لا يمكن تحديد الارقام الفعلية للخسائر التي تتكبدها مؤسسة كهرباء لبنان من جراء الامتيازات الخاصة الاربعة (جبيل، زحلة، بحمدون وقاديشا) التي تستمد الطاقة من المؤسسة، في غياب تقارير رسمية صادرة عن كهرباء لبنان بهذا الشأن.
لكنّ معاناة المؤسسة مع الامتيازات الخاصة، وبيعها الكيلووات ساعة اليها بأقل من سعر التكلفة، تجارةٌ خاسرة، ينبغي التصدي لها ووقف هذا النزف المالي الذي يؤلم المؤسسة ويجعلها دون توازن مالي، لا تستطيع التوفيق بين نفقاتها ومداخيلها، وغير قادرة تاليا على الاستمرار في مد الناس بالكهرباء بدلاً من الوقوع في جملة مشكلات متفرقة أحياناً ومتباعدة في أحيان أخرى.
وبدلاً من استجداء السلف والاقتراض، يبقى المطلوب تحسين أداء المؤسسة في الجباية وازالة التعديات وتطوير خطة التطوير والإنهاض التي وضعتها، وحل المشكلات التي تُثقل ظهرها ومنها موضوع الامتيازات، التي أصبحت "طفيليات" تعيش على حساب غيرها وإن كان هذا الغير بات محتاجا إلى الاتكال على خزينة الدولة التي هي أيضاً في حاجة الى الإنعاش.
ويبدو الامتياز الاكثر اثارة للجدل من بين الامتيازات الاربعة، هو امتياز قاديشا، فهو الامتياز الوحيد الذي يستجرالتوتر العالي، وهو شبه مملوك من مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 98.5 في المئة.
وبحسب مصدر في مؤسسة الكهرباء فإن"العلاقة بين قاديشا و المؤسسة يمكن وصفها بأنها علاقة " مائعة" و" ملتبسة "، وهذا ما يخلق نوعاً من اللاتوازن على الصعيد الداخلي في القاديشا وتحديداً الشق المالي، وعلى صعيد التعامل مع المؤسسة الام حيث ينبغي تحديد ماهية هذه العلاقة".
وكان مجلس ادارة مؤسسة الكهرباء تمنى في التقرير الذي رفعه الى مجلس الوزراء في 21 تموز الماضي، باسترداد الامتياز وكذلك العائدات والموجودات فيه، كما طالبت المؤسسة في تقريرها الاخير المرفوع الى مجلس الوزراء في جلسته الخاصة لبحث موضوع الكهرباء 13 الجاري، بمعالجة مشكلة الامتيازات ومنها قاديشا و "تعجيل حل المشكلات العالقة مع الامتيازات، ولا سيما في ما يتعلق بموضوع التعرفة الواجب اعتمادها، وايجاد حل نهائي لموضوع امتياز كهرباء قاديشا"، وتقول المؤسسة إن الامتيازات تستمد الطاقة بأسعار مخفوضة جداً في ظل عدم حسم سعر الكيلووات ساعة الواجب دفعها اليها.
ويذكر أن ملف قاديشا بات في عهدة وزير العدل بهيج طبارة الذي يعمل لوضع الحل المناسب لهذا الامتياز، كما أن مجلس الوزراء كان قد قرر سابقاً ارسال مدققي حسابات الى شركات الامتياز، لكشف حقيقة الأمر فيها.
وعلى هذا الاساس، وعلى الرغم من عدم الحصول على أرقام مالية دقيقة، في ما يتعلق بالمترتبات المطلوبة من قاديشا نحو مؤسسة الكهرباء، الا أن حسابات بسيطة يمكن ان تُظهر الخَسارات التي تمنى بها المؤسسة من جراء هذا الامتياز وهذه العلاقة التي تحتاج الى ترسيم حدود أو ضم.
وتبلغ حاجة تغطية استثمار شركة قاديشا نحو 740 مليون كيلووات ساعة سنوياً، تنتج منها ذاتياً نحو 371 مليون كيلووات سنوياً، والباقي يستمد من مؤسسة كهرباء لبنان، ويبلغ نحو 369 مليون كيلووات سنوياً.
واذا كانت قاديشا بحسب مصدرين في المؤسسة، تشتري سعر الكيلووات ساعة بـ45 ليرة، أي 369 مليون كيلووات ساعة * 45 ليرة= 16.605 مليار ليرة مترتبات سنوية للمؤسسة.
أما المصدر الآخر فيقول ان قاديشا تشتري الكيلو بـ65 ليرة، أي 369 * 65=23.985مليار ليرة، أي أن قاديشا تستورد طاقة كهربائية بمعدل وسطي بين السعرين بنحو 20.295 مليار ليرة، وهذا يعني أن الشركة تتكبد من جراء بيعها امتياز قاديشا بهذا السعر خسارة نحو 7.3 مليارات ليرة بحسب قرار مجلس الوزراء، الذي وضع تعرفة بـ75 ليرة للكيلو حلا وسطيا لبيعه الى شركات الامتياز، وقد رأت فيه مؤسسة الكهرباء "قراراً مجحفاً".
أما بحسب الدراسة التي أعدتها المؤسسة متعاونة مع شركة كهرباء فرنسا، فإن تكلفة الكيلووات تقدر بنحو 110 ليرات، فإن تكلفة 369 مليون كيلوات نحو 40.59 مليار ليرة، وهذا يعني أن المؤسسة تتكبد سنوياً بحسب التسعيرة التي وضعتها خسارة مع القاديشا تقدر بنحو 20.2 مليار ليرة.
وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى أن قاديشا تفوتر نحو 475.5 مليون كيلووات ساعة، تبلغ الجباية منها نحو 398 مليون كيلوات ساعة.، وهذا يعني أن الطاقة المهدرَة تقدر بنحو 36% من المجموع العام أي بنحو 266 مليون كيلووات ساعة، وتشكل نسبة الاهدار هذه نحو 22 مليار ليرة سنوياً، بحسب تقرير أعدته الادارة العامة المفوضة للاشراف على القاديشا في آذار الماضي.
وبحسب التقارير الصادرة عن القاديشا أوائل هذا العام فإن للشركة نحو 11 مليار ليرة على ذمة المؤسسات العامة الرسمية.
وتشير هذه التقارير الى أن غياب التدقيق المالي منذ العام 1997 يجعل تقويم وضعها الآن صعبا، علماً أن الادارة أنهت موازنة العام 1997، وهذا ما يؤدي الى افتقاد التوازن المالي في الامتياز.
واذا كان العام 1998، شهد توازناً مالياً بين مداخيل الاستثمار والمصاريف، فإن السنوات التي تلت هذا العام مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية قد أحدث خللاً في هذا التوازن، مما أدى الى اخفاق الشركة في سداد المستحقات المترتبة عليها سدادا كاملا بدءاً من العام 2002 لمؤسسة كهرباء لبنان بسبب الاهدار الفني المقدر بنحو 15% والسرقات والتعديات التي بلغت في بعض الاحيان الى نسبة 40% فيما يعرف بالاهدار غير الفني، وعليه فإن مؤسسة كهرباء لبنان تنتظر القرار الفصل في هذا الامتياز.
واذا كان امتياز قاديشا نموذجاً للتجارة الخاسرة، فالسؤال لماذا لا يضع توما إصبعه على الجرح ويعالجه، قبل أن يستعصي العلاج ؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.