السؤال الذي طال أمد الإجابة عنه في قطاع الكهرباء، هو أين أصبح إنشاء المركز الوطني للتحكم الآلي (N.C.C)؟ إذ تكمن أهميته في تطبيق التكنولوجيا المتطورة للتحكم بالشبكة وإدارتها في انتاج الطاقة، وإدارة الشبكة بشكل أفضل بالطرق الحديثة، يضاف اليها متابعة حركتي الطاقة والتحويل بشكل آني ومتواصل، وكذلك تخفيف الخسائر الفنية على الشبكة من خلال ادارة الانتاج ومراقبة مكامن الهدر والسرقات وتنظيم أوقات جدولة الصيانة في معامل الانتاج.
وأعيد طرح الموضوع بقوة بعد ان أوصى التفتيش المركزي في الشهر الفائت مؤسسة الكهرباء بضرورة انشاء المركز، اثر القرار الذي أصدره بشأن التحقيق في وقوع صاعقة على خط الجمهور ـ الجية، في 16 تشرين الأول الماضي، والذي أجراه بناء لطلب وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون.
وتأتي هذه التوصية منسجمة مع خطوة مجلس الادارة الحالي لـ"مؤسسة كهرباء لبنان" برئاسة المدير العام كمال الحايك، الذي أعاد طرح المشروع كواحد من أهم الأعمال التي سيقوم بها مجلس الادارة، وأدرج المشروع تحت خانة تطوير شبكتي النقل والتوزيع، والتي تأتي في المرحلة الثانية من "خطة إنقاذ وتطوير مؤسسة كهرباء لبنان" الموضوعة شباط العام الماضي. ويعود الحديث من هذا المشروع الذي يعوّل عليه الكثير في تصحيح أوضاع الكهرباء، والذي سيشكل مفصلاً في التعامل مع مشكلات هذا القطاع، الى عهد الادارات السابقة التي طرحته كجزء من مشروع تطوير إدارة الكهرباء وتحديثها.
وقد أنجز دفتر الشروط للتلزيم في العام 1995، وكانت المناقصة جاهزة في العام 1998، بعد توفر التمويل من البنك الدولي، الذي عاد وسحب تمويله، بعد خلافات سياسية، أدت الى "تطيير" المشروع والتمويل معه، وقد تقدم آنذاك عدد من الشركات الأجنبية للالتزام بالمشروع، منها: سيمنس وهاريس وأ.ب.ب، وقد فازت سيمنس بالمناقصة، إلا ان إدارة رئيس مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان السابق جورج معوض فسخت المناقصة لأسباب سياسية وغيرها، وذلك بحسب ما تذكره مصادر مطلعة على شؤون الكهرباء.
مصدر مطلع في مجلس الانماء والاعمار الذي يشارك عملياً مع مؤسسة كهرباء لبنان في تنفيذ المشروع، أكد لـ"المستقبل" ان المشروع سيبدأ العمل بتنفيذه في الربع الثاني من العام الجاري، وان عملية إنجازه تستغرق نحو السنتين ونصف السنة.
ولفت ان المشروع سيمول من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 23 مليون دولار، بما فيه قيمة الخدمات الهندسية والاشراف على هذا المشروع.
وقال "ان المشروع يأتي من ضمن خطة الحكومة الرامية لتطوير المرافق والمؤسسات العامة، وتفعيل آلية عملها وقدراتها الانتاجية والتشغيلية، وتحديداً في قطاع الكهرباء".
وأضاف "ان المجلس يستعد لتلزيم المركز، الذي يعتبر من أهم المشاريع المتعلقة بقطاع الكهرباء".
ومن المعروف ان هذا القطاع يجتاز مرحلة انتقالية من طور إعادة تأهيل الشبكة الى طور تطويرها وتوسيعها وتضاعف إنتاج الطاقة الكهربائية وتوسع شبكة النقل، مما يضعه في مواجهة التحدي الكبير: إيصال الطاقة الكهربائية الى كل المناطق اللبنانية، بنوعية واعتمادية مرضيتين. وتعاني مؤسسة كهرباء لبنان مشاكل تقنية وذلك من خلال العمل اليومي لإدارة حركة الطاقة وحالات القطع مع وجود مشكلة في ثبات حركة الطاقة على الشبكة (Stability Problem). هذا بالإضافة الى وجود هدر فني كبير يفوق نسبة 15% (إذا افترضنا فقط 15% هدراً فنياً و1200 م.و. إنتاجاً سنوياً وتكلفة سبع سنتات لكل ك.و.س. فإن ذلك يكلّف المؤسسة نحو 100 مليون دولار سنوياً).
