8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مؤتمر لندن.. الكويت والأردن في الواجهة

كشف مؤتمر لندن للمانحين وعياً دولياً لأبعاد الأزمة السورية والنتائج المترتبة عليها. هذا الوعي يفسّر الحماسة الاوروبية للتبرع بسخاء من أجل بقاء اللاجئين السوريين في البلدان التي استضافت أكبر عدد منهم وهي لبنان والأردن.
في المؤتمرات السابقة التي استضافتها الكويت، كانت معظم التبرّعات تأتي من الدول العربية، على رأسها الكويت نفسها. وكانت التبرّعات السخيّة للكويت من بين الأسباب التي دفعت الامم المتحدة الى تكريم امير الدولة الشيخ صُباح الاحمد ومنحه لقب القائد الانساني.
لم تعد نار الأزمة السورية تكوي سوريا والجوار المباشر، امتدّ الحريق الى اوروبا التي تسعى حالياً الى منع النار، نار الإرهاب خصوصاً، من الانتقال إليها.
في الوقت الذي كان المؤتمر منعقداً، كان رئيس الوزراء التركي احمد داوود اوغلو يثير مسألة استمرار تدفّق السوريين الهاربين من حلب ومحيطها في اتجاه بلده. هناك بالفعل رغبة روسية وايرانية بالاستجابة لما يريده النظام، أي تهجير أكبر عدد من السوريين من سوريا.
شاركت الكويت في مؤتمر لندن بعدما كانت استضافت المؤتمرات الثلاثة السابقة المخصصة لمساعدة الشعب السوري المظلوم.
كان صُباح الاحمد دقيقاً في توصيفه للوضع السوري وذلك عندما قال إن المأساة الانسانية في سوريا لن تنتهي الّا بحلّ سياسي يحقن الدماء ويعيد الاستقرار الى عالمنا، مضيفاً أنّ آثار هذه الكارثة المدمّرة لم تقتصر على إقليمنا الذي يعاني حالياً من تبعاتها، بل تجاوزته لتصل الى قارات أخرى ومنها أوروبا التي وفد اليها اللاجئون بأعداد كبيرة طلباً للأمن والعيش الكريم، كما انتقلت اليها المنظّمات الإرهابية التي انطلقت من بؤر التوتّر لتمارس أعمالها الإجرامية الدنيئة في بعض الدول الأوروبية.
تطرّق أمير الكويت الى مسألة في غاية الأهمّية هي مستقبل الاطفال السوريين قال: إنّنا مطالبون بالتفكير في فلسفة جديدة لتقديم الدعم والمساعدة للنازحين واللاجئين عبر اعتماد برامج وخطط توفّر لهم فرصاً للتعلّم وتحفظ الاطفال من ضياع حقّهم فيه.
تعود أهمّية مؤتمر لندن الى الجهد الذي بذل من أجل إيجاد مقاربة شاملة للأزمة السورية. لا بدّ من الاعتراف قبل كلّ شيء ببداية وعي أوروبي لحجم الأزمة وللتهديد الذي تتعرّض له القارة. هذا ما دفع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الى الاعلان عن تبرّع بمبلغ مليارين وثلاثمئة مليون يورو تذهب للسوريين والدول المحيطة. كانت هناك أيضاً تبرعات سخية من بريطانيا بلغت ملياراً ومئتي مليون جنيه استرليني ومن نروج التي قدّمت ملياراً ومئة وسبعين مليون يورو، فيما اكتفت الولايات المتحدة بتقديم ثمانمئة وتسعين مليون دولار.
بات على اوروبا ان تدافع عن نفسها. بات عليها المحاربة على جبهتين؛ الاولى منع اللاجئين من الوصول اليها والاخرى مواجهة روسيا وإيران اللتين تعملان على إبقاء النظام، أقلّه صورياً، من اجل متابعة عملية تفتيت سوريا وتهجير السوريين.
بدا واضحاً من الكلمات التي القيت في مؤتمر لندن أن تركيا تشعر بتهديد مباشر لها وأن من الصعب أن تبقى متفرّجة على ما يدور على حدودها. كذلك، بدا واضحاً أن الأردن من الدول القليلة التي تعرف كيف تدافع عن مصالحها وعن مصالح شعبها. يدلّ على ذلك حضور الملك عبدالله الثاني الى لندن وإلقاؤه كلمة اعطت بعداً آخر للمؤتمر.
