بلغت الاستدانة لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان في عهد الوزيرين السابقين للطاقة والمياه موريس صحناوي وبسام يمين، ما يقارب النصف مليار دولار، بحسب مصادر مطلعة على شؤون مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك في خضم الحديث عن أزمات الكهرباء المتتالية، وكان آخرها أزمة الأسبوع الماضي التي نجمت بفعل نفاد مادة الفيول أويل ووصول شحنات منها غير مطابقة لدفتر الشروط.
وعلقت هذه المصادر على كلام وزير الطاقة والمياه بسام يمين، قوله إنه ضد إعادة هيكلة المؤسسة "لأنها مضيعة للوقت"، ليقول في الوقت عينه "إن الخصخصة هي الحل"، فاعتبرت أن إعادة الهيكلة خطوة أساسية لأي عملية تخصيص، وقد وافقت عليها كل الحكومات السابقة والبنك الدولي، وهي محددة في قانون الكهرباء الحديث، وبالتالي فإن لا تناقض بين إعادة الهيكلة وتخصيص المؤسسة، إذ أن الأولى مقدمة للسير بالثانية.
وعليه فإن أي حكومة ستلتزم بقانون تنظيم الكهرباء رقم 462/2002، فإنها ستعمل على إعادة هيكلة مؤسسة الكهرباء انتاجاً وتوزيعاً وجباية، كما يشير القانون، بحيث تلتزم المؤسسة بموجبه المعايير السليمة لإدارة الأعمال، وتقوم بوضع خطط مالية وعملانية تتبلور في موازنة سنوية.
وتلفت المصادر الى أن مجلس النواب قد أقر قوانين عدة، منها قانون الكهرباء وقانون الـB.O.Tللمصافي ومعامل الغاز الطبيعي السائل وخط الغاز العربي، مع العلم أنه ولغاية اليوم، وبرغم إقرار هذه القوانين، فإنها لم تطبق ولم يعمل بمعظمها مع كل ما تمثله من خطوات جريئة ومدروسة باتجاه تحسن القطاعات المذكورة.
وتشير الى أن قانون الكهرباء، وضع لتطوير هذا القطاع وتحويله الى قطاع منتج يغذي خزينة الدولة ولا يستنزفها، وتضيف المصادر أن النائب محمد قباني طالما سعى الى تطبيق القانون المذكور والتذكير به، كحل فعلي ودائم لأزمة قطاع الكهرباء، التي وصفها بـ"الكارثة الوطنية"، خصوصاً وأن معظم معامل الطاقة الكهربائية (2100 ميغاوات)، قد تدنى مستوى انتاجها الى النصف، لسوء إدارتها وعدم اتباع نظام سليم، فمعمل الزوق يعمل بوحدتين فقط من أصل أربعة ومعمل دير عمار يعمل بوحدتين من أصل ثلاثة، وهكذا دواليك في المعامل الأخرى.
وبحسب المصادر المذكورة، فقد بدأ العمل على مشروع إعادة تنظيم الكهرباء منذ نحو 10 أعوام، ورأى النور بصدور القانون سنة 2002، والذي يتضمن مجموعة محاور تشكل الركيزة الأساس لإنماء وتطوير وتحسين قطاع الكهرباء، وتقول هذه المصادر إنه لو تم العمل بهذا القانون منذ صدوره، لكان قد نما نمواً ايجابياً تتراوح قيمته من 4 الى 6%، إلا أن التطبيق الفعلي للقانون قد تجمد بفعل التجاذبات السياسية التي توالت، مع الملاحظة أن كل الأطراف المعنية بهذا الملف (بدءاً بالحكومات مروراً بوزارة الوصاية وصولاً الى مؤسسة الكهرباء) أقرت المقترحات المذكورة في القانون واعتبرتها الدعامة الأساسية للخروج بهذا القطاع من النفق المظلم الذي يتخبط به.
والمفارقة أن التأخر في التطبيق، والتي حددها القانون بـ3 أشهر، قد امتدت الى 3 سنوات، ثم إن التغيير المستمر في الحكومات أثر سلباً في إمكان تطبيق هذا القانون، بل تعداه في الفترة الأخيرة الى ضرب روحية القانون والمفاعيل التي وضع على أساسها.
وتقول هذه المصادر "إن قانون الكهرباء قد حدد القواعد والمبادئ التي ترعى قطاع الكهرباء، بما في ذلك دور الدولة في القطاع، كما حدد الأسس التي تنظمه وقواعد تحويله أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً الى القطاع الخاص، ولم يقتصر مضمون القانون على ذلك وحسب، بل وضع أيضاً مبدأ استقلالية كل من أنشطة وانتاج وتوزيع الكهرباء، كما عمل في المادة المتعلقة بتأسيس الشركات المتخصخصة، على أيضاح ودراسة كل الجوانب التي تتعلق بتأسيس الشركات وإدارتها، ويوضح بشكل مفصل أصول خصخصة القطاع، ولم يغفل موضوع الهيئة الوطنية لتنظيم المؤسسة التي تتولى تنظيم وإدارة القطاع، وباختصار يمكن القول إن القانون المذكور عالج المشكلات والمعضلات الأساسية في الكهرباء".
