8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عربيد: الهدف منها توزيع عادل للخدمات والوزارة أنجزت مشروع مواصفات الخدمات الطبية

يشكو قطاع الصحة في لبنان كغيره من القطاعات الصحية في البلدان النامية، من الفوضى وغياب التنظيم والمراقبة، فقد اعتمد العلاج أساساً لسياسته وأنفق الثروات في القطاعين العام والخاص، لتأمين الخدمات الصحية على أنواعها، إلا أن ذلك لا يحل من الأمر شيئاً مع انتشار المستشفيات والمراكز والمستوصفات الصحية في لبنان كالفطر، دون منهجية تنظيمية تضع حداً لهذه الفوضى وتخفض من النفقات التي بلغت 12.3 في المئة من حجم الدخل القومي أي بحدود الملياري دولار سنوياً.
من هنا عملت وزارة الصحة مع الجهات المعنية لوضع الخريطة الصحية المطروحة منذ سنوات موضع التنفيذ، ويقول مصدر في وزارة الصحة "إن تطبيق الخريطة الصحية مع بعض التوجيهات الحديثة في كل ما يرتبط بهذا القطاع (الدواء ـ مختبرات ـ الجسم الطبي وغيره) يخفض هذه التكلفة نحو 30 في المئة، وهو ما يعني 600 مليون دولار سنوياً".
وحديثاً أرسلت وزارة الصحة مشروع قانون الخريطة الى مجلس شورى الدولة لوضع ملاحظاته ، لإرساله الى مجلس الوزراء ومن ثم الى مجلس النواب.
ويشكّل إيجاد قانون للخريطة الصحية مرتكزاً أساسياً لإطلاقها، إذ لا خريطة تنظم أي قطاع دون قانون.
فالقوانين الحالية لا تلحظ أي إمكانية تدخل لربط الاستثمار بالحاجة.
وفي هذا الإطار، يؤكد مدير التخطيط في وزارة الصحة العامة الدكتور بهيج عربيد، أن القانون المقترح للخريطة، سيسمح بدراسة الجدوى الاقتصادية والطبية لإنشاء أي مستشفى أو مركز خدمات صحية، والتي على ضوئها سيتقرر الموافقة أو عدمها أو اقتراح تعديل في المشروع.
ويقول في حديث الى "المستقبل" إن القانون المقترح، ينقسم الى مراحل ثلاث، هي:
1 ـ مرحلة الخريطة الصحية: قياس الحاجة لأي مشروع صحي مزمع إنشاؤه.
2 ـ مرحلة الإنشاء: فرض الشروط الفنية على الإنشاء.
3 ـ مرحلة الاستثمار، وتشمل: نوعية أنظمة الإدارة في المؤسسة المزمع إنشاؤها، والخدمات الطبية التي ستقدمها، والجودة المطلوبة.
ورأى أن المعوقات التي أضرت في ظهور الخريطة تعود الى جملة معوقات، منها ما يرتبط بنظام الإدارة، وآخر يرتبط بحجم المستفيدين من الفوضى، وضعف المعلومات المتوافرة عن القطاع.
ويقول إن المشكلة اليوم في قطاع الصحة في لبنان ليست في الإنفاق وإنما في سياسة ترشيد هذا الإنفاق.
ومن جهته يقول المنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية الطوعية في لبنان ورئيس مؤسسة جبل عامل الدكتور مهنا: "إن الخريطة الصحية تحتاج الى قانون، ولكن هل سيُطبق في حال صدوره. هذا هو السؤال".
يؤكد عربيد أن الخريطة الصحية أداة اعتمدتها فرنسا في السبعينات، وحدّدت على أساس أنها وسيلة معلومات وتخطيط لتنظيم القطاع الصحي، وهي توجه في السياسة الصحية، لتعديل معادلة العرض والطلب والإنطلاق بتنظيم السوق من خلال الأهداف التي وضعت في الخريطة، التي يجب أن تؤمن متطلبات عدة منها:
1 ـ معرفة ماذا يملك لبنان من تجهيزات وخدمات ومراكز طبية.
2 ـ معرفة الحاجات وماذا يريد المواطن.
