مهما حاول وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، أن يبسّط موضوع المياومين وجباة الاكراء في مؤسسة كهرباء لبنان، بذر رماد قضيتهم المحقة والعادلة في أتون الصراعات السياسية، وإدخالهم في بازار المعركة الانتخابية المقبلة، وتارة بتشويه الصورة من خلال تسويق مصلحة الدولة، فإن الأمر أكبر من ذلك، ولا يمكن لباسيل أن يخفي، بورقة توت مهترئة، الفضائح التي يجسدها هذا الملف الحساس والخطير، الذي تحوّل من مطلب اعتصامي سلمي وحضاري، الى قنبلة قابلة للتفجير مع غيرها من القنابل التي صنّعتها أيدي وزراء الاصلاح والتغيير في الحكومة الميقاتية، سواء كان ذلك في ملف الاتصالات أو الكهرباء، فكل حجر إصلاحي كانت تحته عقارب كثيرة....
.....من هنا تبدأ الحكاية
نظراً للنقص الهائل في الموارد البشرية في مؤسسة كهرباء لبنان، حيث أن ملاك مؤسسة كهرباء لبنان بحاجة الى 5000 موظف، فيما لديها نحو 1900 موظف بمتوسط اعمار يبلغ 53 سنة، بدأت المؤسسة تستعين بمتعهدين. وهؤلاء كانوا يأتون بعمال غب الطلب لملء الشواغر التي تحتاجها المؤسسة. إلا أنّ معظم هؤلاء العمال الذين أعطُوا تسمية المياومين وجباة إكراء، كانوا يأتون من خلال المؤسسة ويبرمون عقوداً معها، ثمّ يلحقون بمتعهد يوضعون على خانته، بموافقة ضمنية بين إدارة المؤسسة والشركات المتعهدة التي وصل تعدادها اليوم الى نحو 17 شركة، ومعها وصل عدد المياومين والجباة الى نحو 1813 مياوما ونحو 700 جابي إكراء، يمكن تقسيمهم طائفياً ومذهبياً على الشكل التالي: 15% من الطائفة السنية، 10% دروز، 20% مسيحيون، و65% من الطائفة الشيعية، وبمعاشات لا تزيد على الحد الأدنى الحالي: 28،500 ليرة للمياوم على 24 نهار عمل، وللجابي 500000 ليرة بالاضافة الى 1% عن الجباية....ولا تحتسب لهم أيام الأعياد والأعطال القسرية الناتجة عن المرض أو الحروب وغيرها، وليس لديهم تعويض في حال الوفاة او الاعاقة.
منذ نحو 10 سنوات، لجأت مؤسسة كهرباء لبنان الى مسألة التعاقد ومن الباطن مع هؤلاء، بسبب النقص الحاد في اليد العاملة، عقد باطني معها مباشرة وعقد ظاهري بينها وبين المتعهد، اي يوضعون على حساب المتعهد.
..... نحو الانفجار
في فصل مسرحي مهم أثار اعتراض الطبقة السياسية، وخضع للقضاء أقرّ قبل نصف سنة من اليوم وزارة الطاقة بعهد باسيل التعاقد مع شركات خاصة (SP)، عددها 3، بعقد يصل الى نحو 750 مليون دولار مدته 4 سنوات للقيام بأعمال الجباية والتوزيع، فيما نفس الخدمات تقوم بها المؤسسة بأقل من ثلث هذا المبلغ، وشهد مجلس النواب اللبناني مساءلات عدة، واحتكم للقضاء، لكن مشروع باسيل مشى على حساب هؤلاء المياومين وجباة الاكراء وعلى حساب بعض الامتيازات بطرق فيها الكثير من المغالطات.
هذه الشركات ستحل محل هذه الطبقة التي استجارت بها الكهرباء يوماً، ليأتي اليوم وزير الطاقة ويدحرجهم، متناسياً نضالاتهم ووقوفهم الى جانب المؤسسة بـأثمان زهيدة يوم تخلى عنها الجميع. أتى بالشركات لكنه فضَل أن يستغني عن خدماتهم رغم الأسعار النارية التي ستتكلفها الدولة مقارنة مع ما كان يحققه من وفر مالي للمؤسسة.
