اعترفت الحكومة مؤخراً بأنها تواجه مشكلة من العيار الثقيل، تتمثل بتراجع ايرادات الخزينة من جراء ارتفاع أسعار النفط العالمية وتجاوز سعر البرميل الـ60 دولاراً، اذ تراجعت الايرادات لا سيما الرسوم الجمركية بسبب تراجع العائدات على البنزين، وخسرت الخزينة نحو 120 مليار ليرة من الايرادات خلال النصف الأول من العام الجاري، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
لقد زادت أسعار المحروقات بشكل كبير في أسواق النفط العالمية، حيث ارتفع سعر طن البنزين من 250 دولاراً في العام 2002 الى نحو 280 دولاراً، ثم 405 دولارات منتصف العام 2004، وصولاً الى أكثر من 600 دولار في المرحلة الأخيرة.
وقبل سنة ونيف كانت حصة الخزينة يومياً من مبيع البنزين تقارب المليوني دولار يومياً بفضل الرسوم والضرائب، التي كانت تجبيها من المستهلكين، كون السوق المحلية تستهلك ما معدله 250 ألف صفيحة بنزين، ويبلغ عدد السيارات العاملة على البنزين نحو مليون سيارة، الأمر الذي يجعل حجم الاستهلاك كبيراً، اذ تشكل فاتورة البنزين 35% من مجمل الفاتورة النفطية.
لكن ارتفاع أسعار المحروقات بشكل عمودي في أسواق النفط العالمية، أدى الى التأثير سلباً في خزينة الدولة اللبنانية، التي آثرت منذ أكثر من سنة، الاستمرار في الدعم غير المباشر لصفيحة البنزين، ففي حين زاد ثمن البضاعة، فضلت الحكومة خفض رسم الطابع على الصفيحة مقابل كل زيادة كانت تطرأ على أسعار البنزين، ولكن هل بإمكان الدولة التي تعاني ضعفاً وعجزاً مالياً الاستمرار في الدعم غير المباشر لمادة البنزين، التي تكاد تكون المادة الاستهلاكية الرقم واحد.
ولكن، السؤال الذي يطرح اليوم، ماذا يمكن للدولة أن تفعله مع تدني رسومها على صفيحة البنزين من 14 ألف ليرة الى 700 ليرة، في ظل هذه الارتفاعات، فإذا كانت مداخيل الدولة من البنزين تتجاوز المليوني دولار في اليوم، لتنهار هذه المداخيل بنسب كبيرة بفعل ارتفاع الأسعار، فهل تستطيع الدولة الإفلات من مسألة الدعم وترك البنزين في السوق المحلية يتناغم مع موجة الارتفاع كما فعلت الكثير من الدول العربية، وهل ستواجه الحكومة هذا الارتفاع بزيادة الرسوم، أم ستفتح المجال لمزيد من الشركات الخاصة بالاستيراد لإحداث منافسة في السوق المحلية، لتعديل الأسعار، وبذلك تتفادى أزمة المواجهة المباشرة مع المستهلكين، وتستعيد ايراداتها من هذا القطاع الحيوي، في ظل انعدام بدائل عن هذه العائدات النفطية الضرورية للخزينة.
