تتبنى وزارة الصحة العامة في أولويات سياستها الصحية، وضع خطط من شأنها خفض الانفاق الصحي، الذي يشكل 11% من اجمالي الناتج القومي، وهو رقم قياسي بالمقارنة مع حجم لبنان وتعداد سكانه، إلا أنه وبشيء من الغرابة لا يسد الفجوة الرقمية لتدهور القطاع الصحي في هذا البلد، عندما نعلم أن هناك نحو 40% من اللبنانيين ليس لديهم أي تغطية اجتماعية، تؤمن الدولة التغطية لهم.
أخيراً نجحت الوزارة المعنية، في خطوتها الآيلة الى خفض أسعار الدواء في 9 أيلول/سبتمبر الماضي، والذي شمل سعر نحو 1014 دواء دخلت حيز التنفيذ العملي، وهو خفض سيسهم بوفر يقدر بمئة مليار لبنانية سنوياً، في قطاع الدواء اللبناني، الذي يقدر حجمه بنحو 550 مليون دولار سنوياً، تسهم بشكل كبير في تضخيم الفاتورة الصحية، وتبلغ نسبتها 25% من حجم الإنفاق الصحي في لبنان.
ولا شك أن هذه الخطوة التي تلقفها المعنيون في القطاع الصحي بالكثير من التفاؤل، تؤشر الي امكان إحداث خطوات إصلاحية أكثر تأثيراً فيه، خصوصاً وأن القطاع الصحي في لبنان مصاب بداء الترهل في معظم مرافقه.
وترى مصادر في وزارة الصحة "أن القطاع الصحي هو دون أدنى شك على وشك الانهيار، إن لم تبادر الوزارة بلملمة هذه المرافق واعادة تصويب سياستها لتفعيل القطاع الصحي، وابراز دوره الحيوي والحياتي على المستويين الوطني والانساني، انطلاقاً من وقف الهدر وصولاً الى تأمين السلامة العامة لكل فرد في هذا البلد".
وتؤكد "أن سياسة ترشيد الانفاق الصحي، تتطلب وضع الاصبع حيث الجرح والنزف، فإن توحيد السياسة التأمينية في لبنان من خلال توحيد الصناديق الضامنة، (التي تشكل هدراً بشرياً ومادياً مع تعدد اداراتها وأجهزتها والفروق في تكاليفها الاستشفائية لوجود امتيازات قانونية خاصة بكل منها)، يشكل علامة فارقة في مستقبل القطاع اذا ما تحققت أو كتب لها السياسيون أن تتحقق، خصوصاً أن أي قرار لتصحيح السياسات المعتمدة يتطلب في لبنان تحديداً توافر الارادة السياسية الواضحة والصريحة للبدء بذلك".
وغير بعيد عن هذا المفهوم، فإن وزير الصحة العامة محمد خليفة، لم تفته أهمية موضوع توحيد الصناديق الضامنة، وهو قد أعلن خلال العام المنصرم "أن هذا الموضوع قد مر في مشاكل عدة، وهو من المسائل التي تعترض اي اصلاح صحي في لبنان، من ناحية التكلفة والطبابة، او مشاكل متداخلة هي نتيجة التعددية في الصناديق الضامنة، فضلا عن وجود الانظمة المختلفة في هذا القطاع ، وهذا الامر كان يسبب عائقا كبيرا، ولا يمكن ان نصل الى حل على المدى المتوسط والطويل من دون ايجاد قواعد مشتركة بين المعنيين في القطاع الصحي والاستشفائي في لبنان"، وأضاف "بعد بذل سلسلة من الجهود بين وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبفضل جهود التقنيين في الوزارة والصندوق ، وتوصلنا الى ايجاد صيغة مشتركة وهي توحيد الاعمال الطبية والجراحية التي تؤمن جدول الاسعارالمقطوعة ووضع اسعار مشتركة للاطباء والمستشفيات والمعنيين في هذا القطاع ، يؤدي هذا الامر الى ضبط الفاتورة، وعدم المزاجية في التدقيق، واذا تم اعتماده تستطيع كل مؤسسة ان تضع موازنتها ضمن المطلوب".
