ليس من قطاع في الدولة اللبنانية، تعرض لصفعات متتالية ومتكررة كما تعرض لها قطاع الكهرباء، وبدلاً من أن يكون هذا القطاع الذي ينتج سلعة حيوية واستراتيجية، مادة رابحة لخزينة الدولة، فقد تحول في عهد الادارة الحالية والتي سبقتها الى قطاع يثقل كاهل خزينة الدولة، مع استمرار الهدر وتراكم الدين، وهو ما يدفع الدولة الى تغطية العجوز الجارية في مؤسسة الكهرباء، من الخزينة بما يراوح بين 400 و600 مليون دولار سنوياً، وتبلغ نسبة الهدر غير التقني نحو 23%، وهي نسبة عالية جداً، كل ذلك نتيجة الهفوات والأخطاء العديدة وتعيين المحسوبيات دون المواصفات الأكاديمية المطلوبة، وغياب السياسة الطويلة المدى في ادارة القطاع لأعوام، نظراً الى التجاذب السياسي المتواصل.
واذ كان ارتفاع أسعار النفط سبباً من أسباب العجز في مالية المؤسسة، وعدم تأمينه هو السبب المعلن في تتابع انقطاع التيار الكهربائي، فإن الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السنيورة، تسير في الاتجاه الصحيح لجهة تأمين المشتقات النفطية لزوم معامل انتاج الطاقة في لبنان، وعلى مبدأ الاستيراد من دولة الى دولة، وهو ما يبشر به قرب توقيع الاتفاق مع دولة الكويت، والذي يتوقع أن يخفض فاتورة المشتقات النفطية البالغة نحو 1.2 مليار دولار سنوياً ، بين 45 و55 مليون دولار سنوياً، إضافة الى قرار الحكومة الحالية بالشروع في بدء محاثات مع الدولة القطرية بشأن الغاز الطبيعي لتحقيق وفر في الفاتورة النفطية، يقارب نسبة بين 30 و40%، وهو ما يعني أن جزءاً رئيسياً من مشكلات الكهرباء في طريقه الى الحل، ولكن يبقى العديد منها رهن السؤال حول الآلية التي يمكن من خلالها انتاج حل دائم ومستدام للكهرباء.
وعليه، فقد ذكّر المراقبون بالموقف الحكيم الذي كان يصر عليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعدم الافراط في الاستدانة لشراء النفط قبل أن يتم تصحيح هذا القطاع وتنظيمه وتقوية الفوترة والجباية، باعتبار أن ما يجري فيه، نزيفاً مالياً مستمراً وضد مصلحة البلد.
والسؤال هو كيف يمكن لمؤسسة الكهرباء أن تنتج كامل طاقتها الانتاجية والمقدرة اسمياً بنحو 2150 ميغاوات، والفعلية نحو 1850 ميغاوات، فيما الواقع الراهن لهذه المعامل لا يشير الى انتاج أكثر من 1200 ميغاوات على أبعد تقدير، حتى لو تم تأمين مادتي الغاز والفيول أويل، وذلك نتيجة لممارسات الادارة الحالية، ولأسباب جلها أصبح معلوماً مع تكرار الأزمات والاختباء وراء مبررات عدم التأمين الدائم للمشتقات النفطية، ويمكن توصيف الوضع الراهن للمؤسسة بأنه بحاجة كبيرة وماسة، للشروع فوراً باجراء خطط عملانية وتنفيذية، بعد كثرة الخطط والدراسات التي وضعها وزراء الطاقة المتعاقبون على وزارة الطاقة والمياه، وبقيت حبراً على ورق، ولم تدخل حيز التنفيذ والتطبيق لحاجتها الى قرار سياسي، وابعاد المحسوبيات عن المؤسسة.
وفي هذا الاطار، تشير المصادر، الى أن الأوضاع الحالية لقطاع الكهرباء، هي كالآتي:
الانتاج: 1 ـ القدرة المتوفرة على الشبكة تبلغ نحو 1200 ميغاوات غير آمنة، في حين أن القدرة المجهزة للمعامل الحرارية تتجاوز 2000 ميغاوات، نصفها معامل حديثة (97 ـ 98) ونصف الآخر أنجز تأهيل بالكامل (9697).
ويشار في هذه الاطار، الى أن معامل الكهرباء التي تستعمل مادة الديزل أويل، تستهلك نحو 1440 طن يومياً، وتنتج طاقة اسمية 940 ميغاوات وتتوزع على معامل: دير عمار، الزهراني، بعلبك وصور. وفي المقابل، فإن المعامل التي تعمل على الفيول أويل، تستهلك نحو 3200 طن يومياً، وتنتج طاقة اسمية 1131 ميغاوات، وتتوزع على معامل: الجية، الزوق والحريشة.
وتنتج المعامل المائية نحو 100 ميغاوات، وهي: الليطاني، البارد، نهر ابراهيم والقاديشا.
2 ـ تشغيل معملي دير عمار والزهراني (تكلفة انشائهما نحو 900 مليون دولار) بعقود موقتة مع شركة غير مؤهلة، علماً أن المسؤولية الكاملة هي لمؤسسة كهرباء لبنان.
وهنا تبرز مشكلة معامل الانتاج التابعة للمؤسسة، تحتاج الى التأهيل والتطوير والتحديث، بالإضافة الى ايجاد صيانة وتشغيل دائمينOPERTION & MAINTENANCE ، تقلل من تكلفة الانتاج والذي يتضاعف جراء هذا الاهمال ملايين الدولارات في السنة الواحدة.
