يؤكد الأمين العام لإتحاد الأطباء العرب الدكتور محمد ياسر السقا، وجود خلافات في السياسات الصحية في كل بلد من البلدان العربية.
ولفت الى ان معظم الدول العربية يعتمد على القطاع العام في تأمين الخدمات الصحية.
وقال: "إن الاتحاد يتمنى وجود لجنة على مستوى الوطن العربي، تكون مهمتها وضع انظمة وأهداف، تتكامل من خلالها المستشفيات في الوطن العربي بعضها مع البعض الآخر".
ودعا الى احترام الاتفاقات الطبية الموقعة بين الدول العربية، والعمل الجاد لتنفيذها، "المستقبل" أجرت هذا الحوار مع الدكتور السقا:
***
كيف تقوِّمون واقع الاستشفاء في العالم العربي؟
ـ ثمة اسباب كثيرة في العالم العربي، تعوق الاستشفاء، فهناك خلاف في السياسات الصحية في كل بلد عربي، ثم ان كثيرا من الدول العربية تعتمد على القطاع العام في المجال الصحي، وقد تأثرت مستشفيات القطاع العام الصحي بأن اصبحت تقدم اضافة الى عملها الاستشفائي، خدمة الرعاية الصحية الأولية، مثل العيادات الصحية الشاملة، لكن لا يمكن الاعتماد على آلية للاستشفاء في المستشفيات العربية دون استكمال الكثير من الامور، فالمستشفيات سواء أكانت تابعة للقطاع العام او القطاع الخاص، يجب ان تتلقى الدعم من المؤسسات، لان دعم الدولة الآن اصبح لا يكفي، وبالتالي هناك تراجع كبير في خدماتها، اما في ما يتعلق بالقطاع الخاص الاستشفائي فهو يعمل بوتيرة جيدة ويقدم خدمات عالية لكنها تحتاج الى الكثير من التطور، لتواكب البلدان المتطورة في مجالات الطب.
ونحن كاتحاد اطباء عرب نتمنى ان تكون هناك لجنة عربية تضع انظمة وأهدافاً لجميع المستشفيات، بحيث تتكامل، حيث يقام فيها لجان تدريب ولجان ابحاث، والأعمال الاستشفائية الكاملة، لجميع المرضى وبذلك نحن نرى ان تكون العلاقات مع جميع المستشفيات مبنية على خدمة المريض وتقديم الخدمة الصحية له بأقل اجر ممكن، حيث ان التكلفة المتزايدة الآن، تكمن في المواد الأولية سواء في التصوير او التحليل او استخدام التقنيات لتشخيص حالة المريض، وينعكس هذا على المريض. وأحب ان اشير في هذا المجال، الى ان الامر ليس في يد المستشفيات، ولا بيد الاطباء فيها، وانما هو خارج هذا النطاق.
ولذلك علينا ان ننظر الى تطوير عملنا في البلدان العربية بشكل جدي وضمن رؤية علمية، وخبرة موضوعية، نستفيد من خلالها من خبرات العالم، لتطوير الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة.
كان هناك اقتراح من جامعة الدول العربية لإنشاء مجلس خاص بتصنيع وانتاج الأدوية، اين اصبح هذا المشروع؟
ـ هناك اتفاقات طبية وصحية عربية ـ عربية بدأت منذ العام 1944، الا ان هذه الاتفاقيات لم تبصر النور وللاسف، ولم تزل مجرد اتفاقيات، وهناك اتفاقيات اقرت في مؤتمر عمان من اجل تكامل الدواء العربي ومن اجل ان تكون هناك مؤسسة تستطيع ان تجعل التكامل الدوائي العربي، يؤدي الخدمة الدوائية للمواطن العربي في نسبة كبيرة من الامراض، الا ان هذه المؤسسة لم تحقق اي تقدم في هذا الاطار، وبقيت كافة القرارات التي صدرت عن مجلس وزراء الصحة العرب، والتي شاركنا فيها كاتحاد اطباء عرب، من دون تنفيذ، في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة الى مؤسسة تكامل دوائي، اذ اننا مقبلون على حظر المواد الأولية الدوائية من قبل العالم، لأن هذه المواد لم يعد يقدمها العالم للدول النامية، فهو أصبح يمسك بها ويحوز عليها، ولذلك نحن مضطرون إذا لم تكن هناك مؤسسة دوائية في المستقبل، لشراء الأدوية مهما بلغ سعرها، لأن موادها الأولية محظورة علينا، وعلينا أن نفكر بأسلوب أو بآخر في الاعتماد على أنفسنا وذاتنا من أجل مستقبلنا لإيجاد هذه المؤسسة، وهي قرار صدر من أعلى تجمع عربي وهو الجامعة العربية، وكذلك نالت موافقة كل التجمعات الطبية والصحية في الوطن العربي.
