تدفع الأزمة الأخيرة على الحدود اللبنانيةالسورية، والتي باشرها الجانب السوري، وحوّل فيها الطرق الدولية المؤدية الى هذه الحدود، الى شرايين توشك على الانفجار اقتصادياً وسياسياً، دون مراعاة لأي من الاتفاقات الثنائية المعقودة بين البلدين، على مدى 15 عاماً، خصوصاً أن سوريا لم تكن متضررة منها، بل يمكن القول إن سوريا كانت الأكثر استفادة اقتصادياً وسياسياً، وليس أدل على ذلك من تحول لبنان الى سوق عمل كبير لمئات الآلاف من العمال السوريين، فضلاً عن أن الميزان التجاري في العلاقة التجارية البينية بين البلدين ظل لمصلحة سوريا من العام 1990 وحتى العام 2004.
فمنذ العام 1990 باشر المسؤولون اللبنانيون والسوريون عقد لقاءات ومحادثات، توصلوا خلالها الى توقيع 112 اتفاقية ومعاهدة وبروتوكولاً مشتركاً ومذكرات تفاهم وتعاون ارتكز معظمها على معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق الموقعة في 30 أيار 1991، منها ثلاثة اتفاقات تتعلق بالمعابر على الحدود، وهي: 1"تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع16/9/1993"، 2"انشاء مكاتب حدودية مشتركة12/1/1997"، "التعاون الاداري المتبادل في القضايا الجمركية14/1/2004".
يضاف اليها بروتوكولات ومذكرات تفاهم تتعلق بأوضاع الشاحنات على الحدود اللبنانيةالسورية، منها :"بروتوكول لتوحيد قواعد واجراءات المرور والمكث الموقت للمركبات الأردنية، السورية واللبنانية9/4/2001"، "مذكرة تفهم بشأن توحيد أنظمة الحمولات المحورية للشاحنات الأردنية، السورية واللبنانية لنقل البضائع22/10/2002".
وبالعودة الى اتفاق تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية، فقد نصت المادة الأولى منه "يعمل الطرفان المتعاقدان على تسهيل انتقال الأشخاص ونقل البضائع من والى بلديهما وعبرهما وفقاً لأحكام هذا الاتفاق والأحكام القانونية الأخرى، التي لا تتعارض مع نصوصه في كل من البلدين".
وفي ما يتعلق بنقل البضائع عبر البلدين، فقد نصت المادة (7) "يعمل في ما يتعلق بتنظيم النقل بالعبور (ترانزيت) بأحكام هذه اتفاقية النقل بالعبور (الترانزيت) بين دول الجامعة العربية الموقعة في القاهرة في 14/3/1977 والتي التزمت بها حكومتا البلدين"، فيما نصت المادة (9) على انشاء لجنة مشتركة دائمة بين الطرفين المتعاقدين مهمتها "السهر بوجه عام على تنفيذ أحكام هذا الاتفاق واقتراح كل ما من شأنه تذليل الصعوبات التي قد تنشأ لدى التطبيق، والنظر بالاعتراضات والشكوى والتحقيق بشأنها واقتراح الحلول الملائمة على الجهات الرسمية المختصة في كل من البلدين".
ويشار الى أن اتفاقية تنظيم الترانزيت التي وقعت في العام 1953 في اطار جامعة الدول العربية، وكان لبنان وسوريا من الدول الأول التي وقعتها آنذاك، ثم انضمت اليها دول عربية أخرى فيما بعد، قد نصت في مادتها الرابعة "تتعهد الأطراف المتعاقدة بتسهيل حركة الترانزيت عبر بلادها بعموم وسائل النقل وفقاً للأنظمة المرعية والقواعد الجمركية في البلد الذي عبره تجارة الترانزيت".
وفي العام 1999 صدر القانون رقم 65 عن مجلس النواب اللبناني، والذي أجاز فيه للحكومة اللبنانية ابرام الاتفاقية المتعلقة بانشاء مكاتب حدودية مشتركة بين لبنان وسوريا الموقعة بين حكومتي البلدين في دمشق بتاريخ 12/1/1997، وقد اتفقت الحكومتان السورية واللبنانية في المادة الثالثة من الفصل الأول من هذه الاتفاقية على أن "يتخذ الطرفان المتعاقدان، في اطار هذه الاتفاقية والاتفاقيات الأخرى المعقودة بينهما، جميع التدابير اللازمة لتسهيل وتسريع حركة انتقال الأشخاص ونقل البضائع، في الخروج والدخول، من والى بلديهما، ويمكنهما من أجل تحقيق هذه الغاية، انشاء مكاتب تقع مباشرة على جانبي الحدود بين الدولتين أو عند الاقتضاء داخل اقليم إحدى الدولتين، وعلى مسافة قريبة من الحدود قدر المستطاع".
