هناك رسائل عدّة وجّهها أمير دولة الكويت الشيخ صُباح الأحمد من خلال الخطاب الذي افتتح به دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمّة (البرلمان).
في مقدّم هذه الرسائل وجود تقاليد ديموقراطية حقيقية باتت راسخة، الى حدّ ما، في الكويت. هذه التقاليد، بما في ذلك انعقاد مجلس الأمّة في مواعيد محددة ولعب دوره في مجال مراقبة العمل الحكومي، بعيداً عن المهاترات والمزايدات، باتت جزءاً لا يتجزّأ من الحياة السياسية في البلد. باتت هناك تقاليد معتمدة تساهم في حماية الكويت والمجتمع الكويتي. وقد استطاع الشيخ صُباح تصحيح المسار، متى تطلّب الأمر ذلك. استخدم الأمير القوّة الناعمة في عملية التصحيح بعد حصول تجاوزات استهدفت جعل مجلس الأمّة مسرحاً للمهاترات ومكاناً يستخدم لتعطيل العمل الحكومي بدل تسهيله. اضافة الى ذلك، تخلّى النوّاب، من ذوي الأجندات الخاصة، في مرحلة معيّنة عن مهمّتهم الأساسية المتمثلة في التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية وتصحيح ما يحتاج الى تصحيح متى تدعو الحاجة الى ذلك.
لم يعد مجلس الأمّة في أيامنا هذه منبراً للخطابة والكلام الفارغ في ظل وجود حكومة جدّية برئاسة الشيخ جابر المبارك. صار للمجلس في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة، دور في مجال حماية السلم الأهلي وتوعية المواطن الى الأخطار المختلفة المحيقة بالبلد.
واضح أن رئيس المجلس مرزوق الغانم لعب الدور المطلوب في مجال وضع الأمور في نصابها وجعل مجلس الأمّة منتجاً، قدر الإمكان طبعاً، بدل أن تكون هواية النوّاب التعطيل من أجل التعطيل وجعل الديموقراطية اقرب الى الفوضى المنظمة من أيّ شيء آخر.
هناك انتظام لعمل السلطات المختلفة عبّر عنه الأمير. هذا يسمح بقول الأشياء كما هي، أي بجعل الكويتيين يواجهون الواقع من دون عمليات تجميل. ولذلك، كان على الشيخ صُباح دقّ جرس الإنذار واطلاق التحذير تلو التحذير وجعل الكويتيين يتنبهون الى انهم لا يعيشون في جزيرة لا تتأثر بما يدور حولها. انّهم يعيشون في عالم خطر وفي منطقة خطرة، خصوصاً بعدما طرق الإرهاب أبواب الكويت مجدّداً. هناك جريمة مسجد الإمام الصادق التي تقف خلفها داعش والتي كان الهدف منها إثارة الغرائز المذهبية. وهناك كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات آتية من إيران عثرت عليها قوات الأمن التي أوقفت أيضاً أشخاصاً تدرّبوا لدى حزب الله في لبنان. هذا ما جعل صُباح الأحمد يوجّه رسالة أخرى، جاءت بمثابة تحذير. فحوى الرسالة أن لا شيء يحمي الكويت أكثر من المحافظة على الوحدة الوطنية والابتعاد عن كلّ ما من شأنه إثارة الفتن بين الكويتيين. قال بالحرف الواحد: أن هذه الجريمة النكراء والخلايا الإرهابية ومخازن الأسلحة والمعدات الإرهابية التي كشفتها أخيراً العيون الساهرة على امن الوطن، والتي نسجّل لها الشكر والتقدير، تدقّ عالياً أجراس الخطر تحذيراً وإنذاراً، وتوجب علينا المزيد من اليقظة والانتباه وان نجعل أمن الوطن وسلامة المواطنين همّنا الأوّل وشغلنا الشاغل الذي يتقدّم على كلّ كما سواه.
