8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خليفة: المشروع لا يخيفني ولدى الوزارة خطتها

أثار إعلان خفض سعر الدواء، الذي طرحه وزير الصحة محمد جواد خليفة، خلال اليومين الماضيين، الكثير من علامات الاستفهام، حول مدى جدية هذه الخطوة، والى أين سيصل، وهل الوزير بوارد معركة جدية مع نحو 10 مجموعات أو شركات تسيطر على سوق الدواء في لبنان الذي يقدر حجمه بنحو 600 مليون دولار سنوياً، تسهم بشكل كبير في تضخيم الفاتورة الصحية، وتبلغ نسبتها 25% من حجم الإنفاق الصحي في لبنان.
وعلمت "المستقبل" أن الخطة التي سيعتمدها الوزير في خفض سعر الدواء، تقضي بخفض الشطور التي يحتسب على أساسها سعر الدواء، من دون المساس بسعر الفوب ئُق، أي سعر المنشأ.
ويتألف سعر الدواء، من سعر المنشأ، إضافة الى 10% كربح للمستورد، 11.5% تخليص بضاعة، 7.5% للشحن، 22.5% ربح الصيدلي، يضاف إليها بند مصاريف أخرى، أي أن السعر يتألف من: سعر بلد المنشأ مضروب بـ1.7% (رسوم وأرباح)، وبذلك يزيد السعر في بيروت عن سعر المنشأ بنحو 71%.
وبالمقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي فإن سعر الدواء، يتألف من: سعر بلد المنشأ * 135%.
وإذا كان هذا الإعلان موضع ترحيب لدى الجميع، فإنه في ذات الوقت يثير قلقاً لدى الكثيرين من أن يكون مجرد طموح لا أكثر، مع تكرار هذه التجربة منذ السبعينات والتي باءت جميعها بالفشل، مع تسلّط "كارتل" الدواء على السوق، وعدم قدرة العهود المتتالية على ضرب هذا الكارتل والحد من نفوذه، وتغلغله في الوسط السياسي.
ويأتي تحكم هذا "الكارتل" مع اعتماد لبنان على الأدوية المستوردة بنسبة 92%، فيما لا يصنع أكثر من 8% من حجم حاجة السوق.
وهذا يعني أن خطوة الوزير خليفة المرتقبة بحاجة للدخول في إصلاحات أساسية في السياسة الصحية والدوائية في لبنان، انطلاقاً من الإصلاح الإداري، الذي بإمكانه ضبط الفوضى في القطاع الصحي بشكل عام.
وإذا كانت الخطوة تتطلب قراراً سياسياً داعماً، فإنه في جانبه التقني بحاجة الى التطرق جدياً الى سعر الـ Fob، والتركيز على سعر دولة المنشأ، خصوصاً أن الوزارة لا تهتم بهذه الناحية، وهي الأساس في تركيب سعر الدواء.
إن ضبط فوضى سوق الدواء، يعني تقليل كميات الدواء الموجودة في السوق المحلية من 4 آلاف صنف الى الثلث، بحسب دراسة منظمة الصحة العالمية والخبراء، للاتجاه نحو اللائحة الأساسية، خصوصاً أن بريطانيا لا تعتمد أكثر من 850 صنف دواء.
"المستقبل" تلقي الضوء على هذه المشكلة، من خلال السؤال عن مدى إمكانية تطبيق إعلان وزير الصحة، والعقبات، والحلول.
وأكد وزير الصحة محمد جواد خليفة، أنه سيمضي قدماً بخطوة خفض سعر الدواء، وأنه لا يخاف من مواجهة المافيا التي تحتكر السوق.
وقال في اتصال مع "المستقبل"، "إني أعلم مدى الصعوبة التي ستواجه هذه الخطوة، إلا أن مثل هذا المشروع الذي يصبّ في خانة المصلحة الوطنية، لا يخيفني أبداً".
وأشار الى أن المفاوضات جارية منذ أكثر من أسبوعين مع جميع الذين يتعاطون ملف الدواء، من نقابات وقطاعات صحية وتجار، وأن هناك تقدماً في هذه المفاوضات، ونحن نحاول أخذ الموافقة من هذه القطاعات جميعها، لوضع آلية التنفيذ.
وأوضح أنه لدى الوزارة خطة في هذا الإطار، سيفصح عنها عقب انتهاء المفاوضات وأخذ الموافقة، وأنه سيعلن خلال الأسبوعين المقبلين عن الموضوع.
ولفت وزير الصحة، الى أن هناك إجراءات كثيرة لدى الدولة يمكنها ضبط السوق المحلية للدواء، وتنظيم السياسة الدوائية، وأشار الى أن الوزارة بدأت مفاوضات أيضاً مع الدول التي يستورد منها لبنان الدواء، وأن هناك تجاوباً منها.