ونصت في المادة (24)، بحق الأشخاص القادمين من الدولة الأخرى "أن ينجزوا المعاملات المتعلقة بأعمال المراقبة الجمركية في الأماكن والمكاتب المخصصة لهذه الدولة في دولة المقر، وبذات الشروط كما لو كانوا يعملون على أراضي الدولة التي ينتمون اليها"، أما المادة (25) فأكدت أنه "يمكن لمخلصي البضائع المرخصين القادمين من الدولة الأخرى لتخليص بضائع ليست لهم، أن ينجزوا معاملاتهم وفقاً لأحكام المادة (24) من هذه الاتفاقية، وهم يخضعون بهذه الصفة للأحكام القانونية والنظامية والادارية التي ترعى مهنة تخليص البضائع في بلدهم، وتعتبر المعاملات المنجزة والخدمات المقدمة من قبلهم على هذا النحو، كما لو أنها حصلت في بلدهم، وخصوصاً لجهة النتائج القانونية والمالية المترتبة على انجازها".
ويشار في هذه الاطار، الى أن عدد الشاحنات المخصصة للنقل الخارجي والبضائع على الحدود اللبنانيةالسورية، وفي كلا الاتجاهين (سوريالبنان)، يبلغ تعدادها يومياً في الأحوال العادية نحو 800 شاحنة، بحسب مصادر في وزارة النقل اللبنانية.
إن الحركة التجارية بين لبنان وسوريا ومن ضمنها تجارة الترانزيت عبر الأراضي السورية تصل الى نحو ألف مليار ليرة سنوياً، وهو ما يؤشر الى أهمية اجراءات تسهيل نقل البضائع عبر المنافذ الحدودية بين البلدين، إلا أن العوائق الأخيرة على الحدود وإن اختلفت مسمياتها، فهي ستؤدي الى خفض هذه الحركة التجارية وستكون لنتائجها المالية آثار سلبية على البلدين.
وتظهر دراسة عن الجدوى الاقتصادية وضعتها "اسكوا"، لتسهيل انسياب التجارة وتبادل البضائع بين لبنان وسوريا والأردن عبر موانئها وأراضيها، أن الدول الثلاث ستستفيد بقدر كبير من إزالة العوائق الجمركية عبر المنافذ البرية المشتركة بينها والبحرية للدول الثلاث، ستؤدى الى منافع اقتصادية لهذه الدول بحلول العام 2007 تقدر بنحو 182 مليون دولار، هو 52 مليون دولار في السنة للأردن (29% من اجمالي المنافع) و73 مليون دولار لسوريا (40%) و56 مليون دولار للبنان (31%)، أي أن نسبة توزيع المنافع بين الدول ستكون مرتفعة بعض الشيء بالنسبة لسوريا (10%)، وهذا منطقي حيث إن التبادل للبضائع عبر الدول الثلاث يجب أن يمر عبر سوريا في جميع الحالات.
ومن خلال متابعة مسار التبادل التجاري بين لبنان وسوريا، يظهر أنه منذ العام 1993 ولغاية العام 2004، كان الميزان التجاري لمصلحة سوريا، لكن لوحظ أنه منذ 1/1/2005 ولغاية 31/5/2005، انعكس التبادل التجاري بين البلدين لمصلحة لبنان، فقد استورد لبنان من سوريا بـ113 مليار ليرة وصدر اليها بـ131 مليار.
أما فيما يتعلق بتجارة الترانزيت عبر الأراضي السورية منذ بداية العام الجاري ولغاية 31/5/2005، فبلغت نحو 142 مليار ليرة، وسجلت خلال العام 2004 نحو 535 مليارا، فيما سجلت نحو 278 مليارا في العام 2003.
وبالعودة لتاريخ تطور التبادل التجاري بين لبنان وسوريا خلال الحقبة الممتدة بين الأعوام 1993 و1999، فقد شهدت الصادرات اللبنانية الى سوريا تقلبات، بحيث لم تتبع نمطاً تصاعدياً أو تراجعياً ثابتاً، فبعد أن بلغت 52.7 مليون دولار في العام 2003، ارتفعت الى 70.1 مليون دولار في العام 1996، لتعود الى الانخفاض لأدنى مستوياتها في العام 1999، بعد أن بلغت 32.3 مليون دولار، غير أن الصادرات اللبنانية الى سوريا من اجمالي الصادرات اللبنانية تراجعت تدريجياً من 11.66% عام 1993 الى 6.89% عام 1996 (وهو العام الذي شهد أكبر قيمة للصادرات اللبنانية الى سوريا) فالى 4.77% في العام 1999، وذلك على الرغم من أن الصادرات اللبنانية الاجمالية شهدت زيادة نسبتها 49.78% مقارنة بالعام 1993 وهو ما يعني تراجع الصادرات الى سوريا بنسبة 38.71%.
أما المستوردات اللبنانية من سوريا خلال الفترة الممتدة من العام 2003 الى 1999، فراوحت بين 223.5 مليون دولار حدا أدنى و325.9 مليون دولار حدا أقصى.
واستمر هذا التبادل التجاري لمصلحة سوريا، منذ العام 2000 ولغاية العام 2004، وفي هذا الاطار تشير الاحصاءات الى أن لبنان استورد في العام 2000 من سوريا بـ427 مليار ليرة وصدر اليها بـ89 ملياراً، وفي العام 2001 استورد منها بـ494 مليار ليرة وصدر اليها بـ53 ملياراً، وفي العام 2002 استورد منها بـ312 مليار ليرة وصدر اليها بـ114 ملياراً، وفي العام 2003 استورد منها بـ391 مليار ليرة وصدر اليها بـ150 مليار ليرة، واستورد خلال العام 2004 من سوريا بـ361 مليار ليرة وصدر اليها بـ218 مليار ليرة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.