ما هي معوقات التعاون العربي؟
يمكن ايجاز الجواب بالملاحظات الآتية:
ـ فقدان سياسة صحية لكل قطر عربي.
ـ تحوّل بعض المشافي العامة الرسمية في معظم الدول العربية النامية الى مشاف تعنى بالرعاية الصحية الأولية كرديفة للعيادات الشاملة والمركزية.
ـ فقدان التعريب وفقدان لغة واحدة تربط الطبيب العربي في المغرب العربي والمشرق العربي ودول الخليج.
ـ هجرة العقول نحو العمالة الأكثر أجراً وأكثر تطوراً بسبب عقدة فينا وهي ضعف الثقة بأطبائنا والثقة المطلقة في الغرب.
هل هناك تبادل واضح المعالم بين الأطباء العرب في خبراتهم هو عمل باتجاه واحد، فأطباء الخليج لا يتركون أماكن عمالهم ويستقبلون الكثير من الأطباء العرب؟
ـ هل الدول العربية النامية والجديدة ملحوظة بإعداد خطة تأخذ نصيبها من الخبرات العربية المتوافرة، إن اعتبرنا مصر وسوريا ولبنان والعراق قادرين على تقدمة الأطباء العرب ذوي الخبرات الى دول عربية أخرى، فهل هذا يحصل من خلال خطة واضحة المعالم، وعلى الرغم من الخصوصية الكبيرة والتي نعتز بها بين سوريا ولبنان فهل شروط مزاولة المهنة هي واحدة أم أنها متباينة ومعقدة؟
ـ أين حرية الطبيب في انتقاله وحتى تعامله على الرغم من وجود البورد العربي الذي أتاح هامشاً ضيقاً متاحاً في تحركه، أم أن هناك كثيراً من التعقيدات تعوق حركته؟
ـ الدول الخليجية والاتحاد المغربي هل تعاملهم المؤسساتي والعلمي مع بعضهم يشكل تقدماً أم أنه يشكل محوراً؟
9 ـ نحن ننفق المبالغ الطائلة على كثير من الكتب والمجلات والدوريات العلمية، في الوقت الذي لا نرى فيه مجلة علمية طبية واحدة تصدر دورياً في العلوم الطبية حول كافة المستجدات، تسهم في تبادل الخبرات وتطور الإمكانية وإيصالها لكل الأقطار العربية.
ـ إن المؤتمرات العلمية في الجمعيات الطبية العربية، والتي تعمل جميعها تحت مظلة اتحاد أطباء العرب أسلوب مقبول ولو في الحد الأدنى لانتقال الخبرات بين الوطن العربي أم أنها تشكل ظاهرة تعاونية علمية أكثر منها ظاهرة هادفة ومؤسساتية؟
ـ يمكن لإتحاد المستشفيات العربية في أهدافه وتطلعاته ونظامه أن يلعب دوراً فعالاً في تبادل الخبرات الطبية والتقنية في مؤسساته الاستشفائية، ولكن على أرضية اختلاف كبير في الأنظمة الصحية في الوطن العربي، والذي لا يوفر لها الحماية والرعاية المتوخاة لها أمام ما تقدمه من أعمال استشفائية للمريض يعتز بها. سيكون ذلك التبادل مرهوناً بوجود شخصية أكثر منها ببرامج عمل يلزمون بها ضمن وسائل الاتصال الحديثة.