نجري مفاوضات مع المعنيين والنتائج خلال أسبوعين


يشير مدير وحدة التخطيط والدراسات في وزارة الصحة الدكتور بهيج عربيد الى أن هناك طروحاً عدة الآن وسابقاً تضعها الوزارة، تهدف الى خفض سعر الدواء، كما أن هناك اجتماعات مع شركات الأدوية والمستوردين، لمعالجة هذا الموضوع.
ونحن في المبدأ نؤيد كل إجراء يقدم عليه وزير الصحة لخفض الفاتورة الدوائية، وضرب الاحتكار في هذا القطاع.
ومحاولات خفض سعر الدواء وضبط سوقه، بدأت مع الوزير إميل بيطار، مروراً باستيراد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في مراحله الأولى في السبعينات وصولاً الى إنشاء المكتب الوطني للدواء في التسعينات، ولكن ما هي النتائج التي تمخّضت عنها هذه المحاولات:
أولاً: إن تجربة الوزير بيطار اضطرته الى الاستقالة لتجرؤه على دخول ملكوت الدواء وكان يطمح لخفض سعره.
ثانياً: إن تجربة الصندوق الوطني للضمان، كانت تجربة رائدة جداً، واستطاعت خفض سعر الدواء بما نسبته 40 و50% للمضمونين، وبدلاً من الاستمرار، توقف الضمان عن الاستيراد بإرادة مجهول!
ثالثاً: إن المكتب الوطني للدواء، الذي شكل ورصدت له مبالغ وأجهزة بشرية وتقنية، واستؤجرت له المكاتب، تبخّر على الرغم من أن كل الدراسات التي أجراها أدت الى خفض سعر الدواء بنسبة 50%.
ولذلك نحن نعتبر أن المشكلة الأساسية في الدواء هي في جوهر السياسة الدوائية، التي اعتمدت السوق الحرة المفتوحة، التي أدت الى الاحتكارات الحالية من قبل مجموعة صغيرة من التجار".
ويضيف "ان أي محاولة لتصحيح هذا الوضع، لن تجدي نفعاً في المستقبل، إلا إذا عالجنا مجمل مرتكزات السياسة الدوائية الحالية، ومنها:
ـ إن المنطلق الجوهري في تصحيح السياسة الدوائية، يكمن في إنشاء المكتب الوطني للدواء، ليشكل الأساس في مشتريات القطاع العام من الأدوية، ويلعب دور Central D'Achat، أو ما يعرف بمركزية المشتريات للأدوية واللوازم الطبية.
وهذه الصيغة تعتمدها دول عديدة في العالم، فمثلاً أنشأت دول مجلس التعاون الخليجي مثل هذه المركزية، واستطاعت من خلالها توفير مئات ملايين الدولارات.
كما اعتمدت هذه الصيغة في كل من إيران ودول شمال افريقيا وألمانيا، كما اعتمدتها مستشفيات باريس التي لديها أسرة بحدود 36 ألف سرير أي بحجم لبنان على ثلاث مرات".
ويشير الى أنه "كان من المفترض أن يتمتع المكتب الوطني للدواء، بهذا الدور، إلا أنه مع الأسف أقفل.
ولذلك، فإن المطلوب هو إعادة تركيب ملكية هذا المكتب، وجعله مؤسسة مساهمة تشارك فيه الدولة بجزء من رأسمالها ويفتح المجال لبقية القطاعات الطبية والقطاع الأهلي والتجار، للمشاركة في نسب تمنع الاحتكار، وتمنع سيطرة مجموعة من التجار على السياسة الوطنية للدواء من خلال اعتماد قوانين بهذا الشأن".
ويضيف أنه من ضمن هذه المرتكزات لتصحيح الخلل في السياسة الدوائية، أن تحسم المؤسسات الضامنة خياراتها، وأن تعتمد الأدوية النظامية الـGenerique كأساس لتقدير تكلفة الدواء في الخدمات المقدمة الى المرضى في الاستشفاء أو خارج الاستشفاء.
وهذا الأمر يتطلب تعزيز التعامل بالجنريك، وهي لا تشكل الآن أكثر من 3 في المئة من سوق الدواء، وهذا يعكس التوجه التجاري للسياسة الدوائية الحالية، وإن اعتماد هذا المبدأ يسهم في خفض الدواء، ويجب أن لا ننسى أن الدولة هي الضامن الأكبر في هذا الموضوع.
