زيارة الوفد النيابي اللبناني الى بريطانيا واسكتلندا في 21 ايلول الماضي، كانت للاطلاع على المساعدات التي يمكن ان يحصل عليها لبنان من هذين البلدين اللذين يتمتعان بخبرة كبيرة في مجال التنقيب عن النفط والغاز وتطوير الصناعات البتروكيميائية.
هذا ما ابلغه رئيس الوفد رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النيابية محمد قباني لـالمستقبل، واصفا طبيعة الزيارة بـالاستطلاعية فقط، ولم توقع اي اتفاقات. واوضح ان الوفد حضر مناقشات في مجلس العموم البريطاني، وفي مجلس النواب في اسكتلندا، حول المواضيع النفطية والتشريعات.
وسط هذا التحرك، يبدو ان مسار الاهتمام النفطي والغازي في لبنان يخوض مغامرة تحتسب لهُ، في ظل الفراغ السياسي. إذ لا يزال الاهتمام بهذا الملف يتصدر الأولويات رغم ارتباطه الوثيق بالسياسة ومندرجاتها وتعرجاتها. ويبدو أن ثمة قرارا متخذا بالنأي بهذا الملف قدر الممكن عن الترددات والتجاذبات السياسية، ريثما تنجلي الأمور فعلياً.
ووسط هذا التخبط السياسي، لا يزال موضوع توقيت إنشاء شركة نفط وطنية يتصدر النقاش على مستوى المعنيين والخبراء، على أنَّ معظم هذه النقاشات تدور حول امكان او جدوى إنشاء هذه الشركة أوعدم انشائها راهناً. ففي آخر النقاشات التي دارت في ندوة خصصتها لجنة الأشغال الطاقة النيابية عن هذا الموضوع، دارت أغلب آراء الخبراء حول عدم جدوى إنشاء شركة وطنية قبل اكتشاف النفط واستخراجه، ومنهم الخبيرة النفطية كارول نخلة التي وضعت دراسة مقارنة مهمة في هذا المجال، بعنوان إدارة قطاع النفط والغاز وحوكمته: دراسة مقارنة، وحصلت المستقبل على نسخة منها.
تشير نخلة في دراستها الى ان قانون الموارد البترولية في المياه البحرية لا ينص على وجوب إنشاء الشركة الوطنية. اذ تنص المادة 6 منه على ان الدولة تحتفظ بحق القيام أو المشاركة في الأنشطة البترولية (..) وتحدد حصتها في الرخصة البترولية و/أو في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير بالاستناد إلى رأي هيئة ادارة لقطاع البترول في لبنان. ويمكن، عند الاقتضاء، وبعد التحقق من وجود فرص تجارية واعدة، إنشاء شركة بترول وطنية، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير بالاستناد إلى رأي الهيئة. وتشرح نخلة هنا بالقول ان مشاركة الدولة تعتبر مشاركة في أسهم رأس المال متى تمّ الاكتشاف التجاري من دون تحمّل مخاطر الاستكشاف ‘back-in right’ ، بحيث تحتفظ الدولة بحقّ المشاركة بعد الإعلان عن اكتشاف تجاري. غير أن القانون لا يحدّد المعدّل ولا الشكل، علماً أنه سيتمّ تحديدهما في العقد أو رخصة البترول وسيُقرران بعد ذلك في مرسوم، بحيث تبقى إمكانية إنشاء شركة بترول وطنية أقلّ وضوحاً.
وتلفت نخلة الى ان بلدانا متعددة في العالم نجحت في تطوير قطاع النفط والغاز فيها من دون إنشاء شركة وطنية، ،فما يمكن تحقيقه من خلال هذه الشركة يمكن أيضاً تحقيقه من دونها وعبر استخدام أساليب أكثر بساطة. وتشدد على أنه ينبغي على الحكومة عدم اتخاذ قرار في هذا الشأن في هذه المرحلة بالذات، إذ ان هناك مسائل أكثر إلحاحاً يتعيّن على لبنان التصدّي لها أولاً. وفي مقارنة مع بلدان اخرى، تقول انه يوجد في كل من النروج وقبرص شركة نفطية وطنية انشئت بعد سنوات متعدّدة للقيام بالاكتشاف الاقتصادي الأول اي بعد الخفض من المخاطرة الجيولوجية. وتضرب مثلاً على ان الشركة النروجية ستاتويل ( Statoil ) مخصخصة جزئياً، غير أن الأمر تطلّب عقوداً طويلةً ورأسمال كبير لكي تصل الى وضعها الحالي الذي يحظى بالاحترام. أما شركة قبرص للموارد الهيدروكاربونية، فرغم اعتبارها أحدث شركة نفط وطنية في العالم، غير أنها لا تشارك في العمليات، أما إسرائيل فلم تظهر أي نيّة في إنشاء هكذا شركة.
مشاركة الدولة
وتعرض نخلة لمسألة مشاركة الدولة حيث يلحظ نظام ضريبي حصولها على حقوق ملكيّة أو حصّة في المشروع البترولي (حصّة الأقليّة أو حصّة الغالبية من 51 في المئة أو أكثر(، مباشرةً أو عبر شركة البترول الوطنية الخاصة بها، وفي هذه الحال، تصبح الدولة شريكاً الى جانب شركات أخرى، وتحصل على حصّة متناسبة من الإنتاج والربح، الى جانب حصولها على الإتاوات والضرائب.