فمثلاً الفرق في أسعار المحولات (محوّل قدرة 400 ك.ف.أ): للمتعهد (غب الطلب) السعر 1100 دولار، التركيب 176 دولاراً، تنزيل مئوي 30% هو 3352،8 دولارا والمجموع يصبح 7823،2 دولارا.
أما الشركات الجديدة، فالسعر هو 10256،44 دولارا، التركيب 345،48 دولارا، تنزيل مئوي 30% لا يوجد والمجموع هو 10601،92 دولار.
اما تأهيل الدوائر فهنا تكمن الفضيحة، حيث أن كل متر مربع يكلف نحو 1211 دولار ويشمل الصيانة والتجهيز المكتبي (أثاث وحاسوب وهاتف ووصلة انترنت)، فتأهيل غرفة غرفة مساحتها 4*4 امتار مربعة *1211 دولارا=19376 دولارا.
ولا يتوقف الأمر هنا. فقد تحتاج الى دهان، بلاط، صيانة الكهرباء والنوافذ، أثاث مكتب كامل، حاسوب وآلة حاسبة، وقد لا تحتاج لكل هذا إلا أنه تبقى تكلفة التأهيل للغرفة هي هي، وطبعا ألحق باسيل تأهيل الدوائر بالتوزيع رغم أنها أنها ليست من صلاحيات مديرية التوزيع، وإنما من صلاحية صيانة المباني في مديرية الشؤون المشتركة.
ومع مجيء الشركات، بدأت لهجة باسيل تتصاعد يوماً بعد يوم، بدأ الحديث عن الاستغناء عنهم، فقدم مشروع قانون للاستغناء عن أكثر من نصفهم، وكان هناك في المقابل اقتراح قانون تدرسه لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه وفيه انصاف لهؤلاء، لكن باسيل كان مصراً على تعديل أي مشروع أو اقتراح قانون من الممكن أن يثبت هؤلاء بغير النسبة التي يقترحها هو أي 700 جابٍ ومياوم، وقال أن أي كلام عن حقوق تعاقدية هو غير صحيح، وهناك حقوق ان يعمل كل الموظفين وهناك حقوق معيشية ميزناهم، ومباراة بالخبرة المدنية.
ولكن ماء الحقيقة يفضح كذبة الغطاس، وذهب أبعد من ذلك عندما اعتبرهم خارجين عن القانون وعصاةً، يريدون الفتك بمؤسسة كهرباء لبنان، عندما بدأوا اعتصامهم قبل شهر، لكن أين يصرف هذا كلام باسيل عندما لم تكن مؤسسة الكهرباء وتسيير هذا المرفق الحيوي لا يمكن أن يتم دونهم، وها هو صندوق الضمان الاجتماعي يكشف تخرصّات ويدحضها، بأن هؤلاء هم لهم حقوق تعاقدية وان لهم حقوقاً أخرى، وينذر مؤسسة كهرباء لبنان بـ48،5 مليار ليرة بموجب المادة 78 من قانون الضمان الاجتماعي، بعدما تبين للصندوق أنها تمنعت من تقديم الجداول والمستندات المتعلقة بالاجور لعمال غب الطلب وعددهم نحو 2200 عامل.
ويفضح كتاب مرسل في 2/7/2010 الى الادارة العامة للكهرباء، زيف عدم الاقرار بالتعاقد من قبل المؤسسة. فاختيار العمال يتم من قبل المؤسسة ويبلغ المتعهدون بها وهذه الأسماء تتغير وتتبدل دون العودة الى المتعهدين. لا يمكن لمتعهدي غب الطلب وقف أي من هؤلاء العمال أو استبداله بآخر إلا من خلال المؤسسة، لقد سبق وطلبت المؤسسة من هؤلاء اخراجات قيد وسجلا عدليا وشهادات وخبرات، لذلك لا يمكن للمؤسسة أن تدّعي عدم وجود أي علاقة تعاقدية أو أي رابط نظامي بينها وبين هؤلاء العمال، الذي يعملون لصالحها وباشرافها ويداومون في مكاتبها.