وفي هذا الاطار، يشير الخبير النفطي ربيع ياغي، الى أن أسعار النفط التي باتت ترتفع عمودياً منذ أكثر من 12 شهراً، لا يمكن للبنان أن يبقى بمنأى عن هذه الارتفاعات وتأثيرتها الاقتصادية والمالية، كونه بلدا مستوردا للنفط، فخلال مدة هذا الارتفاع حاولت الحكومة وبطريقة غير مباشرة المحافظة على سعر لا يتجاوز 22 ألف ليرة (كسعر وسطي لأصناف البنزين الثلاثة في السوق المحلية 98 و95 و92 أوكتان)، وهذا يعني أن الحكومة تدعم بطريقة غير مباشرة سعر هذه المشتقات النفطية، ويمكن ملاحظة ذلك في جداول تركيب الأسعار خلال هذه المدة، ففي حين كانت الدولة تتقاضى على كل صفيحة رسم طابع مالي يصل ما بين 8 و9 دولارات، لا يتجاوز هذا الطابع اليوم 90 سنتاً على الصفيحة، وهو يعني أن الدولة تتحمل كل هذا الفارق في الأسعار عن المواطنالمستهلك، لكن بالتالي أمام الدولة التزامات وديون وغير ذلك ولا يمكنها أن تستمر في هذا الدعم غير المباشر الى ما لا نهاية، ويمكن احتساب خسارة الخزينة من جراء هذا الدعم، اذ ان الدولة كانت تدخل الى خزينتها ما يفوق النصف مليار دولار سنوياً، فكيف اليوم يمكن أن تعوض خسارتها؟
ولفت ياغي الى أهمية أن تدرس الدولة رفع سعر الصفيحة بشكل لا يتجاوز 3 أو4 آلاف ليرة، على أن تدعم في المقابل سعر صفيحة المازوت في السوق، والتي تجاوزت 19 ألف ليرة، باعتبار أن هذه المادة هي المادة الشعبية والتي يعتمد عليها بشكل أساس عند فئة اجتماعية عريضة، وخصوصاً في فصل الشتاء، وأن يكون هذا الدعم للمازوت بين شهر كانون الأول وآذار.
وأكد أن لا مشكلة لدى الشركات المستوردة للنفط، اذ هي تشتري وفق النشرة العالمية (بلاتس)، وبالتالي فإن عائداتها من جراء الاستيراد محفوظة من خلال النسب الموجودة على جدول تركيب الأسعار.
ويمكن ملاحظة كيفية تراجع مداخيل وايرادات البنزين، ففي حزيران العام 2004، كان ثمن ألف ليتر بنزين عيار 95 أوكتان 545 ألف ليرة، أي 545 ليرة لكل ليتر، و10900 ليرة لكل صفيحة عشرين ليتراً، وتبلغ نسبة الرسوم على كل صفيحة 7130 ليرة، وتراجعت هذه الرسوم بنسبة كبيرة، اذ في آخر جدول تركيب أسعار (11/10/2005)، يتبين أن ثمن كل ألف ليتر من البنزين 95 أوكتان تبلغ 783000 ألف، أي أصبح سعر الليتر 783 ليرة، و15660 ليرة لكل صفيحة عشرين ليتراً، وقد بلغت نسبة الرسوم على الصفيحة 1730 ليرة.
وبالمقارنة ما بين شهر حزيران 2004 وتشرين الأول 2005، يمكن ملاحظة الآتي:
ـ إن سعر ألف ليتر من البنزين 98 أوكتان، زاد نحو 239 ألف ليرة، فيما زاد سعر الألف ليتر من البنزين 95 أوكتان نحو 238 ألف ليرة، وسعر البنزين 92 أوكتان نحو 235 ألف ليرة.
ـ أما الرسوم على الألف ليتر 98 أوكتان فقد انخفضت نحو 271 ألف ليرة، و95 أوكتان نحو 270 ألف ليرة، وعلى بنزين 92 أوكتان نحو 267 ألف ليرة.
فيما استقرت حصة شركات التوزيع 15 ألف ليرة لكل ألف ليتر، كذلك ظلت أجرة النقل كما هي 8 آلاف ليرة، وعمولة صاحب المحطة 80 ألف ليرة.
إن سعر صفيحة البنزين هو جزء من مشكلة كبرى يعانيها قطاع النقل، ففي غياب أو نقص وسائل النقل العام، يرغم المواطنون على استعمال وسائل النقل الخاصة، وبالتالي فإن أي زيادة في أسعار البنزين تلتهم جزءاً من مداخيلهم الشهرية، ما يشكل مشكلة اجتماعية. من جهة أخرى، سيؤدي التخفيف من الضرائب والرسوم المفروضة على صفيحة البنزين الى تراجع واردات الخزينة، وبالتالي الى ارتفاع نسبة العجز وزيادة التضخم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.