كان من المفترض أن يبدأ ضخ خط الغاز السوري الى معمل دير عمار، بدءاً من الأول من أيار/مايو العام الجاري، لكن ذلك لم يحصل، وعدم ضخ الغاز يعني جعل المنشآت غير قادرة على الاستلام النهائي للخط من الشركة المتعهدة، وقد تحملت تكاليف الاشراف مع الشركة المشرفة (كيرشنر)، من خلال تسوية مع وزارة الطاقة والمياه.
وتتعدى أسباب عدم وصول الغاز السوري الى لبنان، الأمور التقانية والفنية والمالية، والتي كانت في ما مضى، تشكل أكبر المعوقات لعدم انجاز الخط، والذي تأخر فعلياً أكثر من سنة ونصف السنة، حيث بدأ العمل فيه في 17/3/2003.
واذ أكد وزير الطاقة والمياه محمد فنيش من خلال اتصال أجرته معه "المستقبل"، أن السوريين لم يعد لديهم فائض في كميات الغاز، فقد رفض الرد على سؤال فيما اذا كان عدم توريد الغاز السوري الى لبنان، مرتبط بالأمور السياسية.
وكان الوزير فنيش قد قال في وقت سابق "إن مشكلة الغاز السوري، كما أوضحها وزير النفط السوري خلال لقاء معه لمناقشة هذا الموضوع، أن كميات الغاز المتبقية في سوريا تستهلك الآن في السوق المحلية السورية، وذلك بسبب صعوبات في الاستثمار والانتاج في هذا القطاع، اذ ان لديهم حاجة لانتاجهم المحلي، لأن استثمارهم في قطاع الغاز كان من المتوقع أن يزيد، إلا أن مشاكلهم السياسية مع بعض الدول الخارجية وخصوصاً عقب صدور قانون محاسبة سوريا، قد يكون السبب في تأخير زيادة استثمارهم في الغاز".
وتبدو الآن اعتبارات عدم الوصول، هي أقرب الى التعقيدات السياسية التي تحكم علاقات البلدين، منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير الماضي، والتي نشأت بفعلها أيضاً أزمة الحدود، والتي بررها آنذاك الطرف السوري، بعملية تأهيل على الحدود وتوسعة مداخلها.
إلا أن مفاعيل هذا القرار السوري، يتجاوز البعد السياسي الى البعد الاقتصادي اللبناني، اذ ان التكاليف التي تكبدها لبنان، من جراء انشاء هذا الخط كبدت الخزينة اللبنانية ما يناهز 24 مليون دولار (انشاء الغاز اللبناني ـ السوري، وتحويل معمل دير عمار الذي يعمل الآن على الغاز أويل للعمل على الغاز الطبيعي)، فضلاً عن الآثار السلبية التي سيخلفها وقف هذا المشروع، مالياً وبيئة واقتصاداً، خصوصاً في تنظيم قطاع الكهرباء.
منذ العام 1990 باشر المسؤولون اللبنانيون والسوريون بعقد لقاءات ومحادثات، توصلوا خلالها الى توقيع 112 اتفاقية ومعاهدة وبروتوكولاً مشتركاً ومذكرات تفاهم وتعاون، ارتكز معظمها على معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق الموقعة في 30 أيار 1991، منها: "اتفاقية المبادئ التنفيذية لمشروع نقل وبيع الغاز الجاف بين سوريا ولبنان ـ 11/5/2001"، "اتفاقية بيع الغاز مع محضر اللجنة المشتركة للنفط والغاز ـ 27/11/2001"، "بروتوكول التعاون التنفيذي في مجال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز"، فضلاً عن العديد من الاتفاقات ذات الطابع الطاقوي والكهربائي.
ففي مجال استجرار الغاز السوري، كان هناك عقد قائم مع الحكومة السورية لتزويد لبنان كمية تكفي أقله لمعملي البداوي والزهراني بسعر يقارب ثلثي تكلفة الوقود المستهلك الحالي (مدة العقد 25 سنة)، وينتظر تنفيذ العقد إنشاء خط أنابيب على مرحلتين:
الأولى: بين حمص في سوريا وبين معمل البداوي شمالاً، موّل لبنان الجزء الخاص به.