كتاب الضمان الذي يفضح باسيل
وجاء في كتاب باسيل:
الطلب من الإدارة إعداد ملف حول عمال الإكراء وعمال المتعهد في مؤسسة كهرباء لبنان وشركة كهرباء قاديشا، كذلك عمال غب الطلب ورفعه الى مجلس الإدارة تمهيداً الى رفعه الى مجلس الوزراء عبر وزارة العمل خلال مهلة شهر.
حضرة رئيس مجلس الإدارة المحترم
الموضوع: ـ نتائج الرقابة على طلب عمال متعهدي غب الطلب في مؤسسة كهرباء لبنان التصريح عنهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ـ نتائج الرقابة في وضعية الجباة وقرّاء العدادات في شركة كهرباء قاديشا.
المرجع: ـ احالتكم عدد 285 تاريخ 24/2/2010 المتضمنة كتاب وزارة العمل عدد 339/3 تاريخ 20/2/2010 والمسجلة لدى قلم المديري العامة بالرقم 606 تاريخ 24/2/2010.
ـ قرار هيئة مكتب مجلس الإدارة رقم 462 المتخذ في الجلسة عدد 340 تاريخ 20/4/2010.
ـ كتابا مدير التفتيش والمراقبة رقم 17656 تاريخ 31/10/2011 المسجل لدى قلم الديوان بالرقم 494/2010 تاريخ 31/10/2011. ورقم 17145 تاريخ 2/11/2011 المسجل لدى قلم المديرية العامة بالرقم 2402 تاريخ 2/11/2011.
وحيث ان كتب وزير العمل السابق تضمنت الطلب الى الصندوق تكليف التفتيش لديه بإجراء الكشف اللازم على مؤسسة كهرباء لبنان وعلى شركة كهرباء قاديشا وعلى سجلات المتعهدين لديهما وتكليفهما بالتصريح عن الاجراء العاملين لدى متعهدي غب الطلب لصالح المؤسستين المذكورتين.
وحيث ان الإدارة رفعت كتباً جوابية الى مجلس الإدارة تضمنت الإجراءات المتخذة وتلك التي بوشر بها في هذين الموضوعين وهي التالية الكتاب رقم 472 تاريخ 13/2/2010 والكتابين رقم 828 و829 تاريخ 16/3/2010 والكتاب رقم 880 تاريخ 20/3/2011.
وان هيئة مكتب مجلس الإدارة في قرارها رقم 462 المذكور في المرجع أعلاه والمتخذ في جلستها عدد 340 تاريخ 20/4/2010 طلبت الى الإدارة إعداد ملف حول عمال الإكراء وعمال المتعهد في مؤسسة كهرباء لبنان وشركة كهرباء قاديشا كذلك عمال غب الطلب ورفعه الى مجلس الإدارة تمهيداً الى رفعه الى مجلس الوزراء عبر وزارة العمل.
وبناء عليه نفيد بما يلي:
أولاً: في الرقابة على مؤسسة كهرباء لبنان والإجراءات المتممة لها: تم الطلب الى المديرية التفتيش والمراقبة إجراء الرقابة على مؤسسة كهرباء لبنان وعلى سجلات المتعهدين غب الطلب لديها وأجرى الرقابة المفتش الأول أنس شبو بموجب أمر المهمة رقم 303/36 تاريخ 1/3/2010، ووفق التقرير المودع بتاريخ 30/6/2011 وأسفرت النتائج على ما يلي:
بلغ عدد المؤسسات المتعهدة التي يتبع لها هؤلاء العمال سبعة عشر (17)، بموجب عقود مع مصلحة كهرباء لبنان.