ـ هل هناك في الأنظمة الصحية اعتراف متبادل بالديبلوم والشهادات والأوراق الثبوتية عن المؤهلات الرسمية؟ للأسف في القطر الواحد لا تزال تدور مناقشات حول ذلك.
ـ هل صانعو السياسات الصحية وشركاؤهم الاجتماعيون مطلعون تماماً على الواقع الاجتماعي مع استخدام معلومات دقيقة ومحدثة وخالية من الغموض ورسم الخطط الصحية المطلوبة؟
ـ هل الاتفاقيات الرسمية منذ عام 1944 في مجال حرية الانتقال بين الأساتذة والعمل ليومنا هذا وخاصة اتفاقية رقم 67 مع كل قرارات مجلس وزراء الصحة العرب وجامعة الدول العربية، لامست العمل أم أنها بقيت بعيدة عن التنفيذ؟ والواقع أنها لا تسهم في تبادل وتطور العلوم الطبية والصحية وكافة البحوث المرجوة.
أنتم كاتحاد أطباء عرب، ما هي تصوراتكم للقفز من فوق هذه العوائق والوصول الى جو يرضى عنه المجتمع والجسم الطبي؟
ـ يكمن الحل بالخطوات الآتية:
ـ ضرورة التعريب بالتساوي مع اللغة الإنكليزية والفرنسية، مشيرين الى أن إبداع أي فرد ينطلق من أعماقه من لغة الأم والتعاون كحد أدنى مع مركز تدريب العلوم الصحية عبر شبكة الانترنيت للتعريف بمشروع المناهج الطبية العربية.
ـ ضرورة إيجاد مركز بحث علمي متطور بإشراف الجامعة العربية تدعمه الحكومات العربية يشارك العالم أبحاثه وحتى نتائجه فارضاً مساهمته الإنسانية.
ـ ضرورة إيجاد مركز دراسات علمية طبية بإشراف الجامعة العربية يختص بالاطلاع المستمر وإغناء الفكر الطبي العربي عبر مجلة دورية تصدر عنه والاعتراف المتبادل بالشهادات العلمية العربية عبر لجنة من الزملاء الأساتذة الأفاضل تعتمد في كافة الأقطار العربية.
ـ وضع خطة عمل في مجلس وزراء الصحة العرب وجامعة الدول العربية بالتعاون مع اتحاد الأطباء العرب العضو المراقب في المجلس، لتنفيذ الالتزامات الفنية والاتفاقيات التي تتطلبها الاتفاقات والتي تسهم بشكل كبير في تبادل الخبرات العلمية، فالمطلوب احترام الكلمة المكتوبة والعمل الجاد لتنفيذ الاتفاقات المعقودة.
ـ وضع خطة من الضمان الصحي او من شركات الضمان الخاص أو من المؤسسات المختلفة التي تعنى بالعناية الصحية، لتبادل الخبرات بين المؤسسات الاستشفائية لما لها من امكانيات تقدمها في هذا المجال.
ـ ربط مجموعة من المشافي الاستشفائية العربية بوسائل الاتصال الحديث الانترنيت، واستخدامه في تبادل الخبرات العملية والفنية لا سيما في مجال زرع الأعضاء وحاجة الاطلاع على مبدأ تجمع مشاف رسمية وخصوصاً في أوروبا قائم الآن في امستردام، ويختزن حاجات المواطنين مع التشريح النسيجي لهم.
ـ تبادل الخبرات الطبية والفنية في كافة مراكز التأهيل الصحية والعلاجية وفق خطة تقلل التفاوت القائم الآن بين الأقطار العربية.
ـ تقديم الدعم المطلوب وهو الأكثر ضرورة لبرنامج التدريب الطبي وآثاره الفنية على تبادل الخبرات الطبية ضمن واقع اليوم عبر المجلس العربي.