ويلفت المصدر الى أهمية المشروع ويقول "ان التطور الكبير لمؤسسة كهرباء لبنان يشكل المرتكز الأساسي لأهمية المشروع، فكل من زيادة الانتاج وتطوير شبكة النقل مع فقدان المرونة في الربط بين القسم القديم (150 و66 ك.ف) والمستجد منها (220 ك.ف)، وغياب النموذج الكهربائي للحركة اليومية للطاقة، والتحليل الهندسي السليم لعمل المنشآت، يؤدي الى رفع نسبة الهدر والخسائر التقنية على الشبكة.
وعلى ضوء مشاريع انشاء معامل ومحطات تحويل متطورة وبناء شبكة 220 ك.ف. وربطها بالشبكة القديمة، وتأميناً للمرونة في عمل الشبكة لتخفيف إمكانية حدوث أعطال ومشاكل تؤدي الى خسائر اقتصادية لا مبرر لها، فإن مشروع مركز التحكم في الشبكة الكهربائية اللبنانية أضحى ضرورة حتمية للوصول الى مستوى التحكم الأمثل بالشبكة وإدارتها بأقصى فعالية ممكنة. وتتعزز هذه الحتمية بالضرورات التقنية والمتطلبات الميدانية لمشروع الربط الكهربائي السداسي للدول العربية مع تركيا".
وحول فوائد المشروع، يشير الى ان أهمية بناء هذا المركز تكمن في تطبيق التكنولوجيا الحديثة للتحكم بالشبكة وإدارتها وفي التحكم في انتاج الطاقة. وهو يشكل حلقة الوصل الضرورية بين واقع الشبكة الراهن والمستقبل المرجو لها، حيث ان هذا المشروع يضمن تشغيل وإدارة الشبكة بأفضل الطرق الحديثة، بالإضافة الى تدريب عناصر المؤسسة على تشغيل مركز التحكم.
ولا تختصر أهمية المشروع على هذه الأمور فحسب، بل تتخطاها لتشمل:
* الحصول على المعلومات التقنية بخصوص الشبكة واستخدامها كقاعدة بيانات لبرامج التحليل والتشغيل.
* بناء نموذج حقيقي للشبكة الكهربائية وطرق ترابطها.
* متابعة حركة الطاقة (On-Line Load Flow) وحركة التحويل (Switching) بشكل متواصل وآني.
* تأمين الإحصاء اليومي والشهري والسنوي لواقع الطاقة وحركتها.
* دراسة الأعطال وتأثيراتها في الشبكة (Contingency Analysis)، وتأمين سلامة المنشآت وبالتالي ضمان استمرارية عملها وعدم توقفها قسرياً للتصليح والصيانة.
* تخفيف الخسائر الفنية على الشبكة من خلال إدارة الانتاج وتفعيل تحرك الطاقة وتعويض الطاقة العكسية (Reactive Power Compensation).
* الاستفادة من تاريخ تشغيل الشبكة، ودراسة حاضرها، لتوقّع المستقبل والتخطيط له.
* توقع الحمولات (Load Forecast) على أساس يومي وتحديد مراكز الانتاج وإدارة النقل على هذا الأساس.
* احتساب مجمل حالات القطع والطوارئ بحيث يتم التهيؤ لهذه الحالات، مما يضمن التعامل الإيجابي والفعّال معها.
* التحكم بدرجة مثالية في ثبات إنتاج الطاقة (Automatic Generation Control).
* الإعداد المسبق لتوزيع الانتاج وتغيير حركة الانتاج للمعامل خلال يوم (Unit Commitment/Hydro Scheduling).
* تنظيم أوقات وجدولة الصيانة في معامل الانتاج.
* تحديد الاختناقات في الشبكة وسبل معالجتها وذلك لاستخدام القدرة القصوى للشبكة (إنتاج ـ نقل) مما يؤمن الاستفادة من قيمة استثمارات قطاع الكهرباء (Optimal Power Flow).
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.