8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ضخ الغاز المصري في آب لإنتاج 450 ميغاوات

لن ينتهي الحديث عن الغاز المصري الذي يشكل صمام الأمان في المرحلة المقبلة، مع قرار الدول المنتجة والمصدرة للنفط بزيادة الأسعار، وهو ما يشكل أزمة إضافية تضاف الى أزمات قطاع الكهرباء اللبناني، والذي بات أبو الأزمات الاقتصادية التي تعانيها الدولة، مع تعثر ايجاد حل جذري يبدأ بالتوافق السياسي وينتهي بالحل التقاني والفني....
ومن المقرر أن يبدأ لبنان تلقي شحنات من الغاز المصري تصل الى 900 ألف متر مكعب يومياً بدءاً من مطلع الشهر المقبل، لترتفع هذه الكمية الى 1،800 مليون متر مكعب في تشرين الأول (أوكتوبر) المقبل، بموجب اتفاق وقع بين البلدين، وهذا ما سيمكن معمل دير عمار الذي يعمل الآن على مادة الغاز أويل من انتاج نحو 450 ميغاوات على الغاز الطبيعي، لكن لن تكون هناك زيادة في كميات الانتاج الكهربائي على مستوى المعامل.
ولن يتوقف الدعم المصري عند هذا الحد، إذ أن المعلومات المتوفرة وفقاً لمصدر مطلع، تفيد أن الجانب المصري أبدى استعداداً لزيادة كميات الغاز بشكل يسمح بانتاج 450 ميغاوات إضافية، في حال انشاء معمل جديد كما كان مقرراً ومتفقاً مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC)....
وبالعودة الى الغاز المصري التي ستبدأ طلائعه بدءاً من أول الشهر المقبل، قال مصدر مطلع لالمستقبل إن الجانب المصري سيرسل فريقاً فنياً وتقنياً للإشراف على عملية التجارب بالتنسيق مع الجانب السوري خلال الشهر الجاري، على أن يستمر الفريق في عمله مدة سنة للمساعدة في تشغيل وصيانة خط الغاز، كون المصريين يملكون خبرة في هذا المجال، وستكون من ضمن مهمة الفريق أيضاً تدريب الفنيين والتقنيين اللبنانيين لهذا الموضوع.
ولفت المصدر الى أن الجانب المصري سيضمن وصول إمدادات الغاز الطبيعي الى لبنان، في حال بروز عقبات سياسية أو ما شاكلها، ويمكن في هذا السياق، تجيير ما حقق الى الآن على صعيد هذا الملف الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي حقق ما كان يصبو إليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي تولى قيادة المفاوضات المباشرة مع مصر والدول العربية للمساهمة في ربط لبنان معها في مشروعي الربط الكهربائي وخط الغاز العربي، إلا أن مشروعه المتكامل للقطاع تعرض لما يشبه سباق الحواجز، فلا ينتهي حاجز حتى يظهر آخر. ولكن المعوقات لم تقتصر على قدرات القطاع الانتاجية بل تعدتها الى المسألة المالية وهي الأهم، إذ أن الدين العام (نحو 50 مليار دولار) بثلثه يعود الى القطاع المتعثر مالياً، لكن القطاع برمته تحول الى مادة للسجال السياسي، وآخر مشكلة افتعلها وزير الطاقة والمياه المنصرف آلان طابوريان في مجلس الوزراء..
واليوم وأكثر من أي وقت مضى أو سيأتي تبدو الحاجة ملحة لاستجرار الغاز الطبيعي، مع ارتفاع تكلفة المحروقات وفي ظل رفض وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان تعديل التعرفة التي لا تغطي ثلث تكاليفها، والموضوعة على أساس سعر البرميل 25 دولاراً، فيما يشرئبُ البرميل الى سعر لا يقل عن 70 دولاراً.
ويضاف الى ذلك أن العجز في موازنة كهرباء لبنان سيتفاقم، فقد وضع على أساس سعر البرميل 54 دولاراً، أي بفارق 16 دولاراً عن السعر الحالي، ووفقاً للموازنة الموضوعة، فإن ثمن مشترى محروقات وطاقة يستحوذ على ما نسبته 72،77% من مجموع النفقات. ومن المؤكد ان عجز الكهرباء في ظل أسعار النفط الحالية ستخطى ألف مليار ليرة، إلا أن وصول الغاز المصري سيحول دون تفاقم هذا العجز مع توفير نحو 200 مليون دولار. وقال مصدر في مؤسسة كهرباء لبنان، إن العجز في الكهرباء سيزيد مع ارتفاع سعر البرميل، إلا أن عامل الغاز سيخفض من الفاتورة، وبذلك لن يرتفع العجز أكثر من ألف مليار ليرة.
