8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

البنك الدولي يناشد وضع خارطة طريق لخلق 21 ألف فرصة عمل في الشمال

لا يبتعد كثيراً التقرير الأخير للبنك الدولي حول طرابلس والصادر تحت عنوان فرص العمل لشمال لبنان، عن تأكيد المؤكد من أن العاصمة الثانية مدينة فقيرة، ومن أن ذلك مرتبط الى حدٍ كبير بهشاشة الاقتصاد المديني، كما أنّه زاد هشاشة مع تدفق النازحين الى العاصمة الثانية.
التقرير الذي يقع في 83 صفحة والذي حصلت المستقبل على نسخة منه، يقول ان الشمال يضم الاكثرية المطلقة من عدد الفقراء في لبنان، ما يعادل نحو 290 الفاً او ما نسبته 36 في المئة من عدد اللبنانيين، وهو معدل اعلى بكثير من المعدل الوطني.
ويلقت التقرير الى ان نحو 90 في المئة من العاملين في العاصمة الثانية، يعملون في قطاع غير رسمي (أو غير قانونيين). وهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، ويشكّلون نحو 38 في المئة من القوة العمرية العاملة من سكان طرابلس.
بيئة الاستثمار
يقول التقرير ان الشمال يواجه ضعفاً قوياً في الاقتصاد الذي يراوح ما بين زراعي وعقاري (يتركز ذلك في الأقضية المحيطة بطرابلس، فيما الصناعة والتجارة والخدمات متركزة في العاصمة الثانية)، معطوفاً على اوضاع سياسية واجتماعية غير آمنة، وهو ما جعله بيئة لـتهريب الاستثمارات والكفاءات الى الخارج. فمعظم الاستثمارات تتركز في جبل لبنان الذي يستحوذ على 60 في المئة من اجمالي المشاريع الاعمارية والاستثمارية المرخصة، مقابل 6 في المئة فقط في الشمال الذي يشكو غياباً كبيراً للاستثمارات الأجنبية.
اما البيئة التجارية فغير مواتية بسبب ضعف الحكومة المركزية التي لم تتحرك لادخال اصلاحات جوهرية من شأنها ان تحسن اقتصاد طرابلس، كما الى ضعف ضبط السياسات المحلية في الكثير من المناطق.
ويتحدث التقرير عن وجود استثمارات حالية بقيمة 229 مليون دولار في الشمال تستهدف نحو 33 في المئة من البنى التحتية، بامكانها أن تحسن مباشرة انتاجية المؤسسات ونموها.
ويوضح أن كبار المستثمرين في الشمال يميلون الى الاستثمار في مشاريع صغيرة في القطاع الخاص، حيث ان 6 فقط من بين أهم 20 مستثمراً يستثمرون في انشاء شركات ذات انتاجية عالية نسبياً، مثل الحلاب الذي يوظف ما يقارب 500 عامل. والاخرون يميلون الى انشاء مستشفيات ومدارس وشركات كهرباء. هذا بالاضافة الى ان معظم شركات القطاع الخاص لا توظف اكثر من 200 عامل، مثل شركات المواد الغذائية، والسياحة، والطباعة، والمعلوماتية والاتصالات. علماً ان الاقتصاد الشمالي يتميز بوجود شركات صغيرة الحجم. كما ان ضآلة مشاريع الاستثمار تتسبب في خفض نسبة التوظيف، بحيث يفوق عدد طلبات العمل حجم العرض. فهناك 54 في المئة من الموظفين يعملون لصالح شركات لا يتجاوز عدد عمالها 9 أشخاص، و41 في المئة يعملون لصالح شركات لا يتعدى عدد عمالها 5 موظفين. وحتى ان توافرت فرص العمل من قبل شركات القطاع الخاص، فهي دون مستوى كفاءة معظم طالبيها. ويشير التقرير في هذه النقطة الى ان القطاع الخاص يطغى على القطاع العام من حيث الوظائف المتوافرة خلافاً لدول شرق المتوسط. اذ يسهم القطاع الخاص بنسبة 87 في المئة من مجموع العمالة. مع الاشارة الى ان نسبة التوظيف من قبل القطاع العام في الشمال تتجاوز بنسبة 20 في المئة عن تلك المسجلة في سائر مناطق لبنان.
