الحديث عن مافيا مولدات الكهرباء الخاصة، أو دولة أصحاب المولدات، التي باتت شريكاً استراتيجياً للكهرباء تقنيناً وسعراً أعلى، ليس بالعهد الجديد، وإن لم يكن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل هو من أتى بها، إلا أنه هو من أرسى قواعد وجودها مع إعلانه في أيلول 2010، بدء وضع تعرفة على اساس نريدهم أن يربحوا لكن بشكل مقبول.
هذا المقبول لم يعد مقبولا مع تزايد ساعات التقنين ووصولها الى نحو 18 ساعة في اليوم. وفي صورة ابلغ، فان نحو 1،3 مليون مشترك في الكهرباء الرسمية، هم أيضاً مشتركون فعليون في مولدات الكهرباء الخاصة. وبذلك يصبح المواطن يتحمل فاتورتين، الاولى قيمتها نحو 100 دولار لاشتراك 5 أمبيرات للمولدات الخاصة، والثانية نحو 50 دولاراً بدل اشتراك 10 أمبيرات في كهرباء الدولة، وهو ما يشكّل نحو 33،3 في المئة من الحد الأدنى للأجور والبالغ 675000 ليرة.
وفي عملية حسابية، فان ما يدفعه 1،3 مليون مشترك سنويا*100 دولار شهرياً*12 شهراً=1520 مليار دولار، ولكن خبراء يقولون إن هذا الرقم يرتفع الى نحو 1،7 مليار دولار، وإذا أضيفت أثمان المولدات فإن الرقم أكبر بكثير.
ولكن لا يقف الأمر هنا أو عند هذا الحد، بل تشير الأرقام أنه منذ بداية العام 2000 حتى العام 2009 قارب عدد مولدات الكهرباء الخاصة نحو 457 ألف مولد، وبين عامي 1996 و2005، ارتفع عدد الاسر اللبنانية التي تستمد الطاقة الكهربائية من مولدات خاصة، من 216 الف اسرة الى نحو 500 الف، اي من 6,33 من مجموع الاسر الى 57. علماً ان 8,99% من الاسر مرتبط بالشبكة العامة لتوزيع الكهرباء. وذلك استناداً الى دراستي مديرية الاحصاء المركزي حول الاحوال المعيشية للاسر، لكن من المؤكد أن تزايد الطلب على الطاقة بفعل السياسات الخاطئة للوزير باسيل فإن هذا العدد زاد كثيراً ومعه زادت تكلفة اللبناني للحصول على الكهرباء ليحفظ كرامته، بعد أن أمعنت سياسات باسيل في إهراق الكهرباء هدراً وفساداً، وفي ظل سياسة الافقار التي تتبعها حكومة نجيب ميقاتي.
كلما زادت ساعات التقنين، كلما زاد الاشتراك في مولدات الكهرباء التي باتت مضبوطة بسقف التسعيرة التي وضعها الوزير باسيل، بيد أنّ السؤال هو أين تذهب أموال أصحاب المولدات الكهربائية؟ الدولة ليست شريكاً في الربح، لكن ثمة قطب مخفية كيف تعمل هذه المافيا وكيف يتم التواطؤ بين الدولة ومعها على حساب المواطن.
وفي ظل العجز والتقصير الكهربائي الرسمي، فإن دولة مولدات الكهرباء الخاصة، تستغل ذلك القصور بفرض ما يناسبها سواء على مستوى تسعير التعرفة أو على مستوى تغذية المشتركين بالتيار الكهربائي، والدولة حكماً لا تملك ساكناً، فحل معضلة الكهرباء بات يميل في جانب كبير منه الى شق التوافق السياسي، لأن الشق التقني منه معلوم بعد عشرات الخطط والدراسات لانقاذ القطاع من عثراته.
إن سعر تكلفة الكيلوات ساعة الذي تنتجه مولدات الكهرباء الخاصة يباع للمواطن بأضعاف الثمن الذي تبيعه مؤسسة كهرباء لبنان، إضافة الى أن مئات الميغاواتات التي تنتجها هذه المولدات خارجة عن نطاق الدولة وخارجة عن نطاق شركة كهرباء لبنان وهي لا تدفع (TVA) ولا ضريبة دخل ولا توفر فرص عمل وهي تفسد الأدوات الكهربائية في المنازل.
وبحسب دراسة موضوعة لدى وزارة الاقتصاد، فإن عملية الاحتساب لتشغيل المولد مع الأسعار المعطاة لطاقة مولد 200 ك.ف، تظهر ما يلي:
- تتوقف الطاقة الناجمة عن تشغيل مولد بالقدرة استناداً لمعادلة أنه لا يمكن سحب كامل الطاقة المنتجة من المولد إلا بمعدل 90% من قدرته بالتساوي من كل فاز، باعتبار أن المولد له 3 مخارج (فازات) ويختلف هذا استناداً لحالة المولد بحسب القدم والاستعمال.
- إن عملية احتساب ك.ف.أ واحد يعتبر 1.5 أمبير. هي عملية خاطئة، إذ ان المعادل الصحيح هو 1.3 أمبير في حالة 480 ف. وأن معادل كل 1 أمبير. على 220 ف. يوازي استعمال واستخراج 950 ف.، وقد تبين من خلال الوقائع لعمليات الاشتراك الممنوحة من أصحاب المولدات بوضع فواصل (ديجنتور) ولنأخذ مثلاً 5 أمبير. يكون في الواقع وإذا كان هذا الديجنتور (الفاصل) 3.8 في أحسن الحالات.
- أجمع الخبراء في المجال المذكور على أن المولد الواحد وبقوة 100 ك.ف.أ. يستهلك وقوداً بمعدل 5 ليترات كل ساعة، وبكامل قوة السحب للطاقة لذلك، فإن التكلفة الفعلية لمولد بهذه القدرة لجهة إعطاء 220 ساعة شهرياً، تظهر أن التسعيرة الموضوعة هي أكبر بكثير من التكلفة الفعلية.
يدفع المواطن اللبناني سنويا مليارا و700 مليون للمولدات والبنك المركزي يدفع سنويا مليارا و500 مليون أو ملياري دولار كما هو اليوم وضع العجز في مصاريف كهرباء لبنان، وبالتالي فإن العجز يقترب من 4 مليارات دولار، فأين هي السياسات التي وعد بها باسيل بإصلاح ذات البين مع الكهرباء، يكفي المشهد الشارعي....ذات مرّة قال باسيل إن معالجة أوضاع مولدات الكهرباء بدأت منذ حزيران (يونيو) 2009، ونحن نعلم أن وضعها غير شرعي، فبحسب القانون لا يحق لهم الانتاج والبيع، إلا أنهم اليوم يسدون حاجة الناس من الكهرباء، وهم اليوم أمر واقع، بعدها وضع تعرفة ثمّ أتبع التعرفة بتقنين وبخطة سمعناها جعجةً ولم نرَ منها طحيناً...معيداً بذلك اللبنانيين الى العصر الجاهلي ولسان حالهم يقول :
ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِي
بِصُبْحٍ، وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.