إذاً، بعد 13 سنة فإن جزءاً مهماً من مشروع الغاز المصري يبصر النور، بيد أن لبنان الذي كان نقطة ارتكاز في خط الغاز العربي، ولاعباً أسياسياً، أصبح مستهلكاً ولم تعد تصح تسميته باللاعب، لكنه سيكون مستفيداً على صعيد الوفر من جراء استجرار الغاز المصري عبر الأراضي السورية والأردنية، فضلا عن مزايا خفض الخسائر الفنيية والاعطال.
ويقول المصدر إن فكرة استجرار الغاز الطبيعي لزوم معامل توليد الطاقة في لبنان من سوريا ومصر، تعود للرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأضاف بحسرة إن لبنان كان من المؤسسين ليصبح اليوم من المستهلكين. ففي البداية كان مسار الخط من مصر الى الأردن، ثم سوريا ومنها الى معمل الزهراني ومن ثم الى دير عمار ومنها الى جنوب سوريا وتركيا، واليوم اصبح للبنان تفريعة من الخط سيدفع عليها رسم مرور لكل من سوريا والأردن ومصر. إذ أن لبنان أصبح في آخر الخط، أي مصر-الأردن سوريا ومنها الى شمال لبنان (معمل دير عمار).
والعقد اللبناني الموقع مع مصر ينص على بدء الضخ من اول آب (أغسطس) المقبل، بمعدل نصف الكمية المتفق عليها اي 900 ألف متر مكعب، على ان تبدأ طلائع وصول الكمية الكاملة في الأول من تشرين الأول (أوكتوبر) المقبل. أي نحو 600 مليون متر مكعب سنوياً لمدة 15 سنة قابلة للتجديد.
ويقول المصدر إن الجانب اللبناني اتفق مع الجانب المصري خلال زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الأخيرة الى القاهرة على موضوع الأسعار ولم يبق فقط سوى موضوع رسم العبور بالنسبة لمرور الغاز الطبيعي في سوريا، ويضيف أن هناك تقدماً في المفاوضات الجارية مع الجانب السوري بمساعدة الأشقاء المصريين، للوصول الى رقم مقبول يساعد لبنان، علماً أن المسارين المصري والأردني سالكين منذ بداية الاتفاق.
ويشير الى أن الكمية المتفق عليها مع الجانب المصري تكفي لانتاج 450 ميغاوات. إلا أن المصدر يلفت الى أن هناك استعداداً مصرياً لزيادة كميات الغاز لانتاج 450 ميغاوات أخرى، وهي طبعاً ستغذي معملا جديدا، وهو من المواضيع المطروحة على هذا الصعيد.
ويؤكد المصدر أن لا عراقيل فنية تحول دون ضخ الغاز المصري في أنبوب الغاز اللبناني، الذي تولت أعماله شركة حاوي اخوان، إلا أن هناك عقداً مع الجانب المصري لإرسال فريق فني وتقني لصيانة وتشغيل الخط مدة سنة، على أن يتولى هذا الفريق تدريب فنيين وتقنيين لبنانيين.
ويشير الى أنه كان من المفترض أن تأتي شركة متانو إن بياني الايطالية التي بنت الخط بعقد من الباطن مع شركة سامي حاوي، لفحص الخط إلا أنها لم تأتِ.
وحول ما إذا كان معمل دير عمار لا يزال سليماً لجهة استعمال الغاز الطبيعي بعد استعمال مادة الغاز أويل فيه، يشير المصدر الى أن لا شيء يحول دون استعمال الغاز الطبيعي، ويفترض بأن تعطي شركة سمنز تقريراً بهذا الشأن بعد أن تضع اللمسات الأخيرة عليه.
ويلفت الى أنه بداية سيتم تشغيل نصف الوحدات الانتاجية في المعمل، وسيكون الفريق المصري حاضراً في لبنان خلال شهر تموز (يوليو) المقبل، لإجراء تجارب قبل البدء بضخ الغاز، على أن يتم التنسيق في هذا المجال مع الجانب السوري.
وقال المصدر إن الغاز المصري لن يسهم في زيادة الطاقة المنتجة في المعمل، إلا أنه سيسهم في خفض فاتورة المحروقات بنحو 200 مليون دولار سنوياً، لأن زيادة طاقة الانتاج تتعلق ببناء معامل جديدة وتأهيل المعامل الموجودة، ولفت الى أن المعمل الذي كان مزمعاً انشاؤه في معمل دير عمار بطاقة 450 ميغاوات، بناء للتوقيع الموقع مع مؤسسة التمويل الدولية IFC كان ملفه جاهزاً للتلزيم، إلا أن وزير الطاقة آلان طابوريان، لم يحبذ الأمر بتشركة القطاع الخاص. هناك أموال للدولة في هذا المجال خصصها مؤتمر باريس3 للبنان في مجال الطاقة، وعليه يجب الافادة منها. الوزير طابوريان ركز على موضوعي الانتاج والمحروقات وتنويع مصادر الطاقة، إلا أنه لم يدرج في خطته موضوع التوزيع والنقل والهدر والقطاع الخاص، على الرغم من أنه يؤمن بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ولا يؤمن بالتشركة بينهما.