3 ـ معرفة كيفية التوزيع العادل في الخدمات على جميع المناطق، وجعل الخدمة الصحية في متناول جميع الناس.
ويشير الى أن الخريطة الصحية لها مرتكزات، من أهمها تلك التي اعتمدت في التطبيق في فرنسا وعدد من الدول الأوروبية، وهي:
1 ـ مجالات التطبيق: يمكن تطبيق الخريطة في جميع ميادين وحقول الصحة، بدءاً بالرعاية الصحية وانتهاء بتنطيم المراكز الصحية والخدمات الأساسية، وصولاً الى التنكولوجيا الطبية المتطورة في مختلف الحقول.
يضاف الى ذلك جميع الخدمات التي هي خارج موضوع الاستشفاء مثل المختبرات والجسم الطبي.
2 ـ المنطقة الصحية: تنظيم الصحة ضمن مشروع الخريطة من خلال ما يُعرف بالمنطقة الصحية، وقد حددت المنطقة الصحية بما يتناسب والنظام الإداري المعمول به الآن.
وكل مستوى من هذه المناطق مرتبط بالخدمة التي ستحدد، وهذا التوجه يعكس تعزيز اللامركزية في إدارة الصحة، فجميع الأنظمة التي طبقت في الخريطة تتوجه الى المراكز الصحية في المناطق، وقد انشئت لهذه الغاية مجالس للصحة على مستوى المنطقة الصحية، مؤلفة من ممثلين من مختلف القطاعات (وزارات، صناديق تأمين، ضمان، نقابات والقطاع الأهلي).
وقد أعطيت مجالس المجموعة هذه، صلاحية اقتراح المشاريع والخطط وتحديد الأولويات والحاجات ووضع الموازنات السنوية للعمل الصحي في المنطقة.
3 ـ جودة الخدمات الصحية: وهذا المرتكز يرتبط بتقديم الخدمة وشروط الجودة، وقد بدأنا في وزارة الصحة بتطبيق نظام الاعتماد على المستشفيات وهو نظام محدد لشروط السلامة العامة الواجب اعتمادها في المستشفيات.
وينص هذا النظام على ضمان الجودة في انتاج الخدمات، وقد بدأنا بتطبيق هذا النظام منذ أكثر من سنة، والنتائج حتى الآن مشجعة، ونحن نعمل الآن على تقويم ما نفذ وتعديل بعض الشروط للتشدد أكثر على شروط الاعتماد.
ويقول عربيد: "نحن نعمل الآن على وضع نظام اعتماد للمؤسسات الرعائية وخصوصاً المراكز الصحية، وقد أنجزت الوزارة الآن مشروع المواصفات الفنية للخدمات الطبية على جميع أنواعها، ونأمل في صدور مرسوم لتطبيقه على جميع المستشفيات.
5 ـ مقاييس الحاجة: حالياً تمّ تنظيم السوق الصحية في لبنان من خلال ما يُعرف بقاعدة العرض والطلب، وضمن جو من الحرية المطلقة للمبادرة الفردية، ففي قانون فتح المستشفيات الخاصة، لا توجد مادة تتحدث عن الحاجة، وبالتالي كانت النتيجة هذا التطور العشوائي في الخدمات الصحية بشكل يفوق الحاجة الحقيقية في البلد.
ويلفت عربيد الى "ان لدى لبنان الآن نحو 45 مستشفى خاصاً مع 10 آلاف سرير، وسيكون هناك نحو 28 مستشفى حكومياً مع 2500 سرير، وأصبح هناك نحو 21 مركزاً للقلب المفتوح و26 للرنين المغناطيسي، أي بمعدل آلة لكل 150 ألف نسمة، وهناك 67 مركز للتصوير الطبقي المحوري، أي بمعدل آلة لكل 55 ألف نسمة، وإذا ما قارنا هذه الإمكانات مع دولة مثل فرنسا، نجد أنه في مجال القلب المفتوح، يوجد في فرنسا مركز لكل 800 آلف نسمة، وفي مجال تفتيت الحصى هناك آلة لكل مليون مواطن مقابل آلة لكل 220 ألف نسمة في لبنان. البعض يدافع عن هذا الواقع، وذلك يعود الى السماح بالمبادرة الفردية وأن أي استثمار في قطاع الصحة، مسؤولية يتحملها صاحب العلاقة، وفي رأينا ورأي الدول المتقدمة قبل الفقيرة، إن هذا الأسلوب خطير، لانعكاس ذلك فوضى في السوق الصحية في لبنان، وتكاليف الصحة، وخصوصاً في أجواء مثل لبنان، والتي تجعل من الرقابة عملية محدودة وتجعل من إمكانات ضبط السوق عملية صعبة".