ـ تبادل برامج التعليم الطبي ضمن زملاء من الأساتذة ولجان قطرية تسهم في تبادل ورفع الكفاءات العلمية بالتعاون مع اتحاد الأطباء العرب.
ـ الاستفادة في تبادل الخبرات لدينا من الأنظمة الأوروبية والعالمية القائمة اليوم، على الرغم من تباينها ووفق امكانياتنا، وواقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لأن عالم اليوم أضحى اكثر التصاقاً من أي وقت آخر.
ـ تعزيز الصلات مع أطبائنا في المهجر، والاستفادة من امكانياتهم عبر مشاركتهم في مؤتمرات علمية لدينا، والعمل على عودتهم الى أوطانهم اذا تيسر ذلك. والمرتجى في عملنا الطبي يتفق مع طموحاتنا العلمية والانسانية التي تنطلق ضمن امكانيات واقعنا العربي المرير، وانطلاقنا في تحقيق آمالنا لا بد من أن ينطلق في بدايته من هذا الواقع.
ما هي الثغرات الموجودة في القطاع الصحي في العالم العربي؟
ـ تحديد الثغرات يرتبط بالامكانات، فالامكانات التي تقدم الى القطاع الطبي العربي، متواضعة جداً، ففي الدول العربية ليس هناك الكثير من مؤسسات التأمين، وهناك بالطبع الضمان الصحي الذي لم يتحقق الكثير من تفاصيله، وبقيت المسألة الاستشفائية بالنسبة للمواطن العربي بالغة التعقيد.
والمؤسسات الاستشفائية في الوطن العربي تحتاج الى دعم كبير لتواكب الأجهزة التقنية الجديدة، والخبرات العلمية الجديدة، ويجب أن تكون هناك امكانات مبنية على دراسات حقيقية وجديدة لمواكبة التطور في عالم الطب.
ماذا عن واقع الفاتورة الصحية في الوطن العربي؟
ـ هناك قلق دائم عند المواطنين من الفاتورة، فهي تأتي أكبر بكثير من امكاناتهم، ومن باب الدراسة الموضوعية، ليس هناك أرقام تضعها الدولة بل هذه الأرقام أقل من التكلفة، كما ان الأرقام التي تضعها المؤسسات الاستشفائية هي أكبر بكثير من الحقيقة، ومن التكلفة، ويجب وضع ارقام موضوعية وجدية ومنصفة على أن يلتزم بها كافة فرقاء المجال الصحي في الوطن العربي.
ماذا عن واقع الاستشفاء في سوريا؟
ـ القطاع الصحي في سوريا، هو قطاع مجاني، هناك المستشفيات التي تتبع القطاع العام وهي تابعة للدولة، وهي تقدم الخدمات للمواطنين مجاناً. ولكن السؤال هل هذه الخدمة هي ضمن طموحاتنا، نحن نعتقد أن طموحاتنا أكبر، وهي أن يكون باستطاعة مؤسسات الدولة تقديم الخدمات الصحية بشكل أفضل.
واذا أخذنا تجربة القطر السوري، نرى أن لديه مؤسسات استشفائية تتبع وزارتي الصحة والتعليم العالي والخدمات الطبية العسكرية، وهناك قطاع أصغر بكثير وهو القطاع الاستشفائي الخاص، ويقوم هذا القطاع بالكثير من الخدمات الصحية التي يشكر عليها، لكن لا تزال الخدمات الصحية المجانية التي نقدمها هي الأساس، ومن المعروف ان المجانية أصبحت عبئاً ثقيلاً وكبيراً، وعلينا أن نغير هذه المعادلة بإيجاد رسم هامشي يستطيع أن يسدد قسماً من النفقات، نحن نقول ان هذه التفاصيل هي مسؤولية الدولة، وإنما نحن نريد أن يلقى المواطن المريض على الرغم من قدرته المالية الضعيفة، العناية الصحية التي تحفظ له كرامته.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.