يؤكد الاستشاري لرئاسة اتحاد الغرف المصرية لطفي مظهر، الذي سيشارك في مؤتمر "العولمة والتأقلم الاقتصادي في المنطقة"، المقرر عقده في 20 الجاري في بيروت، وتنظمه شركة (سي أند سي)، "أن التحديات الاقتصادية ستبقى تواجه الدول العربية، ما دامت كل دولة تضع الكثير من الاجراءات والتحفظات في علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى". وتضيف "إن الاتفاقات التجارية الثنائية بين الدول العربية لم تفعّل بسبب القوائم السلبية التي تحتفظ بها كل دولة".
ويشير الى ان 127 اتفاقية ثنائية معقودة بين الدول العربية لم ينفذ منها سوى 20%.
ويدعو مظهر في حديث الى "المستقبل" الدول العربية الى التكامل الاقتصادي عن طريق تقاسم التصنيع والتجميع من أجل تفعيل الاتفاقات التجارية.
ويلفت الى ان دور اتحاد الغرف العربية إعلامي أكثر منه عملي، ويقول "ان اتفاقات اقتصادية وتجارية بين الدول العربية تقرّ لكن بعضها يقف عند أبواب الجمارك لأنهم لا يعلمون". ويطالب مظهر بموقف قومي من جميع الأطراف العربية من أجل تحرير التجارة البينية العربية التي لا تمثل سوى 8% من تجارة الدول العربية مع البلدان الأخرى.
ويوضح ان تجارة الدول العربية تشكل 3% من التجارة العالمية، وذلك مرده الى ان العرب يأخذون وقتاً طويلاً لاتخاذ قرارات وخطوات إيجابية في أي أمر اقتصادي وبالتالي تفوتهم الفرصة.
ويدعو من هذا المنطلق الدول العربية في جنوب المتوسط الى عدم إضاعة الفرصة والموافقة على إنشاء منطقة التجارة الحرة لدول جنوب المتوسط، لأنها ستنعكس إيجاباً على اقتصادات هذه الدول، وستفتح سوقاً أوروبية كبيرة لمنتجاتها.
ويؤكد ان اتفاقات الشراكة مع أوروبا، ستخلق مجالاً كبيراً للتعاون الاقتصادي العربي الأوروبي، لأن لدى دول جنوب المتوسط ميزات اقتصادية تمكنها من منافسة صناعات دول عدة تدخل الى السوق الأوروبية.
وفي ما يأتي نص الحوار مع مظهر:
التكامل يعني أن نتقاسم التصنيع والتجميع لتفعيل الاتفاقات
ماذا عن الاتفاقات التجارية بين الدول العربية، والتحديات التي تواجهها؟
ـ من المعروف ان الاتفاقات التجارية بين الدول العربية ولا سيما المطلة منها على البحر المتوسط، لا يبيّن التاريخ أنها حصدت نتائج إيجابية منها حتى هذه اللحظة، وبالتالي فهناك تحديات ويجب علينا مواجهتها من أجل ابقاء مناطق التجارة الحرة ناجحة فعلاً لصالح الاقتصاد العربي في مجموعه.
التحديات ستبقى تواجهنا كدول عربية ما دامت كل دولة تضع الكثير من الاجراءات والتحفظات، وبالتالي لن نستطيع الوصول الى حل وسط للمسألة هذه.
هناك بالطبع اتفاقات ثنائية بين الدول العربية، وأنا لا آمل خيراً باتفاقية "غدير" المعقودة بين مصر والأردن وتونس والجزائر ولبنان، لأن بين هذه الدول اتفاقات ثنائية وهي لم تفعل بطريقة إيجابية نتيجة للقوائم السلبية الموجودة في كل دولة، وكذلك بسبب رسوم الجمارك العالية، وهناك عوائق غير منطقية ما زالت موجودة بين هذه الدول، وبالتالي علينا مواجهة الأمور هذه بجدية، لنرى حقيقة ما هي الأضرار السلبية الموجودة في كل بلد، وما هي الإيجابيات التي تفيد اقتصاد كل بلد، وبالتالي علينا الاتفاق مع بعض، لنحدد آلية مواجهة السلبيات ويدعم بعضنا بعضاً.