وكانت الحكومة اللبنانية قد وقعت في حزيران (يونيو) 2007، اتفاقاً مع مؤسسة التمويل الدولية لمساعدة الحكومة في اطلاق عملية اشراك القطاع الخاص في انتاج الطاقة الكهربائية، لتلبية حاجات لبنان المستقبلية في هذا المجال، تقدم بموجبه المؤسسة الدولية خدمات استشارية مالية لمساعدة لبنان في بدء الاستعانة بمنتجي الطاقة المستقلين وستتولى المؤسسة الدولية، بموجب الاتفاق، تنظيم عملية جذب شركات من القطاع الخاص لتولي انتاج 450 ميغاواط من الطاقة الكهربائية في منطقة دير عمار، تلبي الجزء الأكبر مما سيحتاج اليه لبنان بحلول السنة 2010، والبالغ 550 ميغاواط. إلا أن الوزير طابوريان رفض طريقة الاعتماد على منتجي الطاقة المستقلين IPP باعتبارها تمثل تمويلاً بتكلفة عالية تلزم الدولة بأسعار محددة خلال فترة طويلة، وان إنتاج الطاقة عبر IPP سيمثل تكلفة إضافية على خزينة الدولة.
لكن ماذا لو أن الجانب السوري عرقل إمدادات الغاز المصري الى لبنان، على غرار ما كان يحصل في مسألة الحدود البرية؟.
يعود المصدر بالذاكرة الى سنوات قليلة مضت، ويقول كان هناك استعداد سوري لتزويد لبنان ب3 ملايين متر مكعب يومياً حيث صدر القانون رقم 509 تاريخ 24/7/2003 الذي يجيز للحكومة اللبنانية ابرام اتفاقية بيع الغاز من الشركة السورية للنفط الى وزارة الطاقة والمياه. الا انه وبالرغم من انجاز لبنان ما هو مطلوب منه على صعيد مد أنبوب الغاز، تبين ان هناك طلباً متزايدا على طلب استعمال الغاز الطبيعي في سوريا، وبالتالي ان كميات الغاز الطبيعي المستخرجة من الآبار السورية لا تكفي لتغذية معامل الانتاج حيث لم يتم استجرار الغاز السوري كما كان مقرراً. وإذ يستبعد أن تكون السياسة قد ألغت الاتفاق، من باب أن سوريا أيضاً وقعت اتفاقاً أيضاً لاستجرار الغاز المصري. إلا أنه لم يستبعد تداخل السياسي بالغاز على غرار ما حصل في الأشهر القليلة الماضية بين روسيا وأوكرانيا. بيد أن المصدر يؤكد أن المصريين هم الضمانة في هذا المجال، إذ أنها هي المصدر، ولبنان هو من ضمن منظومة خط الغاز العربي، أي أن لبنان لن يكون وحده في مثل هكذا أزمات، فمقابل الضغط السوري سيكون هناك ضغط مصري.
أما في ما يتعلق بامكان توقيع اتفاق مع الجانب المصري لاستجرار غاز طبيعي للمنازل، يقول المصدر إن شركة شل وضعت خطة لامكان استخدام الغاز الطبيعي في المنازل، وذلك في العام 2004، إلا أنه تبين أن الأمر يحتاج الى جهد كبير وبنى تحتية وغيرها، والأهم أنه يحتاج مدناً بحجم العاصمة بيروت أو أكبر، بالإضافة أن عدد المستهلكين ليس بالمستوى الذي يمكن أن يشكل وفراً كبيراً، إلا أن المصدر لم ينف أن تكون هناك دراسة حول هذا الموضوع.
وحول امكان استخدام الغاز الطبيعي في معمل الزهراني المجهز لهذا النوع من المحروقات، قال إن الخطة سابقاً كانت تلحظ مد تفريعة من دمشق الى الزهراني، إلا انه تبين بعد دراسة أنها غير مجدية اقتصادياً، وقال إن هناك تفكيراً لانشاء معمل للغاز السائل في الزهراني ولكن الموضوع يحتاج الى معمل آخر، لأن انشاء معمل واحد غير مجد اقتصادياً، ومن المقرر صدور تقرير شركة كهرباء فرنسا عن أوضاع الكهرباء في لبنان، إلا أنه تأخر بفعل المشكلات القائمة بين الشركة المذكورة والوزير طابوريان.
وأشار المصدر المطلع الى أنه بناء على التقرير الذي سيصدر ستتحرك الحكومة المقبلة لاكمال خطتها في تحديث قطاع الكهرباء وتطويره.
إن تأخر لبنان عن اعتماد الغاز الطبيعي، أسهم بلا شك في جزء من المأساة الاقتصادية، ويكفي أن يكون قطاع الكهرباء وحده يشكل ما نسبته 40% من صافي الدين العام بنهاية العام 2008 ، إلا أن الصحيح هو المثل القائل أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00