الضمان الاجتماعي، تتحدث عن شبه إفلاس وخلل مالي في الميزان المالي فيه، مما أدى تقريباً الى استهلاك كل الاحتياط في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية، وطرح الخبراء بعض الحلول، مثل إعادة تنظيم الضمان ورسم هيكلية جديدة له، وتفعيل الرقابة الذاتية الداخلية، وتفعيل الجباية وخصوصاً من الدولة، حتى اقترح البعض زيادة معدلات المساهمة المفروضة على مختلف مصادر التمويل (الدولة ـ أرباب العمل والعمال).
وفي هذا الإطار، تقول هذه المصادر "نحن نتفق مع الخبراء على أن جزءاً من العمل الأساسي، يجب أن يتوجه الى الضمان كمؤسسة لإعادة تنظيمها، صحيح أن عملية التأمين تقوم على توزان بين المدخول والمصروف، والمبنية بدورها على قياس احتمالات المرض أو الإصابة وقياس مدى تكلفة أنواع الخدمات التي يحتاجها المستفيد، والتي على ضوئها يتم احتساب الاشتراكات لتأمين هذه المصاريف، هذا صحيح، ولكن المشكلة في نظرنا أن الصناديق الضامنة على اختلاف أنواعها بقيت سجينة لهذا النوع من التفكير وهذا النوع من الحساب، ولم تطور أي نهج أو توجه ينتج عنه تعديل في المدخول والمصروف، فمثلاً الضمان لا يغطي خدمات الوقاية، ويكتفي بضمان المرض والأمومة، وفي المقابل فإن سياسة وزارة الصحة العامة هي في التخفيف من احتمالات المرض أو الإصابة، وذلك من خلال اعتماد العديد من البرامج الوقائية الملزمة، فعندما تفرض الدولة مثلاً حزام الأمان للسائقين وللركاب على السواء في السيارة، فهذه ليست مسألة ازعاج، وهدفها خفض نحو 50% من احتمال الإصابات وحتى الوفيات، إن الإجراءات الوقائية في المنازل تخفض نحو 70% من نتائج الحوادث المنزلية، وكذلك في ما يتعلق بالصحة المهنية".
وتضيف هذه المصادر، أن الوزارة ترى أنه بالإمكان تحسين الوضع المالي في مؤسسة الضمان، من خلال تصويب السياسة الصحية، وأهمها:
1 ـ الربط بين التأمين والوقاية، وأن تصبح الوقاية جزءاً من الموازنة العامة للصناديق الضامنة من 5 الى 10%، تنفق على البرامج الوقائية مثل الاكتشاف المبكر للسرطان.
إن تكلفة معالجة حالة واحدة من سرطان الثدي، ستكلف أكثر من حملة وطنية لاكتشاف مبكر لهذا المرض، إضافة الى أن الشفاء يكون كاملاً عندما يكتشف في بدايته، إن كل إنفاق على الوقاية هو ايجابي، لأنه يؤثر في صحة الناس ايجاباً ويخفض معدلات المرض والحاجة الى الاستشفاء.
2 ـ التوجه نحو بدائل الاستشفاء، وأهمها:
أ ـ الاستشفاء النهاري One day clinic: أي تقديم خدمات استشفائية طبية وجراحية لا تتطلب المكوث في المستشفى لأكثر من ساعات محدودة.
في فرنسا أصبح الاستشفاء النهاري يمثل 13% من إجمالي خدمات الاستشفاء، وفي الولايات المتحدة الأميركية بلغت هذه الخدمات حدود 60 %، وتؤكد الدراسات الفرنسية أن الوفر يبلغ 30% من تكلفة الاستشفاء.
أما الفائدة الثانية، فهي خفض معدلات الحاجة للاستشفاء، ويكفي أن نعرف أن تكلفة بناء سرير استشفائي واحد تتراوح بين 75 و250 ألف دولار، وكل خفض في الحاجة الى الأسرة سينعكس مع الوقت انخفاضاً في تكلفة الصحة. وكل ما هو مطلوب هو أن تحدد وزارة الصحة العامة المواصفات الفنية لمستشفيات اليوم الواحد، وهي خدمات يمكن أن تكون جزءاً من مستشفى قائم أو أن تكون مؤسسات مستقلة.
والمواصفات هي للأبنية وللتجهيزات الطبية وللقوى الصحية العاملة وللأنظمة الإدارية والطبية المعتمدة وللتكلفة والتعرفات، وهي عملية لا تتطلب الكثير من الدراسات بل القرار الجدي وهناك الكثير من الخبرات الدولية التي يمكن الاستفادة منها.