وعلى المستفيد في هذه الحالة أن يفيد المتضرر، كما هي حال الاتفاقات المعقودة بين دول الاتحاد الأوروبي.
لماذا لا تنفذ الاتفاقات الثنائية بين الدول العربية، وما هي المشكلات التي تقف عائقاً؟
ـ التجارة لن تكون موجودة بين دولتين، الا اذا كانت العوائق بينهما قد أزيلت، وأنا من خلال اطلاعي على المفاوضات القائمة بين مصر وتونس وغيرها، رأيت أن كل طرف يصرُّ على المبادئ التي وضعها ولا أحد يتنازل، وبالتالي لا يوجد حل وسط، لهذا فإن حجم التجارة ما زال لا يمثل شيئاً بين الدول العربية، ففي العام 1970 كان حجم هذه التجارة لا يمثل سوى نسبة 5 في المئة من تجارة الدول العربية، مع الدول الأخرى، وفي العام 1998 وصلت النسبة الى 8%، وفي العام الجاري إلى 9%، بينما يلاحظ أن التجارة البينية بين دول أميركا اللاتينية كانت نسبتها 9% في العام 1970 واليوم وصلت الى 25%، وفي منطقة جنوبي شرق آسيا كانت 58% أما اليوم فقد أصبحت 70%، فهم يتاجرون مع بعضهم أكثر مما يتاجرون مع البلدان خارج منطقتهم، أيضاً هناك ارتفاع من 31% الى نحو 50% في التجارة البينية بين أميركا والمكسيك، أما نحن فإن الزيادة بسيطة جداً وهي ارتفعت من 5 الى 8% فقط، والسبب ارادة الحكومات العربية ورجال الأعمال والتجار العرب، الذين لا يشجعون تنمية هذه التجارة.
ألا ترى أن ذلك يحتاج الى قرار سياسي على مستوى الدول العربية؟
ـ أنا أقول ان الحكومات العربية التي كانت تمتلك القطاع العام باستثناء لبنان، في حقبة السبعينيات والثمانينيات كان هي التي تمسك بالاقتصاد جميعه وهي أيضاً التي وضعت اللوائح السلبية، فالفكر الذي كان لدى الحكومات هو نفس الفكر اليوم لدى رجال الأعمال. اليوم لا تستطيع أن تأخذ قراراً مع انتشار القطاع الخاص والضغط من رجال الأعمال عليها، فالقطاع الخاص ورجال الأعمال يضعون شروطهم المسبقة على الحكومات، ومن أهم الشروط لدى رجال الأعمال، هو تخفيف العوامل التي تؤدي الى زيادة تكلفة الانتاج، ومنها الضرائب والرسوم الجمركية العالية، وهذا الأمر يخفف من الواردات وغيرها بالنسبة الخزينة الدولة، وبالتالي فإن المشكلات مترابطة بعضها مع بعض.
نعم نحن بحاجة الى قرار قومي من جميع الأطراف.
ما دمت تتحدث عن ازالة العوائق، هناك شكوى لبنانية من عرقلة دخول منتجاتهم الى السوق المصرية؟
ـ أنا تكلمت عن هذا، وقلت ان هذه الاجراءات يعتبرونها نوعاً من "الحماية"، وموقفهم لا يعني انهم ضد لبنان ونما هو من أجل حماية الانتاج والاقتصاد الوطني.
وهذا برأيي يعود الى النسبة المتقاربة للمنتجات التي تنتج في الدول العربية التي بينها اتفاقات تجارية، وهذه النسبة قد تصل الى 60%، ومعنى ذلك أن الموجود في لبنان موجود أيضاً في مصر وفي المغرب وتونس وغيرها، ويجب ألا تنسى أننا دول نامية، فالصناعات هي صناعات صغيرة وتشمل الملابس والمواد الغذائية ومنتجات ألبان، ولماذا نفتح الأسواق لبعضنا ما دامت المنتجات متماثلة لهذه الدرجة؟
ونحن لدينا من التجميع أكثر من التصنيع، وبالتالي سنجد أن الصناعات قليلة جداً.