الثانية: بين معملي البداوي شمالاً والزهراني جنوباً على امتداد الساحل، بحيث يمكن لحظ فروع في مساره لتغذية بقية معامل التوليد الأخرى (بعد تحويلها الى استعمال الغاز كوقود بتكلفة مقبولة) وكذلك الصناعة. (يكلف هذا الأنبوب بين 160 الى 180 مليون دولار ويحتاج الى مدة سنتين للتنفيذ).
وفي موضوع مشروع خط الغاز اللبنانيالسوريGASYLE 1، تعود البدايات الى العام 2001 (توقيع اتفاق مبدئي بين لبنان وسوريا)، لينتقل الى مرحلة التنفيذ مع توقيع العقد مع الشركة الحكومية الأوكرانية في 5 شباط 2003، بقيمة 12.9 مليون دولار، ومدة التنفيذ 12 شهراً، ومن ثم الانقلاب عليه لمصلحة شركة (حاوي اخوان)، حيث تم التوقيع معها في آخر آذار 2003، بقيمة 13.7 مليون دولار، ومدة التنفيذ 11 شهراً مع شهرين إضافيين، والتي تأخرت في تسليمه نحو سنة ونصف السنة من الموعد المقرر للتسليم، وزادت التكاليف الى أكثر من 22 مليون دولار الى تأخر موعد شركة سيمنز لعملية تأهيل وتشغيل معمل دير عمار بالغاز الطبيعي، التي وقعت معها مؤسسة كهرباء لبنان عقداً بالتراضي في هذا الخصوص في 9/9/2004.
ينص الاتفاق بين لبنان وسوريا بشأن خط الغاز بين البلدين GASYLE، على ان تزود سوريا لبنان كمية من الغاز الطبيعي تراوح بين 1.5 و3 ملايين متر مكعب يومياً في المرحلتين الأولى والثالثة، ثم ترتفع الى 6 ملايين في المرحلة الثالثة، وتقدر وزارة الطاقة اللبنانية أن استخدام الغاز الطبيعي مكان الغاز أويل الذي سيستخدم، سيخفض تكلفة انتاج الكهرباء بنسبة تتراوح بين 33 و40%.
ويهدف المشروع الى ايصال الغاز من محطةالريان شرقي مدينة حمص الى محطة التوليد الكهربائية فى بانياس لاستخدام الغاز كوقود نظيف بدلا من الفيول الذى يلوث البيئة بالاضافة الى تأمين حاجة المنطقة الساحلية مستقبلا من الغاز.
ويبلغ طول هذا الخط 135 كيلو مترا وقطره 24 انشا وتفريعة يبلغ طولها (33 كيلومتراً من منشآت النفط في البداوي لغاية الحدود السورية)، ويضم المشروع جميع انظمة التحكم والقياسات والامن والسلامة وتبلغ القيمة الاجمالية للعقد 70 مليون ليرة سورية، وتقوم مؤسسة الاسكان العسكرية بتنفيذ العقد بالتعاون مع الشركة الدارسة "الف" الالمانية وشركة يونيكو اللبنانية لتوريد المواد.
أما في الجانب اللبناني، فقد أنجز الخط الشركة المتعهدة "حاوي اخوان"، فيما تمت عملية تحويل معمل دير عمار للعمل بالغاز الطبيعي، من عقد صفقة بالتراضي بين ادارة مؤسسة كهرباء لبنان مع شركة "سيمنس" الألمانية في 9/9/2004، بقيمة مليون وخمسمئة وأحد عشر ألفاً وثلاثمئة وثلاثين يورو، (لا يشمل الضريبة على القيمة المضافة) مع اعطائها سلفة مقابل كفالة مصرفية، تقدر بنحو 375 ألف يورو.
وبحسب الاتفاقية الموقعة بين البلدين في هذا الاطار، فإن سعر الغاز الوارد في الاتفاقية يتراوح بين 2.4 و3.4 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، وهو يعتبر مكسباً كبيراً للبنان، كون السعر العالمي يزيد بنسبة الضعفين ويصل الى ثلاثة أضعاف هذا السعر، ويخفض السعر المتفق عليه بمعدل 20% (مليون ونصف مليون متر مكعب في المرحلة الأولى) للسنة الأولى، 15% (ثلاثة ملايين متر مكعب في المرحلة الثانية) للسنة الثانية، 10% (6 ملايين متر مكعب في المرحلة الثالثة) للسنة الثالثة.
