خطان متوازيان.. المالكون والمستأجرون القدامى.. تلك هي قصة ابريق الزيت التي لا تزال تحتاج الى ميزان من ذهب ليساوي بينهما بالغرام، سيما وان الأزمة تطال نحو 180 ألف مستأجر بناء لعقود قديمة غير محررة أي مقيدة، قبل العام 1992.
الأزمة القديمة بين هذين الخطين المتوازيين استعر أوارها مجدداً، مع تسريب مسودة مشروع قانون الايجارات الذي تعكف لجنة الادارة والعدل النيابية على دراسته. علما انه لم يتبق لها سوى 3 أو 4 جلسات لانجاز المشروع المؤلف من 3 مراحل تحت عناوين ايجار الأماكن السكنية، والايجار التملكي وانشاء صندوق لمساعدة العاجزين عن تحقيق بدل المثل للمستأجرين الذين لا يستطيعون تطبيق الزيادات التي يفرضها القانون الجديد.
وقد اثار المشروع، الذي يمدد مدة 6 سنوات للمستأجرين القدامى مع التجديد مرة واحدة مدة 3 سنوات برضى الطرفين ـ المستأجر والمالك ـ حفيظة المستأجرين القدامى حول موضوع الزيادة التي ستطرأ على بدل الايجار منذ السنة التمديدية الأولى، لتنتهي الى بدل المثل في السنة السادسة مع تحرير عقد الايجار القديم، فيخرج المستأجر بعدها من دون تعويض. والمستأجرون المتفهمون لـظلامة المالك، يعتبرون أنّ الظالم هي الدولة التي عليها ان تلتفت الى هذه الشريحة عبر خطة اسكان، تأخذ الجانب الانساني والاجتماعي في الموضوع لا الجانب القانوني البحت.
لكن المالكين القدامى، الذين يقارنون أنفسهم بالمالكين الجدد، لا يجدون حرجاً في توصيف انفسهم بأنهم باتوا بدرجة أقل ناطور البناية، ويسخرون مما آلت أوضاعهم المعيشية بعد زيادات الأجور وتراجع القدرة الشرائية، وقد أصبحت ايجارات أملاكهم بثمنٍ بخس لا يكفيهم قوت يومهم.
لا ينفك المالكون يرددون بأنهم ليسوا ضد المستأجر القديم، لكنهم مع قانون واحد للايجار ينصفهم، كما في الدول المتقدمة، وهذا حق من حقوقهم على الدولة.
الجسر: لا نستهدف الفقراء
عضو لجنة الادارة والعدل النيابية، النائب سمير الجسر، يوضح لـالمستقبل إنّ مشروع القانون لا يستهدف الشرائح الفقيرة ولا يهدف الى عملية تهجير، معتبرا ان ما قيل حوله أنّه سيتسبب بمآسٍ وتهجير هو كلام عارٍ من الحقيقة، وذو طابع انشائي، لأنّ القانون لم ينتهِ بعد، وبالتالي نحن نحاول أن نعادل بين كفتي الميزان اي المالك والمستأجر.
وأوضح ان القانون يحاول ان يوجد توازناً بين المستأجر والمالك، ولا يمكن أن يعطى المالك لافتا الى انه من غير المنطقي ترك هذه المشكلة على غاربها منذ العام 1992. اضاف قبل هذا العام، كانت العقود مقيّدة وبعدها أصبحت محررة، وكان الوعد آنذاك بأن تحرّر العقود.. لكن 20 سنة مضت ولم تحرر العقود القديمة. الآن يدرس هذا الملف بتأنٍ بشكل لا يظلم فيه أحد، والعقد سيتحرر تدريجاً بعد إقرار مشروع القانون بأكمله، وهذا يحتاج الى نحو 3 الى 4 جلسات للجنة، وبعد إقراره في الهيئة العامة، ستكون هناك فترة 6 سنوات ليتم تحرير العقود القديمة.
واستهجن الجسر، الكلام، عن استهداف مشروع القانون المطروح للشرائح الفقيرة أو تلك التي لديها دخل محدود، وقال هناك في المشروع ما يسمى صندوق مساعدة، لهؤلاء الذين سيترتب عليهم الزيادات المطروحة، وهذا سيكون بتمويل من الدولة حتى لا يكون هناك تظلّم لأحد.
وسأل إن كان المالك يتقاضى بدل ايجار عن المأجور، الذي يساوي اليوم 1000 دولار، مئة دولار، فما هي المشكلة إن زاد تدريجاً من الآن الى 6 سنوات ليصبح بدل المثل، وبالنسبة لبدل المثل سيكون هناك خبراء تخمين حتى لا يظلم أحد، ونحن نحاول من خلال هذا المشروع الذي لا يزال يدرس أن نعادل بين كفتي الميزان.