وهذه اسمها عراقيل ويمكن تسميتها بالتحديات.
وأنا أقول أن من غير اللازم كثرة الاتفاقات ما دامت لن تفعّل.
موضوع الاتفاقات الثنائية بين الدول العربية لديها أيضاً نفس المشكلات، ومن الواضح في الدراسات الدولية في هذا الخصوص، أن هناك نحو 127 اتفاقاً ولكن المعمول بها حقيقة هو نسبة 20 في المئة فقط في المناطق المختلفة.
والسؤال هو من بإمكانه أن يتحدث عن ازالة العراقيل؟ بالطبع الأطراف التي تستطيع حل هذه المعضلة هي الحكومات ورجال الأعمال والمستهلك.
أي دور للغرف المصرية في المساهمة في تفعيل العلاقات التجارية مع البلدان العربية؟
ـ للغرف المصرية دور كبير في الاقتصاد المصري، وبالتالي فإن مواقف هذه الغرف مماثلة لمواقف الغرف التجارية والصناعية في الدول العربية الأخرى، وهم بالطبع يرفعون موضوع "الحماية" لمنتجاتهم الوطنية، وبالتالي فإن موقفهم مماثل لأي جهة أو منظمة أعمال في الدول العربية، ومن هنا أحببت السؤال عن الفرص الممكنة لتفعيل الاتفاقات التجارية بينها، ومن هنا يجب على الدول أن تجلس بعضها مع بعض، وليس الحكومات، وهنا أقصد رجال الأعمال والغرف التجارية لأن لديهم المصلحة في تفعيل هذه الاتفاقات ومن أجل التكامل الصناعي بيننا وهذا يتطلب ان توزع عمليات التصنيع بين البلدان العربية، وليس صحيحاً أن هناك دولاً تصنع من الألف الى الياء، التكامل يعني أن تتقاسم التصنيع والتجميع من أجل تفعيل الاتفاقات التجارية.
في هذا الاطار، كيف تقومون دور اتحاد غرف التجارة والصناعة العربية؟
ـ اتحاد الغرف العربية وضعه مثل وضع أي اتحاد عربي آخر، وأنا أرى شخصياً أن ليس له أي دور ايجابي أو تفعيلي، غير الظهور في الاعلام والصحافة. وللأسف أنا أقول ذلك بصراحة، فالذي يُقرأ في الصحافة هو للاعلام فقط، فهم يضعون الأخبار في الصحافة حتى يقولوا انهم عملوا ما عليهم، لكن التفعيل يتم على أرض الواقع، والسؤال هو أين أرض الواقع؟ الجواب هو أنها غير واضحة أبداً.
ومن هنا فإن موضوع الاتفاق التجاري بين دول لمتوسط يجب أن نأخذه بجدية، لأن بين هذه الدول اتفاقات ثنائية على الرغم من أنها لم تفعل، ولكن عندما يقون الاتفاق على هذا المستوى، يجب أن نرى من خلالها السلبيات والايجابيات أعني بذلك إنشاء منطقة التجارة الحرة لدول المتوسط في جنوب البحر الأبيض المتوسط، لأنها في العام 2010، يمكن دمجها مع دول الاتحاد الأوروبي بأكمله، يعني منطقة التجارة للاتحاد الأوروبي مع منطقة التجارة الحرة لدول المتوسط، وهذا يعني أننا سنحصل على فوائد كثيرة في المستقبل، وعلينا تفعيل هذه الاتفاقية بين دول الجنوب للمتوسط، وإذا لم تفعّلها فإننا سنخسر تنمية اقتصادياتنا، لأن السوق الأوروبية بالنسبة لبعض الدول العربية يمثل سوقاً كبيرة، فنسبة تجارة مصر مع الاتحاد الأوروبي تصل الى 40 في المئة من قيمة تجارتها الخارجية وبالنسبة لتونس 60 في المئة، والمغرب 50 في المئة وكذلك الجزائر وسوريا ولبنان والأردن، وهذه البلدان بأجمعها ستستفيد من انفتاح السوق الأوروبية عليها، ونحن دائماً نضيع الفرص لأننا نأخذ وقتاً طويلاً في عملية اتخاذ القرار الايجابي في أي اتفاقية لها بعض الجوانب السلبية على بعض الأعضاء وفيها جوانب ايجابية للجميع، وعلينا اتخاذ القرار في هذا الموضوع حتى لا يفوتنا القطار، وخوفي من اننا نحن العرب نتكلم كثيراً ونعطي آمالاً كثيرة ومن ثم نفقد الوقت.
