تقوم الآن وزارة الشؤون الاجتماعية والمكتب المركزي في لبنان بالاشتراك مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، بتنفيذ مسح شامل يهدف الى تحديد خصائص الفقر في لبنان، وتقويم حاجات السكان الذين يعانون من هذه الآفة الخطيرة.
ويستقطب موضوع القضاء على الفقر نقاشاً واسعاً في لبنان، باعتبار ان "الحد من الفقر" واحد من الأهداف الألفية الثمانية التي وضعتها المنظمة الدولية في العام 2000، والتي تطالب بخفض نسبة الفقر والجوع الى النصف بحلول العام 2015.
"إن الفقر المدقع لا يشكل المعضلة الرئيسية في لبنان على الرغم من أن 7.5% من اللبنانيين يتأثرون بهذا البلاء، وبحسب مؤشر نوعية الحياة المعيشية (كيو، أل، آي) فإن هناك أكثر من 30% من اللبنانيين، غير قادرين على تأمين حاجاتهم الأساسية، بالإضافة الى أن المؤشر نفسه يظهر تباينات مناطقية هامة وبارزة"، فهل يحقق لبنان بمكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، القضاء على هذه الظاهرة أو كما تطلب المنظمة الدولية خفضها الى النصف بحلول العام 2015؟..
إن من خصائص الفقر في لبنان وجود تفاوتات مناطقية مهمة، والذي نتج وزاد بفعل الحرب الأهلية التي امتدت منذ العام 1975 وحتى العام 1989، وأدت الى شلل تام في الحياة العامة، وجميع تفاصيلها الاقتصادية والتنموية، وقد تنبهت حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري المتعاقبة، في إيلاء هذا الموضوع الشأن الذي يستحقه، فكان أن كرست في جميع بياناتها الوزارية "مبدأ الانماء المتوازن بين المناطق"، لردم هذه الفجوة الاجتماعية بين المناطق، وقد أسست العديد من الصناديق الاجتماعية والاقتصادية لهذا الغرض.
وترى الندوة الوطنية للحد من الفقر، أنه من أجل أن يحقق العمل نتائج ملموسة، فإنه لا بد من نقل الخطاب التنسيقي بين أطراف المجتمع الأهلي والحكومي والقطاع الخاص الى حيز التنفيذ، وفي المقابل يسأل تجمع الهيئات الأهلية التطوعية "هل ما زال الفقر يستشري على الرغم مما يبدو في آن، من نوايا حسنة، وانجاز قاصر عن تحقيق الحد الأدنى من تسلق دجات انجاز مكافحته...وهل نحن في لبنان على الرغم من ادعائنا الحضارة والديموقراطية والرقي، منصرفون في معالجتنا لآفة الفقر؟..".
إن الأجوبة على هذه الأسئلة وسواها، وحول الخطط المطلوب تبنيها لمكافحة هذه الظاهرة، تكمن في تلك الورقة التي أعدها فريق عمل مشروع بناء القدرات للحد من الفقر (وزارة الشؤون الاجتماعيةبرنامج الأمم المتحدة الانمائي)، تناول فيها خطط العمل والمداخل الضرورية لخطة مكافحة الفقر.
وتميز الورقة المقدمة بين أنواع الفقر، كما تبين الفقر المدقع والجوع، فالفقر المدقع هو الذي يمكن أن يقاس بالدخل والانفاق، أو من خلال مؤشرات اقتصاديةاجتماعية، وهو أوسع من الجوع، فالذين يعانون من الجوع يمثلون الشريحة الأشد فقراً من الذين يعيشون في فقر مدقع ولا يختزلونهم جميعاً.
وتشير البيانات اللبنانية الى أن الذين يعانون الجوع (سوء التغذية) لا يشكلون سوى 2.5% الى 3% من السكان، وهم من دون شك جزء (ولكن جزء فقط) من الذين يعيشون في فقر مدقع حسب مؤشر الدخل وحسب أحوال المعيشة.
وتذكر الورقة أن المقصودين بتعبير الفقر المدقع والمعنيون مباشرة بالهدف الأول من أهداف الألفية هم من هذه الفئة من السكان، التي قدرت بحسب دليل أحوال المعيشة بـ6.8% من السكان و7.1% من الأسر في العام 1996، والذين صنفوا ضمن فئة أحوال المعيشة المنخفضة جداً حسب خارطة أحوال المعيشة في لبنان، وبالأعداد المطلقة، فإن هؤلاء الفقراء جداً يشكلون نحو 212 ألف فرد و47 ألف أسرة، وهذه الفئة من السكان، هي التي يجب رفع مستوى معيشتها، بحيث تنخفض نسبة معيشتهم الى عموم السكان الى النصف مع حلول العام 2015.
ويقترح الفريق، مداخل العمل، التي يمكن أن تحقق هدف الفقر المدقع والجوع الى النصف:
أولاًالمدخل الجغرافيالمناطقي: للفقر سمة مناطقية لأسباب تاريخية، وينتج عن ذلك أن تصميم برامج لمكافحة الفقر في هذه المناطق يعتبر مدخلاً مناسباً، ويمكن تحديد أولويات التدخل المناطقي وترتيبها وفق مؤشرين، الأول هو نسبة السكان الفقراء جداً من اجمالي السكان المقيمين في المنطقة المعينة، والثاني هو نسبة السكان الفقراء جداً في المنطقة المعنية من اجمالي الفقراء جداً في لبنان.