ويقول التقرير إن الوضع لم يتغير كثيراً بالنسبة للشمال بعد مرور عقد من الزمن، اذ لم يسجل انشاء مؤسسات جديدة. كما يشير الاحصاء أيضا الى ان 15 في المئة فقط من المؤسسات في الشمال مسجلة مقارنة بـ37 في المئة في جبل لبنان و50 في المئة في بيروت، مما يدل على ان القطاع الخاص في الشمال يفتقر الى التطور والتضخم والقدرة على خلق أعمال جديدة.
كما يلفت الى ان النمو الذي يشهده اقتصاد العاصمة الثانية لم يترجم في خلق فرص عمل جديدة، وهي وان وجدت، فهي ذات انتاجية ضعيفة الى حدٍ كبير، ومعظمها يبقى في القطاع غير الرسمي. ومن التحديات التي يواجهها اقتصاد طرابلس والشمال، وفق ما جاء في التقرير، استمرار تدفق النازحين، وهو ما يرهق اقتصاد الشمال، لا سيما وأن النازحين باتوا يشكلون نحو 32 في المئة من سكان العاصمة الثانية، ما يفاقم الضغوط على الخدمات الاجتماعية وعلى سوق العمل. إلا أن هشاشة الاقتصاد متواجدة قبل أزمة النزوح، خصوصاً وأن جولات العنف بين باب التبانة وجبل محسن أسهمت بذلك الى حدٍ كبير. وزاد من هشاشة الوضع التواجد العسكري في المدينة وهو ما يرهق الاقتصاد ويضعف الانتاجية.
ويرى التقرير أن من أسباب الضعف أيضاً، عدم التوافق بين الشهادات التعليمية وبين فرص العمل المعروضة، ويشدد على وجوب ازالة هذا المعوق وصولاً الى توفير انتاجية اكبر وأفضل. ويتطرّق الى مسألة مهمة، وهي أن البحث عن سوق العمل يعتمد بالدرجة الأولى على المعارف الشخصية. فيما النظرة الايجابية لهذا الامر، تكمن في مرونة العمال الذين يوافقون على اعمل حتى بغير الشهادات التي يحملونها.
وعلى المدى الطويل، يشير التقرير الى ان طرابلس بامكانها أن تكون منصة لاطلاق اعادة اعمار سوريا، مع توفير الخبرات والتقنية والخدمات اللوجستية المطلوبة، ولكن ذلك يتطلب وقف الحرب الدائرة في سوريا. وينصح بالربط بين الشركات المتواجدة في بيروت التي تتمتّع بقدرة تنافسية، مع الشركات العالمية التي يمكنها أن توفر خبرات، ما من شأنه ان يساعد في خلق فرص عمل ولا سيما في الصناعة.
ويطالب التقرير بضرورة العمل على التدريب والتأهيل المهني، ويؤكد أن الشمال يتطلب نوعية جديدة من الاستثمار لتحفيز النمو، ولكن هذا الأمر يتطلب زيادة في الرواتب.
ويؤكد التقرير أن من ابرز التحديات في الشمال، هو تحدي خلق فرص عمل. فسوق العمل غير رسمي، وهو امر يترافق مع نسبة فقر مرتفعة. كما يواجه الشمال عموما صدمات خارجية مستمرة، بالاضافة الى وضع امني غير مستقر.
ويعطي التقرير خارطة طريق حول ما يمكن فعله لتخطي التحديات التي يواجهها الاقتصاد الشمالي على المدى القصير والمتوسط والطويل، من خلال ايجاد فرص عمل مهمة وضمن القيود الموجودة (ضرورة ايجاد نحو 21 ألف فرصة عمل، أو ما يعادل 4 آلاف فرصة عمل سنوياً على مدى خمس سنوات، لانقاذ الوضع)، وتحسين شامل لنوعية العمل، ومن خلال التدخل في المناطق الاكثر فقراً ولا سيما تلك التي يتواجد فيها النازحون السوريون، لتخفيف الفقر وايجاد نوع من العدالة الاجتماعية، في المناطق التي يتواجد فيها الصراعات.
ويدعو الى ضرورة تخطي هذه التحديات من خلال النقاش مع سلسلة من المتمولين المهمين مثل أعضاء غرفة التجارة في طرابلس، والتحاور مع المجتمع المدني.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00