هذا لا يعني بأي شكل أن السهر على امن المواطن والوطن يغني عن التطرق الى ضرورة معالجة ما تعاني منه الكويت. قال الأمير بصراحة ليس بعدها صراحة ان النمط الراهن الذي تعيش الكويت على وقعه لا يمكن ان يستمرّ. اعتبر ان التحديات الاقتصادية التي تمرّ بها الكويت في مستوى التحديات الأمنية، بل اهمّ منها، مشيراً الى ان ايرادات الدولة تراجعت بفعل تراجع مداخيل النفط بنحو ستين في المئة في حين استمرّ الإنفاق العام على حاله من دون اي خفض يتناسب مع انخفاض اسعار النفط. ذهب الى ابعد من ذلك بتحذيره من مخاطر النمط الاستهلاكي موجهاً الحكومة نحو إجراءات لترشيد الإنفاق والتصدي لمظاهر الفساد وأسبابه داعياً المواطن العادي الى تفهّم تدابير الإصلاح والتعامل المسؤول مع متطلباته مطمئناً إياه الى انّ المساس لن يتمّ بأسباب العيش الكريم ولا بدخل الفئات المحتاجة ولا بصندوق الأجيال.
تواجه الكويت تحديات جديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي. لذلك تطرّق صُباح الأحمد الى الوضع الإقليمي وانعكاساته على الداخل، او كيف أريد لها ان تنعكس، متطرقاً الى ارهاب الدول والجماعات المسلّحة تحت سقف الطائفية والعرقية. استذكر المحاولات المستمرة للعزف على اوتار الطائفية واستغلال النزعات القبلية والفئوية والعرقية والطبقية. بدا كأنّه يتحدث عن كل دولة من دول العالم العربي مرّت وتمرّ بكل هذه الأحداث او بأجزاء منها. بدا أيضاً وكأنّه يقول ان التعبئة الطائفية والمذهبية والقبلية هي الجريمة الأكبر، فيما التفجيرات تأتي استكمالاً او ترجمة طبيعية لها.
ومن الدلالات البالغة الأهمّية في خطاب امير دولة الكويت الردّ على من يريد الاصطياد في المياه العكرة بين الكويت والدول الأخرى في مجلس التعاون، خصوصاً المملكة العربية السعودية. كان واضحاً في تأكيد أنّ بلاده جزء لا يتجزّأ من منظومة مجلس التعاون، وكلّ تهديد يستهدف أمن إحدى الدول، انّما هو تهديد لأمن الكويت وسائر دول المجلس. تحدّث عن عاصفة الحزم ومشاركة الكويت فيها بلا تردد مشيداً بـاخينا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي اطلقها وقادها بكلّ شجاعة حماية لأمن المملكة ودفاعاً عن الشرعية في اليمن.
كان الخطاب كلمة في غاية الصراحة والوضوح ارادها امير الكويت ان تصل مباشرة الى كلّ بيت كويتي وعربي. اراد ان يقول ان التطرّف بشقيه السنّي والشيعي يقوّض اركان المجتمع، اي مجتمع، كما انّ استمرار النمط الاستهلاكي في الكويت، في ظل انخفاض اسعار النفط، يؤدي الى انهيار المداخيل لدى العائلات ويقوض اركان المجتمع والدولة، اي دولة، مهما امتلكت من ثروات.
في ختام خطابه، شخّص الداء ووصف الدواء المتمثل بالتزام الدستور والقانون من جهة وعدم اخذ الكثرة بجريرة قلة من جهة اخرى، مشيراً الى انّه اذا حدث ان أخطأ فرد في حق الوطن والمجتمع او خان الأمانة وفرّط بشرف الانتماء الوطني، لا يجوز أبداً التعميم على طائفته او قبيلته بغير سند او دليل. قال صُباح الأحمد لمواطنيه في خطاب المصارحة انّ عليهم التصرّف من منطلق الكويت اوّلاً، لا اكثر ولا اقلّ وذلك في ظلْ التعقيدات الإقليمية والأحداث التي تمرّ بها المنطقة والتي لم تعد ترحم احداً. ليس للكويتي سوى الكويت. هل يمكن لمواطن التفريط بضمانته الوحيدة، وهي ضمانة له ولعائلته وللأجيال الآتية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.