ب ـ الاستشفاء المنزلي: هو أيضاً أحد البدائل المهمة والتي تؤدي الى عدة أنواع من النتائج أهمها، خفض تكلفة الاستشفاء وإضفاء الصفة الأكثر إنسانية للخدمة الاستشفائية، إن الوفر كبير جداً على الصناديق الضامنة وعلى المريض والعقبة الوحيدة الموجودة هي عدم توفر القرار الحاسم في تنفيذ مثل هكذا توجه، إن تقديرات الوفر تفوق 30 % من تكلفة الاستشفاء إضافة الى خفض الحاجة للاستشفاء.
3 ـ من الواضح أن قسماً من المرضى يدخلون المستشفيات، لإجراء فحوص غالية الثمن، في وقت من الممكن فيه إجراؤها خارج المستشفيات، في المختبرات الخاصة أو المراكز الشعاعية المختلفة، ومن الطبيعي أن يطلب من الصناديق الضامنة ضبط هذه العملية، نظراً لتكلفتها المرتفعة، والطريقة الفضلى لحل هذه المشكلة، هي بامتلاك المؤسسات الضامنة مراكز مجهزة بالمعدات والتقنيات الحديثة تستطيع تقديم خدماتها الى المضمونين، وبالمناسبة فإن شركة "ميدنت" تملك 7 مراكز من هذا النوع، والحل الثاني هو باعتماد المراكز الصحية في البلد، والتي تكون مجهزة بمختبرات متعددة الأغراض، وكل ما هو مطلوب هو أن تقوم وزارة الصحة بفرض شروط للجودة على هذه المؤسسات، وتجدر الإشارة الى أن الوزارة تعد الآن مشروع اعتماد للمراكز الصحية، وهو سيوفر في حال تطبيقه خفضاً كبيراً على تكلفة الخدمات في الصناديق الضامنة.
4 ـ متابعة تطوير القطاع العام الاستشفائي، والبالغة تكلفته نحو 350 مليون دولار، وهو يقترب من الإنجاز خلال العامين المقبلين، ليصبح لدينا نحو 30 مستشفى و2750 سريراً ضمن مواصفات عالمية، كما يصبح لدينا نحو 20 مركزاً صحياً مستوفياً لأفضل الشروط، ومن الطبيعي أن تتم الاستفادة من هذه المؤسسات التي ستعمل بسعر التكلفة مع التشديد على النوعية الجيدة، ولا ترى الوزارة مانعاً من مشاركة ممثلين من الصناديق الضامنة في مجالس إدارات هذه المؤسسات، خصوصاً أن هذه المؤسسات عامة، وتم اعتماد أنظمة إدارة متطورة لهذه المؤسسات، وهي قد أصبحت مستقلة مالياً وإدارياً عن وزارة الصحة العامة.
5 ـ الدواء: يمثل الدواء 25 % من إجمالي الإنفاق على الصحة، لذلك يتوجب إعطاء أولوية للتعامل مع الدواء، ويمكن في هذا الإطار تبني برنامج تنفذه وزارة الصحة بالتعاون مع جمعية أهلية هو برنامج أدوية الأمراض المزمنة. وتبني المشروع يكون بأن تقدم الأدوية الملحوظة في البرنامج للمستفيدين من تقديمات الضمان وأي صندوق تأمين عام ويتم بالمقابل تعزيز موازنة البرنامج إما من خلال موازنة وزارة الصحة أم من خلال موازنة تلحظ للبرنامج من قبل مجلس الوزراء، ويبلغ الوفر لكل مريض مستفيد من البرنامج (107000 مريض) في حدود 70 % من ثمن الأدوية بالاسم التجاري (الأدوية تقدم باسم Generics).
كذلك في مجال الأدوية: من الأمور المستعجلة وبعد توقف مشروع المكتب الوطني للأدوية أن يعاود الضمان استيراد الأدوية مباشرة (الأدوية النظامية: Generics) للاستخدام خارج المستشفيات والأدوية المعلبة للاستشفاء.
إن التجربة الأولى في أوائل السبعينات أعطت وفراً قارب 50 % ولا نرى أي مبرر يمنع تنفيذ ذلك، ويمكن كذلك اعتماد مركزية موحدة لشراء الأدوية واللوازم الطبية لصالح الصناديق الضامنة الحكومية والمستشفيات الحكومية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.