ويضيف أنه من ضمن هذه المرتكزات، التوجه نحو نظام الأدوية الأساسية في المستوى الرعائي للسياسة الصحية، الى جانب اعتماد الصناديق الضامنة للخدمات الرعائية، عن طريق تبني المؤسسات الرعائية مباشرة، أو من خلال توقيع عقود مع القطاع الأهلي، ولا بد أن يتزامن ذلك مع تحديد دقيق للمواصفات الفنية الواجب توفرها في المؤسسات الصحية الرعائية، وأن يتم إخضاعها لنظام الاعتماد لنضمن جودة الخدمات الطبية.
ويؤكد في هذا المجال، أنه لا بد من العمل وبشكل جدي، لترشيد الوصفة الطبية من خلال دور أساسي لنقابتي الأطباء في لبنان، إن هذا الأمر يعتبر أساسياً في كل السياسات الدوائية.
ولا بد أيضاً من التطرق الى دور الصيدلي في خفض سعر الدواء، عن طريق ضبط النوعية وتشجيع الأدوية النظامية، وفي هذا الشق، نقترح إعادة النظر في معدلات جعالة الصيدلي البالغة الآن نحو 25 في المئة، وهو مبلغ مقطوع مرتبط بسعر الدواء، وطبيعي أنه كلما ارتفع سعر الدواء زاد مدخول الصيدلي، ففي سوريا مثلاً ومنذ عشرات السنين، تتحرك نسبة جعالة الصيدلي بعكس تحرك سعر الدواء، أي كلما انخفض سعر الدواء، ارتفعت جعالة الصيدلي، وكلما ارتفع سعر الدواء انخفضت الجعالة، وهذا الأمر يعطي تشجيعاً للصيدلي، للتعامل بايجابية مع الجنريك.
ويشير عربيد، الى أن خفض سعر الدواء يشجع على الاستثمار في إنتاجه في لبنان وصناعته.
ويعتبر أن إقامة سوق عربية لصناعة الدواء من شأنها خفض سعره في كل الدول العربية وزيادة استثماراتها في هذا القطاع، الذي يعتمد في مجمله على المستورد، وهو الذي يؤدي الى زيادة سعر الدواء.
ويؤكد الدكتور اسماعيل سكرية، أن قضية الدواء بشقيها من حيث النوعية والأسعار، هي من أعقد وأصعب المشكلات المتراكمة منذ عهود وعهود، عصيت على الإصلاح منذ العام 1971 في عهد رئيس الجمهورية سليمان فرنجية ووزير الصحة إميل بيطار، الذي أقيل بسببها، وقد استمرت هذه المشكلة وما زالت على مدى السنين السبع الماضية مثارة، بجميع تفاصيلها العلمية والاقتصادية، وهذا الملف لا يمكن التعاطي الجدي إزاءه والوصول الى نتائج ايجابية ملموسة، دون أن يسبقها الخطوة الأولى، وهي تنفيذ عملية إصلاح إداري في العديد من مفاصل حركة سير الدواء، بدءاً من المصنع وصولاً للمستهلك، ويكفي أن نستعرض كيف أجهضت محاولات الإصلاح كافة، فعدا ما ذكرنا، نعود لنذكر بالمكتب الوطني للدواء، الذي بدأ الانطلاق عام 1998، وسرعان ما انتكس ودخل أدراج النسيان، وكذلك تجارب مكننة أعمال مكاتب الدواء في الوزارة خلال العامين 1998 و1996، بمساعدة منظمة الصحة العالمية، والتي انتهت بتخريب التجربة وتجييرها للمستورد، وإضافة الى ذلك استمر المختبر المركزي مشلولاً عن العمل، وعدم اعتماد لائحة أساس للدواء، والتي ظهرت خلال العامين 1993 و1999".
ويؤكد سكرية، أن هذه الأمور برمتها، تدعو الى تنقية سوق الدواء من الفساد والصدأ المتراكم.
ويقول "مع حرصنا وتشجيعنا لوزير الصحة في توجهه لخفض أسعار الدواء، فإننا نخشى أن يحاصر الموضوع من قبل الحلف التجاري والإداري والسياسي المخضرم، ويحجم الى خطوة إعلامية شبه منقوصة ومعرضة للإجهاض كسابقاتها من التجارب".
ويعتبر أن توجه الوزير لخفض سعر الدواء من الشطور التي يحتسب على أساسها سعر الدواء، دون المساس بالبند الأساس وهو "الفوب" والمسجل في وزارة الصحة، لن يحل المشكلة، لأن الفوب هو المرتفع أصلاً وبالتواطؤ بين التاجر والمصنع.
والدليل، أن هناك أدوية في لبنان يبلغ سعرها 4 و5 أضعاف سعرها في بلد المنشأ، ومعنى ذلك، أن الخفض بهذه الشطور المشار اليها، يعطي التاجر إمكان التعويض عن أي خفض، بزيادة الأسعار على الفوب، طالما بقيت الوزارة تغض النظر عن السعر في بلد المنشأ.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00