لم تستطع حكومة ميقاتي المستقيلة، أن تقدّم نجاحاتٍ تذكر، وكما يفتشُ التاجر المفلس في دفاترهِ القديمة، عن ملاليم وقروش، على ديونٍ مشكوك بتحصيلها، فإنّ من يفتش بدفاتر الحكومة سيجد ما لا ترقى الى مستوى التنويه والإشادة.
واحدة من هذه القضايا كانت قضية رفع الجعالة لأصحاب محطات الوقود، التي يناهز عددها 2500 محطة ويعتاش منها الآلاف من الناس. وفي غمرة الوضع الحشِر للحكومة، بدأت قصة أنصاف الحلول أو الحلول العرجاء. فما حدث لموضوع سلسلة الرتب والرواتب حصل في أمورٍ كثيرة، منها موضوع الجعالة.
فقرار تعديل جعالة المحروقات، الذي صدر عن مجلس الوزراء في 12 اذار الماضي، يُعدّ قراراً منقوصاً، اتخذته الحكومة بشكل غير مدروس. فهو لم يرضِ أصحاب محطات المحروقات، ولا الشركات المستوردة للنفط. فحصة الشركات المستوردة، وكما ورد في محضر جلسة مجلس الوزراء تاريخ 12/03/2013 فان النسبة المئوية المحددة للشركات المستوردة في جدول تركيب الأسعار والمحددة بنسبة 5 في المئة تعتبر مرتفعة، لكن عدم تعديل الجدول منذ العام 2002 ادّى إلى تآكل هذه النسبة مع الوقت، بحيث انخفضت إلى 2,7 في المئة بحسب دراسة شركة التدقيق العالمية Price Waterhouse Cooper، نتيجة الارتفاع الملحوظ لعناصر استيراد المواد النفطية، من ثمن البضاعة، والنقل البحري، والفوائد المصرفية، وزيادات غلاءات المعيشة وغيرها... ونذكِّر هنا بأن هذه النسبة الضئيلة المتبقية هي مجموع الربح غير الصافي ـ أي قبل احتساب المصاريف والأعباء والتأمين والرواتب والتحسينات وتكاليف التشغيل والفوائد المصرفية والرسوم والضرائب.
أما المعنيون المباشرون، أصحاب المحطات، فإن القرار الذي انتظروه منذ 13 سنة، جاء فاضحاً. فقد أقرت لهم الحكومة 300 ليرة زيادة على كل صفيحة مازوت وتجاهلت مادة البنزين الواردة ضمن مذكرة رئيس الحكومة رقم 4157 تاريخ 8 /11/ 2012 الذي تمنى فيها على وزير الطاقة تنفيذها. لذلك إن زيادة أسعار المحروقات أصبحت تشكل ضرراً كبيراً على الجعالة التي نسبتها 7,5 في المئة، أصبحت اليوم 4 في المئة. وقال مستشار نقابة اصحاب المحطات فادي أبو شقرا، ان الاجتماعات التي عقدت مع رئيس الحكومة المستقيلة اليوم نجيب ميقاتي، بدءاً من 29 آذار وما تلاها الى اليوم، توصلنا الى دراسة 400 ليرة للمازوت ومثلها للبنزين، لكن مجلس الوزراء أقر للمازوت ولم يقر للبنزين زيادة الجعالة. وأشار الى أن أصحاب المحطات توصلوا مع ميقاتي الى اتفاق على جعل جعالة المحطة بـ2000 ليرة عن كل صفيحة بنزين، و800 ليرة عن كل صفيحة مازوت. وتمنى أبو شقرا، على وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، التعاون، مع المحطات والشركات لمصلحة المواطن، ولا سيما البنزين 92، الذي سيستورده الوزير، خصوصاً وأن النقابة تبدي كل التعاون في هذا المجال (ستوضع هذه المادة بخزانات في المصافي، كون المحطات غير مهيئة).
وأما صاحب المحطة فهو يريد معرفة حجم الكميات التي بامكانه تخزينها، خصوصاً وأن التقلب السعري الأسبوعي لأسعار المشتقات النفطية يرهق صاحب المحطة ويجعله في موقع الخاسر.
وقال أبو شقرا إن مبلغ الثلاثمئة ليرة التي أقرها مجلس الوزراء، هو جزء من سلة مطلبية كبيرة، ولكن بما يتعلق بالجعالة المطالب بها، فإن ما أعطي باليمين أخذ باليسار، بسبب فرق التصريف. فالجعالة التي احتسبت بعد الزيادة ب700 ليرة، حكماً ستصبح نحو 500 ليرة، والسبب يعود الى أن المصافي تحتسب الدولار على أساس 1500 ليرة، علماً أن الدولار يراوح سعر بين 1507 الى 1515 ليرة، وهذا ما يجب أن ينظر اليه.
قرار الحكومة المنقوص
اطلع مجلس الوزراء على المستندات المذكورة أعلاه،
وقد تبين منها أن أصحاب المحروقات في لبنان تقدموا من دولة رئيس مجلس الوزراء بمذكرة يطلبون بموجبها تعديل قيمة الجعالة عن كل /20/ ليتر بنزين بحيث تصبح /2000/ل.ل. بدلاً من /1200/ل.ل. وعن كل /20/ ليتر مازوت، بحيث تصبح /800/ل.ل. بدلاً من /400/ل.ل.