- أبرزت المصلحة المذكورة جداول بأسماء المتعهدين يعود تاريخ الالتزام معها الى العام 2002 علماً بأن مؤسسة كهرباء لبنان سبق ان خضت لرقابة شاملة بموجب التقرير رقم 10/11 ايداع 9/12/2002 شملت الفترة من 1/81 ولغاية 12/2001 وأسفرت نتائجها المالية عن توجب رصيد قدره 100 755 465 346 ل.ل ولم يتبين من خلالها ظهور أية معطيات تتعلق بظاهرة عمال غب الطلب. وبالرقابة الحالية لم يتمكن المفتش من انجاز الرقابة المطلوبة وفقاً للأصول القانونية، بسبب عدم تجاوب المؤسسة وعدم إبراز المستندات اللازمة وخاصة بكل ما يتعلق باللوائح الأسمية لهؤلاء العمال وأجورهم. لقد تم ضبط عدد من افادات هؤلاء العمال وتبين انهم يؤمنون أعمالاً أساسية في مصلحة كهرباء لبنان. وبالاستناد الى المعطيات التي توفرت للمفتش، تبين بصورة شبه أكيدة قيام علاقة استخدام قانونية ومنتظمة بين مصلحة كهرباء لبنان والعمال المذكورين الذين يبلغ عددهم بحسب ما أورده المفتش /2200/ أجيراً. وبالاستناد الى ما تقدم، وبسبب عدم تجاوب المؤسسة، تم تحديد عناصر تقدير الاشتراكات وفقاً لأحكام المادة 78 ضمان، ووفقاً للعناصر الأساسية التالية:
الفترة من 1/1/2002 ولغاية آخر فترة استحقاق.
عدد الاجراء /2200/ أجير.
الأجر الشهري 741000 ل.ل.
وقد استنتج المفتش الأجر الشهري على أساس ان هؤلاء الاجراء يعملون بمعدل 26 يوماً وبأجر يومي 28500 ل.ل. واستناداً الى التقرير المشار اليه اعلاه حددت المديرية المالية-مصلحة الاشتراكات، الاشتراكات المتوجبة سنداً لاقتراح المفتش ووفق العناصر المذكورة في تقريره فبلغت عن الفترة من 1/1/2002 ولغاية 30/6/2011 فقط 48575252000 ل.ل. ووجهت لمصلحة كهرباء لبنان انذاراً بدفع المتوجب المذكور سجل تحت رقم الصادر 5 تاريخ 3/10/2011.
الحل بالتثبيت
لا ينفك المياومون بالمطالبة بحقوقهم، واعتصامهم المفتوح الذين يؤكدون سلميته، يقولون إن من يتحمل مسؤولية خرقه هو تصريحات باسيل الهمايونية ورفضه الجلوس معه، وصراخنا هو من وجع وليس من باب سياسي أو تخريبي كما يدّعي، ويستندون الى تفنيد أقواله بأنهم فقط عمال المتعهد بل هم أبرموا عقوداً باطنية يفضحها الضمان الاجتماعي، ويقولون إنهم لا يريدون معهم مياومين يحملون ازدواجية عمل أو لديهم سجلات عدلية غير نظيفة، بل إن عدد هؤلاء الذين يمكن أن يتم تثبيتهم لن يتجاوز الـ1700 عامل كما هم يطالبون، وقالوا إن باسيل حاول ان يتلاعب مع لجنة الادارة والعدل بالقول أنه 700 عامل وجابٍ، في الأمكنة لكنه أخفى من المياراة مديرية التوزيع التي يمكن وحدها أن تضب نحو 1350 مياوماً وجابياً، فيما هو يريد أن يثبت نحو 700 في المديريات الأخرى، وسألوا عن معنى المباراة وقد أنفقوا 10 سنوات من عمرهم في المؤسسة؟، فهل اليوم اكتشفوا اننا لا نفيد المؤسسة، كرمى لعيون الشركات والتي ستأخذ فقط على الجباية نحو 10% بينما المتعهد كان لا يأخذ أكثر من واحد بالمئة، وحيث أن الجبابات ستعمل في المناطق التي يمكن الجباية فيها، لا مناطق أخرى.
ويقول المعتصمون لن نبرح مكاننا، حتى نثبت...ماضون في الاعتصام الى النهاية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.