وتضيف "من الناحية العملية، تضمن القانون حث وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في قطاع الكهرباء، من خلال السماح لتلك الشركات بإنشاء معامل الانتاج الخاصة بقدرة تفوق الـ10 ميغاوات (Independent Power Producer IPP) وبيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين، وقد حاول بعض المستثمرين من القطاع الخاص خلال الأعوام الماضية، الحصول على اذن لإعادة تأهيل بعض الوحدات وتغييرها في محطة الجية، غير أن الأطر القانونية لم تسمح بذلك في حين أن القانون المذكور ينظم هذا الأمر مما يسهم في تقديم الحلول التقنية لمساعدة المؤسسة على تقوية الانتاج دون تكلفة زائدة، ويسمح هذا الأمر بخلق سوق تنافسية بين منتجي الكهرباء، تؤدي الى منافسة حقيقية في الأسعار وتنعكس ايجابياً على كل فئات المستهلكين، من أبرزها الفائدة التي قد تجنيها الصناعة في لبنان عن طريق تأمين الكهرباء بأسعار مخفضة مما يدعم الاقتصاد الوطني عموماً، ويسمح القانون وعلى نحو تدريجي بتخصيص مؤسسة الكهرباء أو إشراك القطاع الخاص فيها، مما كان يفترض دخول ملياري دولار على الأقل من القطاع الخاص الى خزينة الدولة وبالتالي خفض حجم الدين العام".
وتسأل هذه المصادر، عن الخطوات التي نفذتها وزارة الطاقة والمياه في عهد الوزير السابق موريس صحناوي، وحول عدم متابعته لمشكلات الصيانة الدورية ومشكلات قطع الغيار في جميع المعامل الحرارية، واعتبرت أن الوزير صحناوي نسف كل الخطط والبرامج التي تركها أسلافه، والتي حظيت بموافقة المنظمات الدولية، وحكومات الشهيد رفيق الحريري المتعاقبة، ومن أهمها وقف مشروع صيانة وتشغيل وإدارة خط الغاز، الذي ينقل الغاز السوري الى لبنان بسعر مشجع حدده القانون 509 (الإجازة للحكومة إبرام اتفاق بيع الغاز من الشركة السورية للنفط)، ويمكن القول الآن ومع الارتفاع المستمر في أسعار النفط العالمية، إن سعر الغاز السوري المحدد في القانون المذكور أصبح منافساً جداً، ويستطيع تأمين وفر مالي كبير للخزينة وفقاً لمسؤول في مديرية الانتاج في مؤسسة الكهرباء، تماماً كما أظهرت دراسة الوفر في المؤسسة والدراسة التي طلبتها حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري العام 2003 من وزير الطاقة والمياه آنذاك أيوب حميد، اذ أن عقد الشراء تم بحسب معادلة يتراوح فيها سعر برميل النفط بين 18 و24 دولاراً للبرميل الواحد كحد أقصى، في حين أن السعر الحالي قد فاق الـ60 دولاراً للبرميل الواحد.
وتسأل هذه المصادر، عن سبب وقف هذا المشروع من قبل الوزير السابق صحناوي، ويجمعون على أن الأسباب التي ذكرها، إنما هي غطاء صوري لأسباب أعمق، فبعض شركات النفط التي تتعامل مع مؤسسة الكهرباء، إنما قد تفتح اعتمادتها في المصرف التابع للوزير المذكور، وقد يكون وقف مشروع الغاز أو تأخيره لمصلحة عمل بعض شركات النفط على حساب خزينة الدولة.
ويضيف هؤلاء المراقبون، من أوقف ملف الـB.O.T، الخاص بمصفاتي الزهراني والبداوي والذي طالب به الرئيس الشهيد رفيق الحريري من سنين عدة، خصوصاً أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تحتاج الى مصافٍ إضافية عديدة، بسبب الطلب المتزايد على البترول، ويعتبر هذا الأمر من أكبر الحوافز لمنظمة أوبك لزيادة انتاجها.
وتذكّر بالموقف الحكيم الذي كان يصر عليه الرئيس الشهيد الحريري عبر وزير المال السابق المكلف الآن بتشكيل الحكومة العتيدة فؤاد السنيورة، بعدم الإفراط في الاستدانة لشراء النفط قبل أن يتم تصحيح هذا القطاع وتنظيمه وتقوية الفوترة والجباية، لأنهما اعتبرا أن ما يجري فيه، نزيفاً مالياً مستمراً وضد مصلحة البلد.
وتختم هذه المصادر، أن الصفعات المتتالية التي تعرض لها قطاع الكهرباء، قد أثرت سلباً في عمله، وحولته الى قطاع يثقل كاهل خزينة الدولة، كل ذلك نتيجة الهفوات والأخطاء العديدة وتعيين المحسوبيات دون المواصفات الأكاديمية المطلوبة وغياب السياسة الطويلة المدى في ادارة القطاع لأعوام نظراً الى التجاذب السياسي المتواصل، وخلصت هذه المصادر الى التمني بتنفيذ وتطبيق قانون قطاع الكهرباء في أقرب وقت.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.