مرّة أخرى، أظهر عبدالله الثاني كم هو بعيد النظر وكم هو قادر على النظر إلى الأزمة السورية من زاوية مختلفة، إذ قال: إننا نلتقي اليوم في هذا المؤتمر للمانحين تحت شعار دعم سوريا والمنطقة. إلّا أنني على قناعة بأن اجتماعنا يتجاوز في أهدافه قياس مستوى استعدادنا لتقديم المساعدة والدعم فقط. أضاف: إنّ الأساليب التقليدية لمعالجة الأزمات ما عادت وبكل وضوح ناجعة في مواجهة التحديات الخطيرة التي نواجهها. بناء عليه، نحن في حاجة إلى عمل أوسع نطاقاً وأكثر جرأة. ليست لدى الأردن عقدة التوطين وما شابه ذلك، هو الذي استقبل مئات آلاف اللاجئين من كلّ دول المنطقة، بما في ذلك أولئك الذين أتوا إليه من فلسطين والعراق. لذلك دعا إلى نهج يعطي الأولوية لتمكين اللاجئين واعتمادهم على الذات، بدل الاتكال على المساعدات.
كذلك دعا إلى الإجابة عن سؤال: لماذا يجدر منح الأردن أهمّية خاصة من دون دول العالم الأخرى المحتاجة للدعم؟، أوضح أنّ الأردن ليس بلداً فقيراً يطلب الدعم، بل هو معطاء وكريم بسخاء. لكن لكم أن تتخيّلوا لو أن الأردن تصرّف بطريقة مغايرة ولم يسمح للاجئين بدخول بلدنا على مدار العقود الماضية . ماذا سيكون أثر ذلك على المنطقة الآن وعلى السلم والامن العالميين؟. كذلك قال: إننا نعيش اليوم واقعاً مفاده أن واحداً من كلّ خمسة أشخاص يعيشون في الأردن هو لاجئ سوري، وهذا يوازي استيعاب المملكة المتحدة لسكان بلجيكا جميعاً (...) أكاد أجزم أنّه لا توجد دولة نامية أخرى ساهمت أكثر من الأردن في حفظ الأمن العالمي.
كان مؤتمر لندن نقطة تحوّل، خصوصاً أنّه جاء بعد أربع وعشرين ساعة من تعليق لقاء جنيف - 3 نتيجة إمعان روسيا في البحث عن حلّ عسكري في سوريا.
هناك بداية لبحث جدي في تأثير الأزمة السورية على السلم والأمن العالميين. نجح عبدالله الثاني في لفت أوروبا إلى هذا الأمر وذلك من منطلق الضغوط التي تعرّضت لها دول القارة أخيراً. هناك للمرّة الأولى بوادر تفهّم لحقيقة أن إيجاد حلّ في سوريا يساهم في القضاء على الإرهاب. لا ينمو الإرهاب إلّا في ظل الفقر وغياب الاستقرار. ليس صدفة أن الأردن لم يحافظ على استقراره إلّا لأنّه، على خلاف النظام السوري، لم يستثمر في الإرهاب ويشجّعه ويسعى إلى استغلاله. على العكس من ذلك دخل باكراً في مواجهة مباشرة مع الإرهاب بكلّ أنواعه.
هل من يتذكّر أن الأردن لعب دوراً بارزاً في القضاء على أبو مصعب الزرقاوي في داخل العراق وذلك قبل أن يبدأ الكلام عن داعش وما شابه داعش؟
بعد مؤتمر لندن، هناك ظهور لوعي حقيقي في أوروبا لأهمّية مساعدة اللاجئين السوريين والسعي إلى بقائهم غير بعيدين عن سوريا. ما الخطوات السياسية التي ستتبع ذلك؟ المال يمكن، من دون أدنى شكّ، أن يكون عاملًا مساعدًا. لكنه ليس العامل الحاسم.
هل في استطاعة أوروبا حمل الإدارة الأميركية على لعب دور أكثر فاعلية في التخلص من النظام السوري؟
من دون خطوة من هذا النوع، ستظلّ المساعدات المالية، مهما بلغ حجمها، مجرّد مسكّن لا أكثر. المال ليسّ حلّاً. في غياب الحلّ، ستكون الحاجة الدائمة إلى مؤتمرات مثل مؤتمر لندن تغطي العجز عن الذهاب إلى لبّ المشكلة الذي هو النظام السوري ولا شيء غير ذلك!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00