وتتّخذ مشاركة الدولة أشكالاً مختلفة، وتكون إلزامية أو بقرار منها، بحيث تحتفظ بحقّ المشاركة بعد الإعلان عن اكتشاف تجاري. كما يمكن أن تكون نسبة مشاركتها ثابتة أو أن تخضع للمزايدة، وهي تدخل حيّز التنفيذ مع توقيع العقد مع اي شركة نفط اجنبية، بعد الاعلان عن الطابع التجاري لحقل بترول أو بتاريخ آخر. وفي بعض الحالات، لا تدفع الدولة حصّتها من التكاليف الى حين البدء بالانتاج، فتغطّي هذه التكاليف الشركة الأجنبية خلال مرحلة الاستكشاف، الى حين الإعلان عن اكتشاف تجاري أو الى حين تدفّق الايرادات الأولى عند الانتاج الأول، يمكن بعدها استرداد التكاليف المرحّلة من حصّة مشاركة شركة البترول الوطنية في أسهم رأس المال الى حين إعادة السداد. أي لا تتقاسم الدولة مخاطر الاستكشاف ولا التطوير.وهي ترتيب شائع نسبياً في البلدان النامية، لا سيّما متى كانت الحكومة تفتقر الى الأموال النقدية وترغب في تنمية نطاق عمل شركة البترول الوطنية التابعة لها وخبرتها.
وفي بعض الأحيان، كما تقول نخلة، لا يكون المبلغ المرحّل قابلاً للسداد، ما يزيد من العبء الضريبي ويجعل النظام الضريبي تراجعيا وأكثر. وفي أحيان أخرى، يمكن السماح بفائدة على التكاليف المرحّلة، لا تحبّذ شركات النفط الدولية هذا النوع من الترتيبات لأنها تزيد من مخاطر الاستكشاف (تكلفة الفشل) وتقلّص الجوانب الاقتصادية للمشروع، مترافقة مع شروط ضريبية قاسية. فالمشكلة هي أنه اذا لم يحصل أي اكتشاف تجاري، لا يمكن أبداً استرداد التكاليف المُرحّلة. ويمكن أن تكون الفوائد مكلفة بالنسبة الى شركات النفط الدولية، لا سيّما في المناطق الباهظة التكاليف، كالمياه العميقة. الى جانب ذلك، تؤدّي مشاركة الدولة من خلال هذا الأسلوب الى تمديد فترة استرداد التكاليف، نظراً الى أن التكاليف المُرحّلة تُستردّ من مشاركة الدولة/شركة البترول الوطنية في أسهم رأس المال الى حين إعادة التسديد.
وترى نخلة انه اذا أرادت السلطات اللبنانية تفعيل خيار مشاركة الدولة، يجب أن تعتمد أساساً يتمثّل أحد أشكاله النموذجية بألا تدفع الدولة أي أموال خلال الاستكشاف الى حين الاكتشاف التجاري ثم تدفع مستوجباتها)مع فائدة( لاحقاً، ولكن، بسبب غياب الأموال، قد تحتاج الدولة الى أن يستمرّ الوضع على ما هو عليه خلال مرحلة التطوير، مع إعادة السداد للمتعاقد مع فائدة، على ان تأخذ نسبة المشاركة في الاعتبار الرزمة الضريبية الشاملة، مع التوصية بالا تفوق الـ 10 في المئة.
وتشير نخلة في دراستها، الى ان إنشاء شركة بترول وطنية لبنانية قد أصبح موضوع نقاش محتدم، إلا ان التجربة الدولية تظهر أنه ما من داع ليتسرّع لبنان ويتّخذ هذا القرار، سيّما وأن القطاع لا يزال في مراحله الأولى ولا تزال مسألة تحديد الاحتياطيّ المحتمل غير دقيقة. ففي النروج مثلاً، استغرقت عملية إنشاء شركة البترول الوطنية أكثر من سبع سنوات، بعد أن بدأت أنشطة الاستكشاف وفقط عندما بدأ الإنتاج في أحد أكبر حقول البترول في البلاد، وهو حقل إكوفيسك Ekofisk .
وتخلص نخلة، الى القول ان هناك مسائل أكثر إلحاحاً ينبغي التصدّي لها أولا، حرصاً على إدارة القطاع بفعالية ونجاح. فقطاع النفط والغاز هو قطاع جديد في لبنان وسيطغى على كل القطاعات الاقتصادية الأخرى. كما أنه يجب عدم التقليل من التعقيدات التي قد يواجهها. ولهذا السبب، يُوصى بالنظر في إمكان تأسيس شركة بترول وطنية في مرحلة لاحقة، لربّما بعد الإعلان عن الاكتشاف التجاري الأوّل، ومتى حصل ذلك، من الأهمية بمكان تحديد مسؤوليات الشركة وواجباتها بوضوح. ولا بدّ من التركيز على فصل واضح للأدوار، نظراً الى الدور الرقابي والتنظيمي الكبير الذي تؤدّيه هيئة إدارة قطاع البترول لتفادي انعدام الفعالية وتضارب المصالح، الى ذلك، لا بدّ من إيلاء انتباه خاص لحوكمة الشركة وادارتها، مثلاً من خلال تعيين مجلس مهنيّ غير مسيّس، من بين أمور أخرى.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.