أمّا في ما خص الايجار التملكي، فأشار الجسر الى أنه يوجد اليوم اقتراح قانون يعدّه وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبوفاعور، موضحا ان الايجار التملكي لا علاقة له بالمأجور القديم، بل هو نوع من الايجار للأبنية المنشأة حديثاً بتمويل من الدولة وبفوائد صفر.
يشار الى أنّ الرئيس السابق للمؤسسة العامة للإسكان انطوان شمعون كان وضع عام 2000، اقتراح قانون ايجار تملكي، يتضمن آلية ترمي الى توفير مساكن لذوي الدخل المحدود، فيما تُعطى الافضلية للمستأجرين القدامى ولجيل الشباب المنخرطين حديثا في سوق العمل، إلا أن الاقتراح المذكور لم يأخذ طريقه الى النور، والآن تعد وزارة الشؤون الاجتماعية قانون ايجار تملكي ستدرسه لجنة الادارة والعدل بعد انهاء اللمسات الأخيرة عليه.
عبد الصمد يأسف
من جهته، نائب رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين عصمت عبد الصمد، قال إنه من خلال الاطلاع على مسودة مشروع القانون، يتضح أنه موجه ضد المستأجرين القدامى، مبديا أسفه لعدم إشراك ممثل عن المستأجرين في جلسات لجنة الادارة والعدل، رغم وجود ممثلين عن نقابات ومصرف الاسكان وغيرهم.
وأكد أن مشروع القانون المذكور لا يستهدف فقط شريحة المستأجرين القدامى بل يستهدف المالكين الصغار، ذلك أنّه بمجرد تفريغ المأجور القديم من ساكنيه بعد 6 سنوات ستبدأ عمليات المساومة على تلك المنازل وشرائها من قبل شركات عقارية لم تعد تجد أراضٍ لشرائها والبناء عليها.
ودعا عبد الصمد الى توحيد الجهود بين المالك والمستأجر، مشيراً الى ان المالك مظلوم لكن هذا الظلم ليس المستأجر القديم مسؤولا عنه، بل الظروف الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار.
وحول تسوية المشكلة وكيفية الخروج منها، قال عبد الصمد إنّ الحل ليس من خلال تحرير العقود بل من خلال خطة اسكانية تضعها الدولة لنحو 180 ألف مستأجر بعقود قديمة (مقيّدة)، أغلبهم دفع بدلات إخلاء قبل الايجار، وحتى تضع الدولة خطتها يجب أن يمدد قانون الايجار الحالي. واعتبر أن الكلام عن صندوق مساعدة حسنات لا يحل المشكلة، بل الحل هو في خطة اسكانية مدروسة.
واستغرب كيف أن الدولة تنصف المحتل للبيوت وتسدي اليه تعويضات كبيرة، وكيف أنّها تظلم من التزم شرعياً الى بيت المالك بموجب عقد.
ولفت الى أن التخمين القائم على أساس 7% أقله سيكون 14000 ألف دولار في السنة وهي التي ستوضع على المستأجر، فكيف سيتحملها؟
رباحية: لسنا نواطير
اما رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المالكين القدامى جورج رباحية، فقال نحن لا نريد رمي المستأجرين القدامى في الشارع، بل نحن نتمسك بهم على أسس العدل والانصاف وبشكل لا يظلمهم ولا يظلمنا، فهل يعقل أن بيتاً يقدّر ثمنه بآلاف الدولارات، ان يكون ايجاره الشهري بين 30 و40 ألف ليرة. أنا أقول طبقوا العدالة والمساواة وعاملوا المالكين كنواطير البنايات.
أضاف نحن نطالب بحدٍ أدنى للايجار كما يوجد حد أدنى للأجور. وسخر من مطالبة المستأجرين القدامى بتعويض يصل الى 40%، وقال كيف يُطالب المتضرر بمثل هذا التعويض، هل نحن بنينا ليستأجر مجاناً، نحن نريد مالنا لا مال الدولة ونريد أن نعيش بكرامتنا وألا نمدّ يدنا، للأسف بعضهم يطلب بدل إخلاء لسنا ضده، بل نحن مع اعطاء المستأجر بدل الاخلاء شرط اثباته.
في الختام، هل تستطيع الدولة من خلال مشروع القانون الحالي تحقيق العدالة المنشودة، وان تعيد لكل ذي حق حقه؟ سؤال ستجيب عنه لجنة الادارة والعدل عندما تنتهي من صياغة مشروع قانون الايجارات الجديد نهائياً وبمراحله الثلاث.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.