ويمكن تلخيص وضع الفقر الشديد في الأقضية على النحو التالي:
هناك 10 أقضية تزيد نسبة السكان الفقراء جداً فيها عن المعدل الوطني (6.8%)، وهي بالتتابع: الهرمل، عكار، بنت جبيل، المنية، المنيةالضنية، مرجعيون، بعلبك، صور، حاصبيا، زغرتا، طرابلس، وتبلغ نسبة الفقر أقصاها في قضائي الهرمل وعكار (25.6% و25.4%)، ثم تنخفض الى 17.6% في بنت جبيل و13% في المنيةالضنية.
هناك 10 أقضية يعيش فيها ثلاثة أرباع الفقراء جداً في لبنان، وهي بالتتابع: عكار، بعبدا، طرابلس، بعلبك، المنيةالضنية، صور، الهرمل، بنت جبيل، المتن، ويختلف الترتيب هنا عن الترتيب السابق بسبب حجم السكان في كل قضاء، ولكن ثمة تفاوت كبير بين الأقضية، اذ يضم قضاء عكار وحده 23.7% من اجمالي الفقراء جداً في لبنان، ويليه قضاء بعبدا (الضواحي الجنوبية لبيروت 10.4%)، وتعود المدن لتحتل موقعاً أساسياً.
وفي هذا الاطار، تقترح الخطة بالنسبة للمناطق الريفية:
1اعتبار عكار بكاملها منطقة فقر وتخصيصها ببرنامج تنمية محلية متكامل.
2اعتبار قضائي بعلبك والهرمل منطقة فقر واحدة وتخصيصها ببرنامج تنمية محلية متكامل.
3اعتبار قضائي بنت جبيل ومرجعيون منطقة فقر واحدة وتخصيصها ببرنامج تنمية محلية متكامل.
4اعتبار قضائي المنيةالضنية منطقة فقر واحدة وتخصيصها ببرنامج تنمية محلية متكامل.
أما بالنسبة للمناطق المدينية:
1تحديد الأحياء الفقيرة في مدينة طرابلس وتصميم تدخلات مناسبة في الأحياء (التبانة، القبة، الأسواق القديمة، الأحياء الفقيرة في الميناء...).
2تحديد الأحياء الفقيرة في بيروت وضواحيها الجنوبية والشمالية وتصميم تدخلات فيها (طريق الجديدة، صبرا وشاتيلا، الأوزاعي، حي السلم، برج البراجنة، برج حمود..).
3تحديد الأحياء الفقيرة في كل من صيدا، صور وزحلة وتصميم تدخلات فيها.
ثانياًالمدخل السكانيالاجتماعي: بينت خصائص السكان الفقراء، وجود تركز للفقر المدقع في بعض المناطق وفي بعض الفئات السكانية، وهي: النساء ربات الأسر، المسنون، الأطفال، الشباب والمعوقون.
فبالنسبة للنساء ربات الأسر، تشير خطة العمل الى أن برامج التمكين الاقتصادي والاقراض وتوليد فرص العمل غير مناسبة لهذه الفئة، وتشير الى أن الحاجة أكبر الى مساعدة اجتماعية من النوع المباشر، أو تمكين اقتصادي لأحد أفراد الأسرة الآخرين إن وجد وكان في سن العمل، أو اطلاق مشروع صغير خاص، أو تحسين في العمل إن كن يعملن.
أما في ما يتعلق ببرامج التدخل بالنسبة للمسنين الفقراء جداً، فتقترح الخطة: توفير نظام تقاعد فعال وتأمين شمولهم بنظام التغطية الصحية، وضع برنامج خاص للمساعدات الاجتماعية، تخصيص المناطق التي يسكنون فيها ببرامج تنمية محلية، تنظيم برامج توعية وارشاد صحي... .
أما بالنسبة للأطفال الفقراء جداً، فيمكن أن تشمل التالي: تطوير برامج دعم الأسر الفقيرة وبرامج دعم الطفل في أسرته، تخصيص برامج مناطقي للأطفال الفقراء، وخصوصاً في قضاء في الأقضية المشار فيها، معالجة التسرب المدرسي، القضاء على عمل الأطفال تحت السن القانوني المجاز وتصميم برامج لتحقيق ذلك.
وتقترح الخطة بالنسبة للمعوقين، التدخلات التالية: خفض التعرض للإعاقة بين السكان الفقراء جداً من خلال البعد الوقائي، تطوير نظام المساعدات الصحية والاجتماعية للمعوقين الفقراء جداً وزيادة الموارد المخصصة لهم، تطبيق مضمون قانون المعوقين وخصوصاً التغطية الصحية وتشغيل المعوقين ضمن الكوتا المحددة، برامج لمحو الأمية، التأهيل المهني، تنفيذ هذه البرامج ومتابعتها محلياً بسبب صعوبة انتقال المعوقين.
ثالثاًمن جهة تحقيق أهداف الألفية المباشرة، تقترح الخطة مجموعة مداخل، تشمل: مدخل البرامج القطاعية والتدخلات المتخصصة: (1) محو الأمية ورفع المستوى التعليمي، (2) الرعاية الصحية الأولية، (3) برامج التغذية، (4) برامج ذات طابع اقتصادي، (5) برامج المساعدة الاجتماعية المباشرة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.