ويقول: "إن هذه الفوضى في مختلف القطاعات الصحية، تجعل لبنان يحتل المرتبة الثانية في العالم كإنفاق صحي (12.3% من حجم الدخل القومي، بينما تشكل نسبة 9% من حجم الدخل القومي في فرنسا) والمواطن يسهم بنحو 70% من تكلفة الصحة من جيبه بينما تتحمل الدولة 18% منها ولذلك فإن ما تطرحه الخريطة لا يشكل أي خطر على المبادرة الفردية، بل هي وسيلة لحماية الرأسمال والاستثمار الفردي في قطاع الصحة من خلال ربط هذا الاستثمار بالجدوى الاقتصادية والطبية له".
ويلفت عربيد الى أن المشكلات المالية التي تخوضها المستشفيات الخاصة الآن، هي بسبب هذا الاستثمار الفوضوي لتأمين التكنولوجيا المتطورة، الأمر الذي جعل عدداً من المستشفيات يقع تحت عبء الديون.
ويرى أن أهداف الخريطة الصحية، هي التوزيع العادل للخدمات، الذي يشمل القطاعين العام والخاص والتكامل بينهما.
ويقول: "للأسف ففي لبنان لا توجد أي تقديرات علمية جدية عن الحاجات الصحية للمواطنين، على الرغم من وجود دراسات معمولة على أساس قياس استهلاك الصحة، علماً أن الاستهلاك لا يعكس دائماً حجم الحاجات".
وأكد ضرورة العمل مع الهيئات الدولية، لدراسة الحاجات والخدمات. ولفت الى أن الخريطة تعتمد على بعض المقاييس والتي على أساسها ستنظم السوق الصحية، ففي مجال الأسرة مثلاً 3 أسرة لكل ألف مواطن، مركز قلب مفتوح لكل ألف مواطن، الرنين المغناطيسي واحد لكل 50 ألف مواطن، التصوير الطبقي المحوري مركز واحد لكل 50 ألف مواطن، وكذلك مراكز تفتيت الحصى.
ويشير الى "ان فوضى القطاع الصحي في لبنان، سببها الحرب وقانون الصحة الذي سمح بإنشاء المستشفى قرب المستشفى دون النظر الى الحاجات".
ويرى "ان الصحة هي أولاً قرار سياسي، لأنها باتت من القضايا الأساسية في المجتمعات النامية والمتقدمة".
ويقول: "إن النظام الصحي في لبنان يجب علاجه، فنحن بحاجة الى خطة هرمية وإذا لم تعالج قضايا هذا القطاع فنحن مهددون فعلياً بالانهيار".
مهنا
ويقول مهنا: "هناك قوانين خاصة بقطاع الصحة في لبنان، لكن المشكلة في التطبيق، لقد سبق وصدر قانون مشابه للخريطة الصحية وهي التي عرفت بالمناطق الصحية بموجب المرسوم 159/83، والذي يحدد المنطقة الصحية بـ 200 ألف نسمة".
ويضيف: "إن الخريطة الصحية تحتاج الى قانون من أجل تطبيقها، لكن في حال صدر هذا القانون فهل سيطبق؟. الخريطة هذه وضعت بالتعاون مع فريق فرنسي، ففي فرنسا هناك نظام صحي مشابه وضع في العام 1970، وهو متطور جداً وينص على اللامركزية في الصحة".
ويؤكد أن الخريطة الصحية يجب أن تعتمد على الرقم والمعلومات، وفي لبنان لا توجد إحصاءات منذ العام 1932، باستثناء بعض الإحصاءات التي قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00