أين موقع الاقتصاد العربي على الخارطة الاقتصادية العالمية؟
ـ على مستوى تجارة العالم نحن نمثل رقماً متواضعاً وهو ما نسبته 3 في المئة، فالكلام عن تأثير العولمة الاقتصادية على اقتصادات الدول العربية، يقودنا الى معرفة أن السوق العربية سوق كبيرة، ونحن لا نستطيع أن نقول انها سوق صغيرة وهي بنفس الوقت ممتدة جغرافياً، ولكن مشكلتنا كما قلت اننا نأخذ وقتاً طويلاً في اتخاذ الخطوات والقرارات الايجابية، وهذا يتطلب أن تكون لدينا قيادة قوية من الناحية الاقتصادية، لاتخاذ القرارات الصعبة لمواجهة تحديات العولمة الاقتصادية.
ما هو الدور الاقتصادي العربي الذي نطمح اليه من خلال اتفاقات الشراكة مع أوروبا؟
ـ لا شك انه من خلال اتفاق الشراكة مع أوروبا سيكون هناك مجال كبير للتعاون بين أوروبا والجنوب العربي للبحر الأبيض المتوسط، لأن لهذه الدول ميزات غير موجودة هناك في أوروبا، منها رخص اليد العاملة والخدمات وتوافر الطاقة بسعر أرخص من أوروبا، فالحقيقة انه سيتحقق شيئان: فعندما ستنتج بعض الصناعات التي سنصدرها الى أوروبا ستكون منافسة لأي صناعات من بلدان اخرى تصدر الى أوروبا، وعندما نصدر ستكون الأسواق الأوروبية قريبة منا.
ويجب على الحكومات أن تخفض بعض الضرائب والرسوم الجمركية وبعض الأعباء التي تشكل عائقاً أمام تمايزنا صناعياً مع دول جنوب شرق آسيا، وعلينا تحرير الاستثمار في الخدمات ومنها المواصلات، ويجب تحديث التشريعات التجارية وتحرير المرور بين الدول العربية بالنسبة لرجال الأعمال العرب وبالتالي تحرير التجارة بين الدول العربية وغيرها من الأمور، ويجب أن يكون لدينا آلية موثوقة لفض النزاعات بين الدول العربية.
كيف تنظرون الى الاقتصاد العراقي، وهل يمكن أن تكون هناك مشاركة عربية في إعادة إعمار العراق؟
ـ تقديري أن الاقتصاد العراقي سينهار لفترة، إلا أن الموارد الموجودة في العراق ستعيد بناء الاقتصاد العراقي. ومن هنا علينا نحن كعرب المشاركة في إعادة إعمار العراق، ومساعدة هذا الشعب، بغض النظر عن الأرباح التي ستجنيها الاستثمارات العربية في العراق، وأنا أطرح ذلك من باب الواجب القومي، والعراق له تاريخ وحضارة وهي جزء منا، ويجب أن نحضر أنفسنا كدول عربية ورجال أعمال لرد الجميل الى العراق، إذ ان كثيراً من الدول العربية استفادت من التجارة مع العراق في المرحلة السابقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.