ولكن السؤال هل يمكن تحقيق ذلك، وما هي الحلول المقترحة؟
تؤكد هذه المصادر، أن الحلول المقترحة ممكنة وواقعية، شرط توفر الارادة السياسية، وشرط اعتماد المراحل في عملية التطبيق، على أن يتزامن ذلك مع تبني خطة تنفيذية لتصحيح مسار كل القطاعات الصحية الاستشفائية والرعائية والقوى الصحية العاملة وسواها، لأن أي خلل في أي منها سينعكس سلباً على الباقي.
وتشير هذه المصادر الى أن المراحل المقترحة للحلول، هي:
ـ المرحلة الأولى:
1ـ توحيد آليات العمل للصناديق، مثل توحيد التصنيف المعتمد للمستشفيات الخاصة والعامة، حيث يتوجب تنفيذاً لمرسوم الاعتماد، على الصناديق الضامنة بما فيها وزارة الصحة ألا تتعاقد إلا مع المستشفيات المعتمدة مهما كانت الظروف.
2ـ توحيد تعرفات الأعمال والخدمات الاستشفائية على مختلف أنواعها، وتوحيد نظام البدل المقطوع للأعمال الجراحية بالاستناد على بروتوكول طبي لكل عمل، على أن يكون مرتبطاً بالتعرفة المقطوعة.
3ـ توحيد مضمون الاتفاقات مع المستشفيات الخاصة والحكومية بالتعاون مع والتفاهم مع نقابتي الأطباء ونقابة المستشفيات، وتوحيد آليات الرقابة على المستشفيات لمراقبة تنفيذ هذه الاتفاقات.
4 ـ معالجة دور وزارة الصحة في مجال التأمينات الصحية، اذ أن الوزارة قد لعبت دوراً ليس بدورها وخصوصاً خلال فترة الأحداث الأليمة (1977 ـ 1978)، في تأمين المعالجات الطارئة.
إن تقدم معالجة سياسة التأمينات الصحية سيدفع الوزارة لأخذ دورها في مجال رعاية السياسة الصحية وتنظيم أسواق الخدمات الاستشفائية والرعائية وسوق الدواء، بالإضافة الى مراقبة الجودة والسلامة العامة ومراقبة حركة الأمراض ومعالجتها.
وتضيف أن الواقع الحالي للتأمينات الصحية العامة تشكل أساساً جيداً للهدر في الجهد والامكانات، وفي هذا الاطار، يمكن طرح توجهات عدة، لمعالجة هذا الأمر:
ـ التوجه الأول: ويتمثل بإنشاء مؤسسة عامة مستقلة، للقيام بأعمال المراقبة على المستشفيات العامة والخاصة، يشارك في ادارتها ممثلون عن كل الصناديق الضامنة، على أن ترتبط حكماً برئاسة الحكومة، وأن توضع لها موازنة تشغيلية خاصة.
ـ التوجه الثاني: تكليف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (كونه أكبر الصناديق العامة الضامنة)، بمهمة المراقبة لجميع المرضى المعالجين في المستشفيات لمختلف الصناديق (إلا أن هذا الحل سيواجه باعتراضات أساسية من باقي الصناديق).
ـ التوجه الثالث: تلزيم أعمال المراقبة الطبية والادارية لمؤسسة محلية أو عالمية متخصصة في هذا النوع من الأعمال.
وتعرب هذه المصادر عن اعتقادها، أن الاقتراح الثالث هو الأفضل، كونه يحرر ادارة الصناديق من هذه المهمة، لتتفرغ للعمل لتحسين مستوى الخدمات وتطوير السياسات خدمة للمضمونين، ولكن اعتماد أي من هذه الاقتراحات، سيؤدي حكماً الى وفر أكيد في الأداء والنتائج.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.