وأن الرئيس أحال المذكرة الى وزارة الطاقة والمياه للنظر بإمكان زيادة الجعالة لأصحاب محطات المحروقات بالقيمة التي يراها وزير الطاقة والمياه مناسبة، وعلى مراحل ومن دون أن ينعكس ذاك سلباً وبطريقة مباشرة على المواطنين.
وإن وزارة الطاقة والمياه أفادت أنه نظراً للتفاوت في جعالة محطات المحروقات بين البنزين والمازوت، يمكن زيادة /300/ل.ل. على قيمة الجعالة لكل صفيحة مازوت على ثلاث دفعات وذلك مع انخفاض أسعار النفط في الأسواق، كما أنه يمكن زيادة /80/ل.ل. على بدل النقل لكل صفيحة مازوت أحمر لأصحاب الصهاريج كذلك مع انخفاض أسعار النفط، على أن يترافق ذلك مع خفض وضبط أسعار المولدات الخاصة كونها تتأثر مباشرة بأسعار المازوت (وهي ذات كلفة عالية جداً على الاقتصاد والمواطنين وتتخطى الملياري دولار سنوياً) وهذا الأمر، الصادر بقرار من مجلس الوزراء لا يمكن أن يتم من دون إجراءات عملية من جانب وزارة الداخلية والبلديات من خلال مراقبة البلديات للعملية ومن جانب وزارة الاقتصاد والتجارة من خلال مصلحة حماية المستهلك والضبوطات المتوجبة لذلك، وذلك بعد أن كان تم الاتفاق على آلية في هذا المجال وتم إعلانها من قبل الوزراء الثلاثة المعنيين.
أما بالنسبة للزيادة على صفيحة البنزين، فإن الموضوع بحاجة الى مزيد من الدرس، لأن زيادة قيمة الجعالة ستؤدي الى زيادة إضافية في أعداد المحطات مما سيؤدي الى انخفاض الكميات اليومية المباعة من قبل كل محطة وإلى مطالبة جديدة لزيادة الجعالة، لذلك فإنه قبل ضبط عدد المحطات وإنهاء موضوع المحطات غير المرخصة أو غير الشرعية الذي هو موضوع مشروع قانون يتم التداول به في لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في مجلس النواب منذ آذار 2010، فإن أي زيادة على جعالة البنزين ستؤدي حكماً الى غير النتيجة المتوخاة، لا سيما أن الوزارة تعمل على إقرار مشاريع تزويد الغاز الطبيعي والمازوت (EURO5) للسيارات في المحطات المستوفاة للشروط، الأمر الذي يؤمن مداخيل إضافية ومتنوعة للمحطات وذلك في إطار خطة الوزارة للتخفيف من أعباء المحروقات على الاقتصاد وعلى المواطنين وهي مشاريع بحاجة الى متابعة من الحكومة للبت بالقوانين العالقة في هذا المجال في المجلس النيابي.
كما أنه يتوجب أيضاً، تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم 41 تاريخ 16/10/2012 الرامي الى بيع بنزين 92 أوكتان الى أصحاب وسائل النقل العام والقيام بما يجب سريعاً بغية بدء العمل به وتوفير المادة في السوق من خلال منشآت النفط وزارة الطاقة والمياه وبآلية تعتمدها وزارة الأشغال العامة والنقل.
إشارة الى أن وزارة الطاقة والمياه كانت قد أفادت بكتابها رقم 5971/و تاريخ 17/9/2012، أنها تقدمت بمشاريع قوانين عدة منها مشروع قانون المحطات السائلة والغاز الطبيعي الموجود في اللجان النيابية، إضافة الى مشاريع أخرى قامت الحكومة بإقرارها، وأن الوزارة تؤكد مجدداً أن الحل الوحيد لموجة ارتفاع الأسعار هو باللجوء الى المحروقات البديلة. وإن وزارة الطاقة والمياه تعرض الموضوع على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بشأنه. بناء عليه، وبعد المداولة، قرر المجلس الموافقة على عرض وزارة الطاقة والمياه لموضوع تعديل الجعالة للمحروقات ولموضوع ضبط ومراقبة أسعار المولدات الخاصة.
لكن لماذا يطالب أصحاب بزيادة الجعالة؟
في دراسة وضعتها نقابة اصحاب المحطات، تبين أن الحد الأدنى للأجور زاد بنسبة 60 في المئة، بعد رفعه من 300 ألف ليرة، الى 500 ألف ليرة، ليزيد الى 125 في المئة في 2012، وبالمقارنة مع سعر الصفيحة التي ارتفع سعرها من 2006 حين كان سعرها 22800 ليرة نحو 60،50 في المئة، مع وصول سعرها الى 37،700 ليرة في 2012، في حين أن الجعالة لا زالت 1600 ليرة عن كل صفيحة بنزين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.