اذ سبق لوزير الطاقة السابق موريس صحناوي، أن نعى معملي الجية والزوق وهما يشكلان نصف معدل انتاج الطاقة نحو 900 ميغاوات، لأكلهما عمريهما بعد ثلاثين سنة من العمل، اذ أن قطع الغيار المطلوبة لها لم تصل بعد، علماً أنه في عهد وزير الطاقة السابق أيوب حميد، في آذار العام 2003 "وافق مجلس الوزراء على طلب المؤسسة على شراء قطع الغيار اللازمة لمعملي الذوق والجية وفتح الاعتمادات اللازمة لذلك، وقيمتها 11.7 مليون دولار"، وفي انتظار وصول القطع من ايطاليا، بقي هذان المعملان يستهلكان أكثر مما ينتجان، ولم يعرف شيء عن مصير القطع.
ناهيك، عن سوء صيانة المعامل الأخرى وتبدأ من الزهراني وصولاً الى دير عمار، والتي تكررت أزماتها في المدد الأخيرة، فلا يكاد ينهض معمل من عطل إلا ويقع آخر في عطل آخر، وعلى المواطن أن يتحمل ذلك تقنيناً ودفع فاتورتين لا فاتورة واحدة عن الكهرباء.
3 ـ لم يتم في عهد الادارة الحالية أي أشغال تأهيل أو صيانة عامة أو شراء قطع غيار، تمهيداً للصيانات المتوجبة، وذلك لأي من المجموعات.
4 ـ تمت في عهد هذه الادارة عرقلة اتفاقات شراء المحروقات من دولة لدولة، باصطناع التشدد بموضوع المواصفات.
على صعيد النقل:
1 ـ شبكة الـ220 ك.ف والتي من المفترض انجازها بالكامل منذ سنوات عدة، ما زالت متعثرة بسبب موقف الادارة وعدم قيامها بالجهد المطلوب.
2 ـ معظم مكونات الشبكة القديمة (محولاتخطوط) تعمل بطاقتها القصوى وبدون احتياط لعدم قيامها بأي اجراء لتدارك هذا الوضع الخطير.
3 ـ لم يتم تنفيذ مشاريع تجهيز محطتي بعلبك وصيدا أو مركز التحكم وحلقة الجنوب 66 ك.ف رغم اقرار منذ سنوات عدة.
على صعيد التوزيع:
1 ـ وجود آلاف معاملات الزبائن غير المنفذة لعدم توفر المواد والمعدات اللازمة ومتعهدي التركيب.
2 ـ التنازل عن الحد الأدنى من الدور للمؤسسة في الجباية والقراءة ومراقبة ذلك، عبر التلزيم الى متعهدين غير مؤهلين في الغالب، وعدم ادارة هذه العقود ومتابعتها مما أدى الى تراجع نسب الجباية والفوترة والتحصيل إضافة الى ارتفاع التكلفة.
3 ـ إن هذه العقود على علاتها ورغم انتهاء أجلها، قد تم تجديدها مدة ثلاثة أشهر دون تحضير أي بدائل لها سواء بطريقة التلزيم أو الاكراء أو بامكانات المؤسسة.
الوضع المالي: فوضى مالية كاملة لعدم امكان انجاز الحسابات المالية السنوية عن السنوات السابقة (كما ورد في تقرير المراقب المالي السنوي عن العام 2004).
على صعيد الوضع الاداري:
1 ـ وجود أكثر من 2200 عامل متعهد (بما يزيد عن عدد موظفي المؤسسة) تمت الاستعانة بهم، دون مقاييس واضحة أو مؤهلات بنتيجة التدخلات وهو ما يشكل عبئاً مالياً ثقيلاً إضافة الى مشكلة اجتماعية لاحقاً تعيق خيارات المؤسسة الاستراتيجية.
2 ـ الاصرار على عدم انجاز نظام مستخدمين ونظام داخلي، الأمر الذي ينعكس استنسابية كاملة في التعيين والنقل وتوزيع وتوزيع المهام وتعديل مراكز العمل وخلق وظائف غير موجودة...ما أدى لتعطيل هيكلية المؤسسة وفوضى ادارية عارمة وشلل أعمال المؤسسة.
علماً أن أحد الوزراء السابقين للطاقة سبق أن وصف "النظام الداخلي للمؤسسة بأن عمره مئة، ولا يلبي حاجة المؤسسة، كل قرار للموافقة عليه يحتاج مئة سنة، فهل يعقل هذا في مؤسسة تقارب نفقاتها المليار دولار في السنة".
3 ـ محاولة خلق ادارة بديلة مطواعة بواسطة مستشارين غير مؤهلين برواتب مرتفعة يتبعون المدير العام مباشرة ويتدخلون بكل شؤون وأمور المؤسسة.
4 ـ احاطة المديرية العامة نفسها بمجموعة من المنتفعين، توزع عليهم المنافع والتعويضات من المال العام، كما جرى توزيع عائدات المحاضر والجباية وتعويضات أخرى.
وتسأل مصادر في مؤسسة الكهرباء، "ما هو المغزى من منح رئيس الجمهورية اميل لحود، الشهر الماضي، المدير العام للمؤسسة كمال الحايك "وسام تقدير"، هل لأنه أنعم على الناس بالكهرباء 24/24 ساعة، وهل لعصيانه أوامر التعيين التي صدرت عن الوزير السابق بسام يمين في القاديشا؟".
وتضيف "أليس الحايك هو من عطل دور مجلس الادارة، وصادر قراره، بتفرده وعدم اطلاع المجلس على معظم القرارات؟".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.