إن الخسارة التي سيمنى بها لبنان ومعه قطاع الكهرباء، من جراء عدم تنفيذ هذه الاتفاقية التي تخضع الى "المزاجية" أكثر منها الى القوانين، ستتعدى ملايين الدولارات، بل إنها تدفع بالسؤال حول مآل 112 اتفاقية معقودة بين البلدين.
من المعلوم أن الانتقال بمعامل انتاج الطاقة الكهربائية من العمل على الفيول والديزل أويل الى الغاز من شأنه تحقيق وفر كبير في فاتورة الكهرباء، بحيث أشار البنك الدولي في هذا الاطار الى "أن اعتماد الغاز الطبيعي في لبنان، سيكون جم الفوائد، اذ سيسهم في تحسين الوضع المالي لقطاع الكهرباء من خلال خفض توليد الكهرباء، بحيث تصبح ما بين 140 و300 مليون دولار أميركي في السنة، وتجنيب لبنان تكاليف الأضرار التي تلحق الأذى بالبيئة والصحة العامة والمقدرة بنحو 740 مليون دولار، على الأقل خلال 15 سنة، مع تحسين امدادات الطاقة نتيجة التنويع في استخدام الوقود".
وقد بينت الدراسات التي وضعتها وزارة الطاقة والخبراء، أهمية التحول نحو الغاز الطبيعي لخفض تكلفة التوليد، وزيادة قدرات المجموعات وسنوات تشغيلها، وخفض تكلفة الصيانة وتفعيل حماية البيئة:
1 ـ إن التحول الإجمالي للإنتاج الكهربائي الحراري من الفيول أويل والغاز أويل الى الغاز الطبيعي يوفر سنوياً بين 90 مليون دولار (سعر برميل النفط الخام 20 دولاراً) و140 مليون دولار (سعر برميل النفط الخام 30 دولاراً)، ونستنتج في حالنا الحاضرة، كم سيبلغ هذا الوفر السنوي عندما يتعدى سعر البرميل الـ60 دولاراً.
2 ـ إن التحول الى الغاز الطبيعي في معامل التوليد يوفر سنوياً نحو 10 ملايين دولار في تكلفتي التشغيل والصيانة، معظمه وفر في قطاع الغيار في معملي البداوي والزهراني، كما يزيد في حياة المجموعات من 5 سنوات الى 7.
3 ـ إن تشغيل معمل البداوي أو الزهراني 8 آلاف ساعة سنوياً بدل 6 آلاف يحقق وفراً سنوياً في كل معمل كالآتي:
4 ـ لم تلحظ الأرقام الواردة الوفر في الضرر البيئي جراء التحوّل الكامل نحو الغاز الطبيعي والذي يقدر بين السنوات 2005 و2020 ما بين 750 و1800 مليون دولار.
لقد أقر مجلس النواب قوانين عدة، منها قانون الكهرباء وقانون الـB.O.T للمصافي ومعامل الغاز الطبيعي السائل وخط الغاز العربي، مع العلم أنه ولغاية اليوم، وبرغم اقرار هذه القوانين، فإنها لم تطبق ولم يعمل بمعظمها مع كل ما تمثله من خطوات جريئة ومدروسة باتجاه تحسن القطاعات المذكورة.
إن وقف مشروع صيانة وتشغيل وادارة خط الغاز، الذي ينقل الغاز السوري الى لبنان بسعر مشجع حدده القانون 509 (الاجازة للحكومة ابرام اتفاق بيع الغاز من الشركة السورية للنفط)، يجيز السؤال حول عدم التحرك المطلوب لهذه المسألة البالغة الحساسية، وخصوصاً في ظل الارتفاع المستمر في أسعار النفط العالمية، وفي وقت تسعى فيه الحكومة لترشيد الانفاق؟.
فإلى الآن، لم يوقع عقد التشغيل بين مؤسسة كهرباء لبنان والمنشآت، كما أنه لم تشكل الى الآن لجنة تشغيل مشتركة، ولم يتم الاتفاق على آلية التحاسب بين مؤسسة الكهرباء والشركة السورية للغاز، ولم ينجز البرنامج التنفيذي لتبادل الخبرات في مجال التشغيل، وقبل ذلك كله اذا لم يعد لدى سوريا فائض من الغاز الطبيعي (لكن لديهم شروط ثانية)!!، فماذا نحن فاعلون؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.